العدد 2731 - الجمعة 26 فبراير 2010م الموافق 12 ربيع الاول 1431هـ

عبدالمالك ريغي وحديث من بلوشستان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عبد المالك ريغي أصبح الآن في قبضة الأمن الإيراني. بالتأكيد هو حدث مهم وجدلي أيضا، ليس بالنسبة لطهران فقط، وإنما لموضوع الحزام العرقي والإثني والطائفي المحيط بإيران، من جنوبها الشرقي (حيث إقليم سيستان بلوشستان)، ومرورا بالمناطق الغربية (حيث إقليم أذربيجان) وانتهاء بالمناطق الشرقية (حيث إقليم خوزستان).

ما يهمّ من ذلك الاعتقال هو الحديث عن منطقة الصراع في الجنوب الإيراني (اجتماعيا) و (مذهبيا) و (جغرافيا) حيث تقطن القبائل البلوشيّة. فجزء من أوراق الضغط التي تمارسها الاستخبارات الأميركية ضد طهران هو من جوف الهَوَس الأقلّي والمذهبي داخل إيران، وتثمير التناقضات القائمة في تلك المناطق الحسّاسة، وبالتحديد إقليم سيستان بلوشستان.

ما يجب أن يُعرَف عن المجتمع الإيراني هو أن المدنيّة (الخالصة) لا تتمدّد على نفوسه بشكل مُحكَم. فتعداد المُكوّن القبلي في المحافظات الإيرانية الثلاثين يتاخِم الـ 1,304,089 نسمة، يتوزّعون على 102 قبيلة و592 عشيرة (674,238 رجل، و 629,851 امرأة). هذا المجموع يعيش حياة البداوة بكلّ ما لها من معنى منذ أن عرفَها الإنسان.

فهو يعتمد على الترحال، وتربية الحيوانات، ويسكن البيوت الجبليّة والصحراوية، ويعتمد على الزيجات الّلحميّة والأباعديّة في التصاهر، ويتقاضى منتسبوه على سلّم قضائي قبلي مُعتّق وصارم، ويتَمَعْيَر مجتمعهم على الجنس والسّن والمكانة الاجتماعية والجدارة. (راجع ما كتبه محمد نور الدين عبد المنعم من كلّيّة اللغات والترجمة بجامعة الأزهر في هذا المجال).

وإذا ما عُرِفَ عن المجتمع الإيراني ذلك، فإن الحقيقة التي يجب أن تُفهَم وتُدرَك كذلك هي أن نظاما للمصالح الداخلية والنسيج الاجتماعي، قد نشأ ونما إلى جانب النظام الكلاسيكي للدولة الإيرانية. أو بالقول الأدق إنه لم يتماهَ معه. فالقبليّة لا تندمج في المجتمعات المغايرة إن لم تكن تنتظم معها في ذات الأنوية والعادات والرؤى، مهما ثار الجدل بشأنها.

هذه العقدة هي أحد أهم ظروف الصراع الذي تخوضه الحكومة الإيرانية مع مجموع غير قليل من المُكوّن القبلي سواء في سيستان بلوشستان أم غيرها من المناطق، بالإضافة طبعا (وكما ذكرنا) إلى الخلافات المذهبية (سُنّي/ شيعي) وما يترتّب على ذلك من تأثيرات داخلية وخارجية، تستعيد أجزاء مهمّة من الهوية الدينية للإقليم المُمتد في عُمق الجوار الجغرافي.

في إقليم سيستان بلوشستان الذي يعتبر ثالث أكبر محافظة إيرانية (181,600 كم) وبأنفس تزيد على الثلاثة ملايين نسمة، يمتهن نصف البلوش (أو أقلّ) الزراعة وتربية الماشية. في حين يمتهن زهاء 35 بالمائة من البلوش العشائريين الصناعات اليدوية إلى جانب الزراعة، والباقي هم من القبليين التقليديين الرُّحّل الذين يعتمدون على الرّعي. (راجع ما كتبه محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس).

