عندما نمعن النظر في أسباب الفساد الإداري واستمراريته، على رغم تركيز الإعلام عليه، وعلى رغم الشعارات الفضفاضة والهلامية والتي تأتي في الغالب لمحاربته والوقوف ضده، فإننا نجد نماء غير طبيعي في الفسادات، وحلقات مسلسل الفساد في ازدياد كبير.
نعتقد في النهاية بأن هناك سرا معينا في صالح استمرار الفساد الإداري ولو حاولنا أن نضع أيدينا على الجرح، وإن كان ذلك مؤلما وموجعا وذا شجون سنجد أن هناك سيلا جارفا من الأسباب والمسببات والعوامل التي تجعل الفساد حي يرزق.
فهناك ما يسمى بنظرية إن جاز لنا تسميتها بحسب الوصف الحالي والتشخيص الموضوعي «من سيئ إلى أسوأ» فالذي يتحكم في مصير الإدارات بشكل عام سياسة السيئ إلى الأسوأ طالما هناك تشاور وطالما هناك ترشيحات من قبل الإداريين المفسدين السيئين المودعين كراسيهم سيكون المقبل أسوأ بكثير مما كان عليه الإداري السابق لعدة أسباب، لعلنا في هذه العجالة نسردها ونوفق في ذلك:
أولا: المقبل أسوأ لأنه تتلمذ وتربى على يدي الإداري المفسد السابق عليه، ولأنه كان مطيعا جدا ومهذبا طوال فترة ملازمته وكان بذلك موضع ثقة واهتمام من قبل الإداري السيئ المودع لكرسيه، عليه إذن أن يبقى كذلك مطيعا ومهذبا على الدوام وفاء.
ثانيا: بالطبع سيكون قد حمل على ظهره العديد من الخبرات الإدارية السيئة والتي كانت نتاجا ضخما من المعايشة اليومية ورصيدا ضخما جدا من الإرهاصات الإدارية، ولكونه عقلا مدبرا أيضا في الكثير من المفاصل الإدارية فقد حاز على الثقة المطلقة من دون منازع.
ثالثا: لابد أن يكون المقبل أسوأ لأنه سيتنور بكل ما عايشه من تجارب سيئة وتعاطى، معها فضلا عن أنه سيكون تابعا لكل الأمور المستجدة وستكون المنهجية نفسها سيدة الموقف بلا إبداع يذكر، وإن كان هناك جديد في الموضوع سيكون الإبداع حليفه، الإبداع السلبي ما أقصده حتما/ التطنيش والتهميش ولا شيء سواه.
رابعا: من الطبيعي أن يمشي على ما سار عليه مثله الأعلى وولي نعمته، وخصوصا بعد أن تربى على يديه، ومع الزمن سيكون أكثر إبداعا منه، فالمبدع عندما يتربى على يد مبدع سيكون أكثر إبداعا من غيره.
خامسا: طبيعي جدا أن الإداري السيئ والذي قرر أن يترك ملكه القديم، ويترك مكتبه بعد أن ملكه وملك حينها كل من حوله بقوة المنصب لا الشخصية ولا بقوة الممارسات الإدارية المقنعة والمؤثرة.
سادسا: دهاء وليس ذكاء فليس من المعقول أن يكون الإداري السيئ والذي ذاع صيته، أن يولي إليه خليفة أحسن وأفضل منه من الطبيعي إما أن يبحث له عن أحد على شاكلته، أو يبحث له عن من ينوب عنه أسوأ منه ليظل في نظر الآخرين هو الأفضل والأحسن.
سابعا: تتعلق بالنقطة السابقة ليس من المعقول أن يسمح لأي كائن كان أن يرشح أحدا يأتي من بعده يكون أفضل منه، حتى لا يعري ظهره ويجعل النموذج الجديد هو النموذج الأفضل، ويترك العنان للألسن للحديث عن مقارنات ومفارقات هو في غنى عنها، ولا تخدمه بل تؤثر عليه وعلى سمعته الإدارية وعلى ملفه الحافل بالتطنيشات والإقصاءات. لابد أن يبحث له عن خليفة أسوأ منه في كل شيء.
عموما السياسة المتبعة والموجودة حاليا كنموذج يراد لها أن تستنسخ كمثال صارخ على الإدارة الواعية والديمقراطية، أن يترك باب الترشيح للمقبل الأسوأ من قبل المودع السيئ، لضمان سيرورة العمل في اتجاه من سيئ إلى أسوأ، ويكفينا من اليوم فصاعدا حمل الشعارات البراقة التي لا تبشر بأي شيء جديد سوى الأمل، وما أسهل أن يباع الأمل على أصحاب النوايا الطيبة والحسنة، وعلى الناس الشرفاء المخلصين، الذين ينشدون دائما التغيير للأحسن، ويطمحون لذلك ولكنهم يشعرون بأنهم كلما خطوا خطوة واحدة إلى الأمام كلما ابتعدوا خطوات للوراء، فمسلسل التنطيش والإقصاء مسلسل حلقاته طويله جدا ونفس التطنيش طويل أيضا، لأنه يستمد قوته من السياسية العامة، وليس إبداعا من أشخاص فقط بقدر ما هو استراتيجية متفق عليها.
يظن ويعتقد المنفذ لها أن تلك اجتهادات من بنات أفكاره، ليظن نفسه بأنه مبدع، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك فالمبدع يأتي دائما بالجديد النافع غير أنه وبحسب النماذج الموجودة والرصد الحالي لا يتجاوز في ممارسته الإدارية سوى التقليد الأعمى والتقيد بالتعليمات والتوجيهات الحرفية بغض النظر عن النتائج والتحديات التي قد تواجهنا عند التطبيق، بخلاف الإبداع وما يستوجبه من شروط وأركان مرنة.
للمهتمين برجاء متابعة المقال المقبل حيث سأركز فيه على المعالجة.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