صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.
استمر الشملان يكتب مقالاته في مسألة المطالبة بالديمقراطية خلال مرحلة التحرك على العريضة النخبوية وعشية اللقاء التاريخي بين وفد لجنة العريضة النخبوية وأمير البلاد الذي تم في 3 يناير/ كانون الثاني 1993. وخلال الفترة المذكورة تصدت أقلام بحرينية لكتابات الشملان بشأن مسألة الديمقراطية وحاجة المنطقة الماسة لمشاركة المواطنين في اتخاذ القرار السياسي. طرحت الأقلام المذكورة آراء مضادة لطروحات الشملان مفادها أن المنطقة والبحرين لم تزل - مجتمعات ومواطنين - غير مؤهلة للحياة الديمقراطية، يذكر أن هذه الأصوات وبعد قليل من السنوات تحولت - بعد الانفراج وإعلان ميثاق العمل الوطني - إلى أكبر دعاة للديمقراطية تنافح عن تطبيقها في البحرين.
حين ارتفعت تلك الأصوات ضد طروحات الشملان تصدى لها الشملان في وقتها ورد على تلك الأقلام واحدا واحدا في غير مقال. في معرض ردوده على تلك الأصوات كتب مقالا عنوانه «الواقع بين الاستثناء والقاعدة» جاء فيه: «من دون الدخول فيما يحاول البعض طرحه من تفسيرات كيفية وتعسفية لمفهوم الديمقراطية، وما يكتبه البعض من كتابات تنم عن استخفاف بمستوى وعي الناس ووعي شعوب المنطقة معتقدين أنهم «الأكثر ثقافة» وهم يفهمون جيدا أن كتاباتهم لا تدل على «عمق ثقافي» بل على تملق سياسي رخيص ومخجل».
ونشر مقالا تهكميا تحت عنوان «حكماء المحاربين القدماء» قال فيه: «ثلة فاخرة من المحاربين القدماء تحولت حروبهم القديمة بقدرة قادر إلى ذكريات مقيتة بغيضة تستدعي البراءة منها لكونها تفسد بهجة العصر الجديد اللامع ولذة الجلوس المتعالي... هذا ما توقعناه دائما، أن يتحدثوا عن الديمقراطية أخيرا... لقد صارت هذه الديمقراطية وباء يستحق أن تأخذ عنه تطعيما مضادا للحصانة! لكنهم والحق يقال يتمتعون بحصانة لطيفة مدهونة برقة الإقناع بأن حياتنا ولا أجمل منها... لقد وجدت ثلة المحاربين القدماء نفسها أمام واقعة جديدة وخطيرة، أن تواجه تيارا عارما من المطالبين بالديمقراطية والمتحدثين في الديمقراطية بطول الخليج وعرضه».
***
مع بدء العام 1993 انتظمت كتابات أحمد الشملان في الصحافة المحلية والخليجية بشكل أكبر، فعلى الصعيد المحلي ومع دخول العام 1993 اتفق الشملان مع الصحيفة البحرينية «أخبار الخليج» على كتابة عمود بعنوان «أجراس»، فبدأ بمقالين في الأسبوع، ومنذ منتصف العام أصبح العمود ينشر ثلاث مرات في الأسبوع، وفي أواخر العام 1993 تحول إلى عمود يومي، وبذلك أصبحت مقالات أحمد أكثر انتشارا على الصعيد المحلي، وكان يهتم بطرح القضايا ذات السخونة والإلحاح على الساحة المحلية.
وفي ظروف النشر المحلي شديدة الصعوبة والخطورة حاول الشملان الاقتراب من طرح المطالبة بالديمقراطية أحيانا وتطرق لها بشكل مباشر أحيانا أخرى. ومثلما دعمت مقالاته العام 1992 التحرك على العريضة النخبوية، بدأ منذ العام 1993 دعم التحرك على العريضة الشعبية.
في مقال «وقفة تجاه السياسة العربية» دعا إلى الأخذ بعنصر المشاركة الشعبية في صوغ القرار حين مراجعة السياسة الخارجية العربية قائلا: «المشاركة الشعبية هنا تمثل المؤسسات الشعبية المنتخبة».
وفي مقال بعنوان «الأسئلة الخليجية» يقول: «عندما يكون الاتجاه العام - خليجيا - يحث الخطى نحو المزيد من الاندماج في إيقاع حركة العصر الذي نعيشه، والذي يشارف على الدخول في القرن الحادي والعشرين، فإن هذا الاتجاه بحاجة ماسة إلى استيعاب واع مسئول لما يهدف إليه وما يطمح إلى تحقيقه. واجتهادنا في هذا الاستيعاب يتطلب التوقف مطولا أمام السؤال الحساس والمهم الملتصق تمام الالتصاق بهذا الاتجاه العام لحركة التطور السياسي الخليجي، وهو سؤال يتعلق بمدى تحقيق الديمقراطية - مع الأخذ بالاعتبار خصوصية كل بلد خليجي وخصوصية تجربته في هذا المجال - وما مدى المشترك خليجيا في القضية الديمقراطية».
