شكّلت العلاقة بين الشرطة الإسرائيلية والمواطنين العرب في «إسرائيل» محطّ اهتمام رئيسي في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000 عندما أطلقت الشرطة النار على متظاهرين فقتلت 13 مواطنا عربيا. وألقت لجنة تحقيق شُكّلت بعد الحادث اللوم ليس فقط على رجال الشرطة وإنما كذلك على التحريض الناري الذي أطلقه بعض زعماء الجالية العربية. كما أبرزت اللجنة دور التمييز المستمر منذ فترة طويلة في تعزيز الإحباط في أوساط المواطنين العرب في «إسرائيل».
وتشكّل المساواة بالنسبة للمواطنين العرب تحدّيا مهما مازال يتوجب على «إسرائيل» الالتزام به، وتشكّل الأعمال الشرطية العادلة والفاعلة ناحية مركزية في هذا التحدي. ورغم أنه تم بذل بعض المحاولات منذ أكتوبر العام 2000، إلا أنها كانت قليلة جدا ولم يكن لها أثر يذكر.
من المشاكل الرئيسية التي تحددها اللجنة أن السكان العرب لا ينظرون إلى الشرطة على أنها توفر خدمة وإنما كعنصر معادٍ يخدم حكومة معادية. وقد كانت اللجنة على حق عندما وضعت الخطوط العريضة للحاجة لتوسيع مجال الخدمات المجتمعية الشرطية بهدف تحسين المستوى العام للخدمة في هذا القطاع.
لن يساهم تحسين الخدمات الشرطية في تحسين حياة المواطنين العرب اليومية فحسب، وإنما سوف يشير إلى التزام الدولة ومؤسساتها تجاه هذا الجمهور. فمن وجهة نظر الجمهور، يمكن لإصلاحات ناجحة أن تولّد الثقة والشرعية الضروريتين للعمل بفاعلية في الأحياء العربية.
تلقي دراسة قمنا بإجرائها نيابة عن «مبادرات صندوق أبراهام» الضوء على التحديات واحتمالات الإصلاحات المستقبلية.
يشعر المواطنون العرب، مثلهم مثل الأقلّيات في أي مكان آخر بأنهم مراقَبون أكثر من قبل قوات الشرطة، حيث يتم إيقافهم واعتقالهم أكثر من غيرهم، وبأنهم مراقبون أقل، أي أن الشرطة لا تهتم بهم، إذ إنهم يحصلون على نوعية أقل من الخدمات الشرطية في أحيائهم.
ورغم أن غالبية المشاركين في الاستطلاع (74 %) لم يتعرضوا شخصيا للتمييز ضدهم من قبل رجال الشرطة، إلا أن حقيقة أن (77 %) يعتقدون أن اليهود يُعامَلون أفضل من العرب من قبل رجال الشرطة تشير إلى أن الرؤى السلبية عميقة ومتأصّلة.
إلا أنه رغم انعدام الثقة هذا، تظهر دراستنا أن المواطنين العرب ليسوا على استعداد لقطع الأمل بالخدمات الشرطية وأنهم على استعداد للتعاون مع الشرطة.
وقد رفضت غالبية المشاركين في الدراسة التعبير القائل بأنه «من غير المحتمل أن يتعاون المواطنون مع قوات الشرطة في أي موضوع»، وهي حقيقة تقترح بشدة أن الإصلاحات التي تهدف إلى توفير خدمات شرطية عادلة وفاعلة سوف تلقى ترحيبا من قبل الجمهور الإسرائيلي العربي، وأن هذا الجمهور سوف يكون على أتم الاستعداد للتعاون مع الشرطة لتشجيع الإصلاحات.
يتطلب العمل الشرطي الفاعل في مواقع متعددة الثقافات حساسية تجاه احتياجات الأقليات العرقية ومعرفة بها. وقد وافق غالبية المشاركين على أن «ضابط الشرطة الذي لا يملك معرفة بالثقافة والعادات العربية لا يمكن أن يؤدي عمله بصورة جيدة عندما يعمل في وسط مجتمع عربي».
ويشكّل تدريب ضباط الشرطة وقنوات الاتصال بين الشرطة والجالية العربية مجالين محتملين للإصلاحات. وقد وافق العديد من المشاركين في الدراسة على أن المواطنين العرب يستطيعون، بل يتوجّب عليهم لعب دور أكثر نشاطا في تدريب ضباط الشرطة. وبالمثل، توافق غالبية مهمة أن العمل الشرطي داخل المجتمعات العربية له نصيب أكبر في النجاح إذا عمل على إشراك قيادات الجالية العربية.
ويمكن لتجنيد ضباط شرطة عرب أن يشكّل خطوة باتجاه تغيير تركيبة الشرطة من الداخل.
مازالت المعوقات السياسية والنفسية تمنع العديد من المواطنين العرب من الانضمام إلى قوات الشرطة. إلا أن نتائج دراستنا تشير إلى أن غالبية من المواطنين العرب تساند تجنيد العرب، وبأن 30 % منهم على استعداد للانضمام إلى قوات الشرطة إذا كانوا يبحثون عن عمل.
ومما يثير الاهتمام أنه في الوقت الذي يعتقد فيه 45 % من المشاركين في الدراسة أن تجنيد المواطنين العرب يمكن أن يكون له وقع إيجابي، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يريدون أن يقدّم رجال الشرطة العرب الخدمات الشرطية لهم. بدلا من ذلك، أشار المشاركون إلى أن اهتمامهم يتركّز أكثر على العدالة في تقديم الخدمات ونوعيتها، وليس على الخلفية العرقية لضابط الشرطة.
وتشير تجارب الدول الأخرى إلى الصعوبات في تكييف الخدمات الشرطية مع الواقع الديناميكي للمجتمع المتعدد الثقافات، وخاصة عندما تبرز التوترات العرقية في العديد من نواحي الحياة العامة. ولكن رغم أن الشرطة تشكّل أحيانا جزءا من المشكلة في العلاقات بين الأقليات والدولة، إلا أنها تملك كذلك احتمالات أن تكون جزءا من الحل، بحيث توفّر للأقليات المساواة وصوتا في صنع السياسة.
يطالب المواطنون العرب بوجود قوة شرطية عادلة وفاعلة في توفير الأمان للأحياء العربية التي تعاني من معدلات جريمة مرتفعة، وهي بالإضافة إلى ذلك مستعدة للتعاون مع الشرطة لتحقيق هذا الهدف. وحتى يتسنى لنا أن نصل إلى هناك فإننا بحاجة إلى النية الحسنة والقيادة المصممة، داخل المجتمع العربي وإدارة الشرطة على حد سواء.
* محاضرة في قسم السياسة العامة والإدارة في جامعة بن غوريون. * من كبار المحاضرين في قسم السياسة العامة والإدارة في جامعة بن غوريون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2730 - الخميس 25 فبراير 2010م الموافق 11 ربيع الاول 1431هـ
غريب الدار
نفس السي عندنا