هذا التوزيع العشائري القبلي الصلب دخل في تضاد مع عملية التمدين في تلك المنطقة. هذا التضاد جرّ مناطق جاهبار وسروان ونيكشهر وسرباز وسروان وخاش وإيرانشهر ومعظم مناطق زاهدان إلى جبهة لكنها مُستعِرة هلاميّة، وغير محدودة لتماسها من جهة الخلف مع دولة جارة هي باكستان، التي تمثّل أحد أهم الأغوار القبليّة للبلوش.

فيما خصّ الانشطار المذهبي في ذلك الإقليم، فإنه يتوزع ما بين سيستانيين أغلبهم من الشيعة، وبلوشستانيين أغلبهم من السُّنّة. وبما أن الحكم المركزي في طهران هو شيعي اثنا عشري فإن البلوش السُّنّة عادة ما يشكون تفضيلا يتلقّاه السيستانيين الشيعة من قِبَل طهران، وهو ما تنفيه الأخيرة، وتستند في ذلك على مدماك بشري بلوشي سُنّي متحالف معها يقوده بزعامة إمام جمعة مسجد مكة بمدينة زاهدان الشيخ مولوي عبد الحميد إسماعيل زهي.

وما بين الضرورات القبلية، والتعقيدات المذهبية، تبرز الجغرافيا كأحد أهم أسباب عدم حسم الصراع. فالإيرانيون اليوم يستندون على نِعَم الجغرافيا لديهم لكي يحموا منشأة فردو النووية وباقي عتادهم الصاروخي. وهو ذات الأمر الذي ينطبق على جماعات متناثرة على الأرض الإيرانية.

فالحركات البلوشية المناهضة للحكومة في طهران تحتمي بسلسلة جبال وهضاب ووديان سحيقة في معاركهم مع الأغيار. وهي تؤمّن لهم أماكن صلبة للاختباء، والتقاط الأنفاس. وهو ما جعل أغلب المعارك التي دارت هناك منذ مئات السنين لأن تفشل فشلا ذريعا.

في المحصّلة فإن معالجة قضايا شائكة مثل القضية البلوشية في الجنوب الإيراني يحتاج إلى صياغة مشروع سياسي ديني يسحب الذرائع، ويُعرّي الخيارات، وكذلك معالجة التناقضات التي قد تُصبح يوما من الأيام خير وسيلة لتحديد الخصوم وشرعيّة مناجزتهم على الأرض.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2731 - الجمعة 26 فبراير 2010م الموافق 12 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:26 م

      ريغي

      ريغي هو الزعيم الجاهدين

    • زائر 2 | 8:53 ص

      القضية

      كل يوم تتكشف قضية ريغي اكثر فاكثر . فحين قالت ايران انها قبضت عليه تتداعى الجميع لنفي روايتها الرسمية ولكن باكستان صرحت لاحقا بانها كانت عملية كوماندوز في الأجواء الايرانية واليوم دبي فعلت ذات الشيء

    • زائر 1 | 7:19 ص

      ريغي

      العملية التي قامت بها ايران للقبض على ريغي اثبتت ان حرب الاستخبارات هي أعنف من حرب الجبهات

    • احبك يا وطني | 4:12 ص

      رجال ابو سياف قتلوا اطفال

      خبر هذا اليوم قتل رجال ابو سياف اطفال ونساء وهم نيام بعد اغارتهم على قرية في الفلبين هل هناك جهاد اشرف من هذا الجهاد .

    • احبك يا وطني | 11:51 م

      ريغي سيعري الارهاب الامريكي

      الارهاب الامريكي يتمثل في دعم قتلة الاطفال و النساء امثال فصيل ريغي .
      هذا العميل (المجاهد) ينطلق من قاعدة امريكية من افغانستان الى دبي حيث المال الى قرقيزيا حيث الامن المناسب لغقد صفقات مع مخابرات الامريكان.
      بالامس عرضت العربية( لمجاهد ) متقاعد سعودي الجنسية و اطلق عليه داعية كشف اهوال و فضائع هذه الجماعات التكفيرية التي تغتصب النساء باسم الدين بعد تكفير ازواجهم تمارس الجنس معهم باعتبارهم جواري.

اقرأ ايضاً