نتيجة الانتخابات الإسرائيلية التي أعلنت الأسبوع الجاري تظهر أن من يريد أن يحكم في الدولة العبرية فعليه أن يقتل أكثر من الفلسطينيين والعرب عموما وأن لا يريهم وجها بشوشا وألا يتحدث عن السلام بتاتا وخصوصا أثناء الحملة الانتخابية.
فلننظر إلى البرامج الانتخابية لبعض الأحزاب الإسرائيلية لنستدل على ذلك، فحزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه المتطرف افيجدور ليبرمان يقول إن أية حكومة مقبلة يجب أن تُجهز على نظام «حماس» في قطاع غزة، ليس هذا فحسب بل يريد طرد «عرب إسرائيل» إلى الدول العربية المجاورة، ولا يؤمن بدولة فلسطينية ولكن حكما ذاتيا فقط. أما حزب الليكود اليميني فيرى أن الفلسطينيين غير جاهزين لتسوية إيديولوجية (بمعنى إسرائيل دولة يهودية) ذات أبعاد تاريخية لإنهاء الصراع وبالتالي فهو يرفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم على أن تبقى القدس المحتلة العاصمة الإسرائيلية. أما حزب كاديما فيعتقد أن الدولة الفلسطينية المستقبلية (إن وجدت) ستكون منزوعة السلاح، ولا يسمح أيضا بعودة اللاجئين الفلسطينيين والقدس عاصمة موحدة لـ «إسرائيل».
لقد كانت رئيسة الحزب الفائز بالعدد الأكبر من المقاعد (كاديما 28 مقعدا) تسيبي ليفني محتارة، قبيل العدوان على غزة، في تشكيل حكومة وحدة وطنية بديلة لحكومة ايهود اولمرت الذي استقال بسبب تهم فساد. كل الأحزاب اليمينية واليسارية رفضت الانضمام إلى حزبها آنذاك وفضلت إجراء هذه الانتخابات المبكرة وذلك حتى تقطع الطريق أمام ليفني للمضي قدما في مسار التفاوض المزعوم بشقيه الفلسطيني والسوري.
وما إن جاءت السانحة بالعدوان على القطاع وسفك دماء نحو 7 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح حتى ارتفعت أسهم ليفني في الانتخابات حيث اعتبر الناخبون الذين أصبحت غالبيتهم متطرفين أن هذا العدوان فيه انتصار على حركة حماس ودواء ناجع لصدمة حرب لبنان الثانية يوليو/ تموز 2006 التي ذاق فيها الجيش الإسرائيلي أسوأ هزيمة في تاريخه.
بيد أن دماء الفلسطينيين الأبرياء أبت إلا أن تطارد المجرمين الصهاينة وتجعل نتيجة تصويتهم وبالا عليهم ويصبح بأسهم بينهم شديدا. فالآن هناك تصارع مستميت بين الزعيمين الفائزين ليفني ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو (27 مقعدا) إذ الفارق بينهما مقعد واحد فأخذ كل منهما يزعم أحقيته بتشكيل الحكومة المقبلة والتي حتى وإن تشكلت فلن تعمر طويلا بسبب ما ستحتويه من تناقضات في الأهداف.
لن تستطيع ليفني تشكيل حكومة وسطية، تستخدمها للترويج بأنها امرأة السلام في الشرق الأوسط وإن الفلسطينيين غير مؤهلين للسلام، وذلك لأن نصيب حزب كاديما وحزب العمل وميريتس هو 44 عضوا في الكنيست فيما يتطلب تشكيل الحكومة أكثر من 61 مقعدا.
في المقابل يستطيع نتنياهو تشكيل وزارة يمينية صرفة من الأحزاب المتطرفة مثل «إسرائيل بيتنا» لأن نصيبهم مجتمعين في البرلمان نحو 64 مقعدا.
وفي كلا الحالتين سواء شكلت ليفني الحكومة من خلال معجزة في الأيام المقبلة أو شكلها نتنياهو من المتطرفين فإن «شللا تاما» سيحدث لا محالة لعملية السلام في المنطقة. لقد تغيرت الأجندة الإسرائيلية عقب الانتخابات المحلية والأميركية فبعد أن كانت مرتكزة سابقا على محاربة الفساد ومواجهة الركود الاقتصادي، أصبح للأمن والسياسة الإقليمية أهمية قصوى إذ يريد الناخب الاسرائيلي قائدا متطرفا أكثر من ارييل شارون لمواجهة الهواجس تجاه «إيران النووية» وذلك عقب مجيء إدارة أميركية من الحمائم، بحسب العقلية الصهيونية، لا تستطيع إلجام «قوى الشر» في المنطقة.
ومع أن فرصة نتنياهو أكبر للنجاح في تشكيل حكومة متطرفة حتى النخاع إلا أن ذلك ليس كل ما يتمناه هذا السياسي الثعلب الذي فشل العام 1996 في تسيير حكومة مماثلة. فهو لا يريد ترؤس حكومة يكون بقاؤها مرهونا بالاستجابة للمطالب المستحيلة لحزب «إسرائيل بيتنا» المتمثلة في طرد «عرب إسرائيل» والقضاء على «حماس» التي ستسبب لنتنياهو شللا سياسيا تاما بحيث تجبره على التنصل حتى من اتفاق للتهدئة في قطاع غزة تقوم به الأطراف الإقليمية. ليس هذا فحسب بل ستحدث حكومة يمينية متطرفة صداما متوقعا وربما غير معلن مع الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما على رغم إعلان ادارة الأخير أنها ستتعاون مع أية حكومة إسرائيلية بغض النظر عمن سيرأسها.
وفي جميع الأحوال إذا ما استطاع المجتمع الدولي إلزام الحكومة الإسرائيلية المقبلة بالاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس إلا أن القادة الإسرائيليين الجدد لن يقدموا أي تنازلات لقيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. فهم ربما يقبلون تحت الضغط بالذهاب إلى طاولة المفاوضات ولكن سيكون هدفهم الاستراتيجي ضياع الوقت والتشكيك في وجود شريك فلسطيني قوي يضرب المقاومة المسلحة ويوقع على اتفاقات استسلام. عندئذ ستحصل «إسرائيل» على مليارات الدولارات من الغرب كمكافأة لإنفاقها في تعزيز التسلح ومواجهة الحرب المقبلة. ولا عزاء للعرب الذين مازالوا «مستكينين» ويراهنون على أن تظل مبادرة السلام العربية على الطاولة... وأن لا خيار لديهم سوى مد اليد إلى عدو لا يؤمن بالمصافحة.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