ومنذ مطلع العام ذاته (1993) أصبحت مقالات أحمد الشملان في الصحف الخليجية «الوطن» الكويتية و«الخليج» الإماراتية تنشر في عمود يحمل الاسم ذاته (أجراس)، وتميزت مقالاته بالطرح المباشر لمطلب الأخذ بالديمقراطية في بلدان الخليج. يقول عبدالله مطيويع: «تولى الشملان جانب النشر في الصحف الخليجية، كنا نطمح أن يُسمع صوتنا ويخرج من الحدود المحلية. كنا ننسخ مقالات أحمد بالمئات ونوزعها وحينما لا تصدر لجنة العريضة بيانا حول أي حدث أو تطور معين كان مقال الشملان يحل محل البيان. كانت كتاباته تتركز حول الدستور البحريني والحياة البرلمانية وتسلط الأضواء على ضرورة المطالبة بتفعيلهما».
في مقال «الديمقراطية في مفترق الطرق» يقول: «أزمة الديمقراطية في بلداننا العربية جعلت «مبدأ» المصادرة للديمقراطية هو السائد والقاعدة، فيما أصبحت المطالبة هي الاستثناء والشذوذ عن العرف، هذه الحقيقة نجدها تتجسد في الحوارات الدائرة بين العديد من المثقفين وعلى صفحات الصحف، بل وفي بعض الكتب».
وفي مقال له بعنوان «قضايانا المنسية» كتب يقول: «الحقيقة التي لا بد أن ننتبه لها هي أن قضايا التحول الديمقراطي وتوسيع الحريات الديمقراطية لم تزل هي شعارات المرحلة التي يمر بها الخليج والوطن العربي. وما لم تُحل هذه القضايا فان أي قضايا تتعلق بالأمن والدفاع لن تؤدي إلى أي حماية حقيقية لأمن الوطن والمواطن».
ظل موضوع الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان الشغل الشاغل للشملان حتى في إطار اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، ففي مقال له بعنوان «أكثر من أمل واحد» كتب يقول: «لقد نبه المحامون العرب في مداخلاتهم إلى الأضرار البليغة التي ألحقتها سياسة مصادرة الحريات والتضييق عليها في البلدان العربية، والوصاية غير المبررة التي تمارس تجاه الشعوب العربية من قبل حكوماتها».
***
مع دخول العام 1994 أضيفت صحيفة «الشرق» القطرية الى الصحف الخليجية التي كانت تنشر لأحمد الشملان لكنها لم تكن تصل الى البحرين، وقد واصل الشملان طرح ومناقشة مسألة الديمقراطية متوجها لها توجها مبدئيا ظهر في دفاعه عن الديمقراطية في الجزائر التي فاز فيها الإسلاميون، فوقف موقفا مضادا لإلغاء انتخاباتها.
في مقال بعنوان «اشتداد الانحراف في الجزائر» يتساءل متهكما: «حتى الآن لا يفهم أي مراقب لما يجري في الجزائر السبب الذي يدفع بالدولة أو المتنفذين فيها للالتفاف على الديمقراطية ومحاولة البحث عن ديمقراطية ارستقراطية من النخبة تحل محل الشعب».
ونشر مقالا بعنوان «هذا الملتقى المفترق!!» نوه فيه إلى بعض القضايا التي طرحها الملتقى الاجتماعي الثقافي الثالث لجمعيات وروابط الاجتماعيين في دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في الشارقة، وجاء في المقال: «إن أهمية هذا الملتقى هو أنه أثار وبشكل مباشر وغير مباشر محنة الديمقراطية وإبعاد المواطن عن المشاركة في صنع قرارات تتعلق بمصيره حتى وصل الأمر بهذا المواطن الى الإحساس بغربة في وطنه».
وفي مقال تحت عنوان «معاقبة النشطاء! مكافأة الخبثاء!» تحدث عن مساعي أصحاب القرار لتقريب وتدجين المعارضين جاء فيه: «في بلدان العالم الثالث يلجأ أصحاب القرار الى تقريب المعارضين لهم وتسليمهم المسئوليات الكبيرة لثقتهم بأنهم «يورطونهم» بوضعهم في مثل تلك المناصب... ثم يسيطر على تفكير هؤلاء أمر واحد فقط هو إظهار الولاء لكبار المسئولين في الدولة والتقرب منهم بالتملق وما شابهه».
وخلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني العام 1994 ومع تواصل حراك التوقيع على العريضة الشعبية وتواصل ردود الفعل السلبية والمضادة من قبل السلطة تجاه التحرك، عاد أحمد الشملان الى التركيز على المسألة الديمقراطية في كتاباته سواء المحلية في صحيفة «أخبار الخليج» أو الخليجية في صحف «الخليج» و«الوطن» و«الشرق».
