حين تحدّث خالد مشعل عن مرجعية بديلة عن منظمة التحرير وجدت أن الرجل تأخّر ما يكفي عن قوله. فالسيمفونية التي تردّدت منذ تقديم عبدالناصر المنظمة إلى السوفيات وما أعقبها من صنوف التعجيل بالاعتراف بها وإبرازها «ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني» وأحداث ما بعد «أوسلو» والانتفاضة الثانية جعلها أكثر اهتراء من أي شيء آخر.
فالاتّكاء على تضحيات منظمة التحرير منذ إنشائها قبل خمسة وأربعين عاما لتبرير رفض استبدالها أو إصلاحها خطأ يُماثله رفض محور الاعتلال اتّكاء «حماس» على تضحياتها اليوم للظفر بسلطة سائدة أو قيادة تتشرعن بنواصي قتال المحتل.
فحزب العمل هو من أسّس دويلة الكيان الصهيوني. وأنتج قياداته التاريخية كديفيد بن غوريون وموشي دايان وجولدا مائير. لكنه اليوم يُعتبر الحزب الرابع بين الأحزاب الصهيونية. ولم يدّعِ يوما أنه مرجعية للصهيونية.
إن لم تُقبل رؤية مشعل اليوم لأنها شقٌ للصف، فقد شقّت قوى الجموح الثوري في المنظمة قيادة الشقيري وأزاحته بعد الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 1967. وقد بدا أن اللجنة التنفيذية حينها سائرة في اتجاهين متنافرين.
وليس بعيدا عن محكيّاتنا اليومية، فما تقوله المنظمة على لسان رئيس دائرتها السياسية وأحد مؤسّسي فتح والمنظمة معا فاروق القدّومي، وما بين قول ياسر عبدربّه أمين سرّها وأحد الخارجين من بين فَرْثِ خلافات الجبهة الشعبية ودمها بونٌ شاسع لا يشي بقرب مكانيهما داخل المنظمة.
وإن لم تُقبل رؤية مشعل خوفا من أن تل أبيب لن تجد شريكا لها في السلام، فلا أظنّ أن أحمد قريع (وهو فتحاوي ومفاوض) أخطأ عندما قال بأن الكيان الصهيوني لم يعد شريكا في عملية السلام.
بل إن شمعون بيريز قال مرة في حفل عشاء حضره السفير الأردني في تل أبيب بأن «أبا مازن ليست لديه قوّة لتطبيق الاتفاقيات الأمنية، وبالتالي فإنّ مسار المفاوضات لا فرصة لديه بالنجاح».
أي شريك هذا الذي يقتل في 6 أعوام 4516 فلسطينيا بينهم 868 دون سن الثامنة عشرة ويجرح 48021 ويهدم بشكل كلي 10491 منزلا، ويُجرّف 20847 دونما، ويعتقل أحد عشر ألفا. هل هذا شريك أم عدو؟ لا أدري.
اليوم ليس حاجة للفلسطينيين بأن تسير بهم المنظمة إلى التقاط صور للمفاعل النووي الباكستاني، أو الاشتراك في ضرب مصنع الشفاء في الخرطوم، أو التجسّس على الجاليات المغربية والفلسطينية والإيرانية في أوروبا، أو ابتزاز سياسيي فتح والمجلس الثوري فيها بتوريطهم في مطبّات أخلاقية رخيصة.
العمل الفلسطيني لا يحتاج إلى توريط اسم المنظمة (عبر بوابة السلطة الوطنية الفلسطينية) لأن تقيم لها نقاط استخباراتية في السودان ولبنان ومصر والجزائر واليمن والبوسنة والإمارات لحساب دول عظمى. فذلك لا يعدو كونه إجارة رخيصة في أسواق الذمم.
العمل الفلسطيني يحتاج إلى إطار مرجعي جديد يتناغم مع المقاومة لا أن يكون نِدّا وخصما لها، وهو يحتاج إلى إعادة بناء ميثاقه الوطني الذي أُحرِقَ تسعون في المئة من بنوده إبّان العهد الكلنتوني، وعُوّم الآخر، فضاعت تسمياته بين شعب مُقسّم بين مليون ونصف المليون في القطاع، ومليونان ونصف المليون في الضفّة، ومليون ومئتي ألف في داخل الكيان الصهيوني وخمسة ملايين في الشتات.
هذا الصّدأ الذي أصاب المنظمة يحتاج إلى إزالة. وكهولها يجب أن يبتعدوا قليلا عن مركز القيادة. فمن وضعته أمّه يوم ميلاد المنظمة تجاوز الأربعين من عمره اليوم. وصار جديرا أن يقبض على مقودها جيل أليق في السياسة وفي العمر معا.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