في مقال بعنوان «أسئلة الحوار المقطوع» كتب أحمد: «جوهر المشكلة التي نعاني منها في الحوار: رفض الاختلاف في الرأي باعتباره فتنة... فالواقع الموجود هو الصحيح ونقده بقصد إصلاحه يعني معارضته بجديد يخالف السائد، أين يمكن أن تنبت الديمقراطية في تربة لا تعرف ولا تقبل سوى السائد فيها وعليها؟! أساس الديمقراطية هو حرية «الجميع» من دون استثناء في إبداء الرأي وحق اختيار الطريقة التي يعبّر بها هذا «الجميع» عن رأيه دون أن تكون هناك تجاوزات من أطراف هذا «الجميع» على بعضها البعض. ويختتم المقال بقوله: «دائما لدينا الحاجة لتعريف الديمقراطية، ودائما لدينا الحاجة للتذكير بحق الآخر في إبداء رأيه المختلف، ودائما لدينا الحاجة لتأكيد حق المعارضة التي تحاول إظهار نفسها بأنها ليست معارضة وإنما لديها رأيها الخاص الذي تريد الاحتفاظ به... وهي دائما وأبدا محتفظة بهذا الرأي الخاص بانتظار المجهول».
وفي مقال نشرته له الصحف الخليجية إبّان انعقاد القمة الخليجية الخامسة عشر تحت عنوان «قضايا حساسة» تحدث الشملان عن ثلاث قضايا حساسة حَرية بالاهتمام المشترك لدول مجلس التعاون هي: قضية وضع إستراتيجية أمنية إقليمية، وقضية الديمقراطية، وقضية التركيبة السكانية. نُشر المقال كاملا في الصحف الخليجية، إلا أن صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية نشرت المقال في اليوم ذاته وقد اقتطعت منه القضية الثانية وأبقت على القضيتين الأخريين. كتب الشملان في الجزء الذي تم اقتطاعه من الصحيفة البحرينية: «أما القضية التي توازي أهمية وضع إستراتيجية أمنية إقليمية فهي قضية الديمقراطية التي يتطلب النظر إليها ربطا عضويا بينها وبين التحولات العالمية... فالديمقراطية مسألة ذات سمة اقتصادية في الظروف الراهنة في العالم أكثر منها سياسية أو تراثية، والعبرة في السلوك باتجاه الديمقراطية ليس التنظير والحديث عن «عاداتنا وتقاليدنا» وإنما العبرة في الخطوات العملية التي تجسد كفالة حق ذوي المصالح في المساواة أمام القانون والمساواة في حق التعبير عن الرأي.. قضية الديمقراطية هنا ليست قضية «الحوار» ولا قبول أو رفض الرأي الآخر، وإنما قضية المشاركة وتحمل المسئولية في صنع القرار وبوعي عميق لخطورة المسئولية في هذا الدور المؤثر في حياة دول مجلس التعاون»
مع نهاية العام 1994 كانت السلطة الرسمية ممثلة في وزارة الداخلية قد بدأت تتخذ بعض الإجراءات المضادة للحركة المطلبية، وفي ديسمبر/ كانون الأول 1994 جرت حادثة «الماراثون» وجرت - ضمن تداعياتها - حملة اعتقالات في الشهر نفسه ما وتر الأوضاع بشكل شديد.
في تلك الأجواء شعر أحمد الشملان بتفاقم الوضع وخطر انفجاره فنشر محليا مقالا بعنوان «حساسية هذه المرحلة» أشار فيه بشكل غير مباشر الى حساسية الوضع الذي يمر به الوطن ودور متخذ القرار في تفادي انفجاره. جاء في المقال: «القوى السياسية بمختلف اتجاهاتها تكاد تجمع على أن المنطقة العربية من الخليج الى المحيط مستهدفة من القوى الأجنبية، وكشرط من شروط الهيمنة الأجنبية وتغلغلها تفتيت الجبهة الداخلية بعد اختراقها وبث الفتن في أوساط المواطنين تحت مختلف الشعارات وتزييف القضايا الداخلية لكل بلد وتحريف وجهتها ليمكن ضرب القوى السياسية ببعضها البعض أو تأليب النظام السياسي على المعارضة السلمية. وفي نهاية المطاف تكون النتيجة هي قلاقل واضطرابات... المرحلة الراهنة هي من الصعوبة والتعقيد إلى الدرجة التي لا يمكن الاطمئنان إلى اجتيازها من دون تماسك داخلي وثقة متبادلة... ولقد مرت العديد من الشعوب فيما نمر به الآن من عواصف تهب من الخارج وتحاول أن تضع أقدامها في الداخل، إلا أن سعة أفق التفكير وبعد النظر السياسي جنب تلك الشعوب مغبة الانجرار خلف الدسائس والمعلومات المفبركة الكاذبة وصمدت بفضل قياداتها الحكيمة أمام أعتى العواصف وتمكنت من نزع فتيل الانفجار الداخلي».
العدد 2729 - الأربعاء 24 فبراير 2010م الموافق 10 ربيع الاول 1431هـ