العدد 2728 - الثلثاء 23 فبراير 2010م الموافق 09 ربيع الاول 1431هـ

المشروع الإصلاحي في برامج الفئات الثلاث (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وحدهم مواطنو المجتمعات الاستاتيكية الراكدة، دون سواهم، يستمتعون بالهدوء، ويقبلون بعدم التغيير. بخلاف ذلك يطلب سكان المجتمعات الديناميكية الحية التغيير، ويناضلون من أجل التطور، ويتطلعون نحوه. وبينما يرى النمط الأول من المجتمعات في التغيير شيئا من المخاطرة غير المبررة، وقفزة في الهواء غير مأمونة العواقب، ينظر النوع الثاني إلى الاستقرار الراكد كالمستنقع الذي تنتشر فيه الطحالب الضارة، وبيئة موبوءة لا تستطيع أن تستنشق غازاتها السامة سوى الطفيليات الضارة غير الآبهة بأي شكل من أشكال التقدم. من الطبيعي أن يكون الركود والتقدم مسألتين نسبيتين، فحتى محميات الكائنات الأخرى غير الإنسانية، تشهد هي بطبيعتها أشكال من التقدم، لكنه تقدم بطيء عندما يقاس بذلك الذي يحققه الإنسان في نفسه، أو في البيئة الاجتماعية والطبيعية (النظام الإيكولوجي) المحيطة به.

وكمجتمع إنساني، ينتمي المجتمع البحريني إلى الفئة الثانية، تشهد على ذلك طبيعة التطورات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البحرين، كنظام سياسي واجتماعي على امتداد نصف القرن الماضي من تاريخ البحرين السياسي المعاصر، الذي توج بمشروع الإصلاح السياسي الذي دشنه جلالة الملك في مطلع هذا القرن، والذي جاء محصلة مجموعة من العوامل، تتقدمها جميعا، وليس هناك مؤرخ منصف يمكنه أن ينكر ذلك، نضالات هذا الشعب خلال تلك الحقبة، إذا كان الحديث يقتصر على هذه الحقبة من أجل عدم الغوص عميقا في أعماق التاريخ.

هز ذلك المشروع الإصلاحي الحالة السياسية البحرينية من جذورها، ووضع القوى السياسية العاملة فيها، من سلطة تنفيذية قمعية تقتات من مواد قانون أمن الدولة سيئ الصيت، ومعارضة منهكة، جراء معاناتها من ذلك القانون، تعيش في زنازن السجون وعواصم الشتات أمام تحديات لم تعرفها أي منهما خلال فترة ربع القرن الأخير من تاريخ شعبنا التي سرح فيها جلادو ذلك القانون في ربوع البلاد وتلك العواصم، واستمتعوا بقهر المواطن وقمع المعارضة التي تمثله، ومطاردة عناصرها، أمام تحد قاس ومن نمط جديد. واستمد هذا التحدي حيويته من ثلاثة مصادر رئيسية:

1. إيمان صاحبه بحاجة البحرين له، نظرا لمعاناة صاحب الجلالة، في فترة ولايته للعهد، بشكل نسبي وغير مباشر، بما كان يعاني منه شعب البحرين جراء تحكم مواد قانون أمن الدولة في تسيير أمور البلاد. فلم يكن بوسع أحد، بغض النظر عن موقعه السياسي أو الاجتماعي، باستثناء تلك الحفنة المستفيدة من مواد ذلك القانون البغيض أن ينعم بالأمان والاستقرار. أدخل ذلك القانون والفئة التي كانت تقف وراءه، البلاد في نفق قمعي مظلم، لم يكن لينتشلها - أي البلاد - منه سوى مشروع سريع وجريء من مستوى المشروع الإصلاحي، الذي كان هو الآخر بحاجة إلى رافعة سياسية كفؤة وقادرة، ولديها الصلاحيات والجرأة، من مستوى صاحب الجلالة، في آن كي تقدم عليه ولتنفيذه. ومن الطبيعي والمتوقع، أن تشكل هذه الخطوة تحديا ذاتيا قويا أمام جلالة الملك، كي يمتلك جرأة قرار الإعلان عنها، وإقدام إجراءات تنفيذها، على حد سواء.

2. صراعه مع الزمن من حيث السرعة وقصر الفترة الزمنية للانتقال، ففي أقل من عامين، وهي فترة قصيرة جدا عندما يقرأ المشروع في سياقه التاريخي، تم القضاء على قانون أمن الدولة، وطرح الميثاق الوطني، وبدأت عجلة الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في الدوران. باختصار ولج المزاج السياسي للمواطن البحريني فضاء ساحة عمل سياسي مختلفة نوعيا عن تلك الأجواء القمعية القاتمة التي أشاعها قانون أمن الدولة وذيوله وتداعياته. ولعل أفضل تشبيه لتلك الحالة، هو نقل إنسان من العيش في غرفة غارقة في ظلام دامس لنصف قرن من الزمان، وتعريضه لأضواء باهرة، تكاد أن تخطف البصر من شدتها أولا، ولعنصر المباغتة الذي رافقها ثانيا. شكل المشروع الإصلاحي تحديا موضوعيا مع الزمن الضروري لنقله من كونه فكرة إلى برنامج متكامل قابل للتنفيذ.

3. دعوة المعارضة للتعامل مع هذا التغير النوعي في طبيعة السلطة وسلوكها، في وقت لم تكن هي - أي المعارضة - على أتم استعداد للتحرك في هذا الاتجاه. لقد كانت المعارضة حينها، ومعها المواطن بطبيعة الحال، لاتزال تسير بحذر شديد بين ألغام مواد قانون أمن الدولة. لم تكن الحركة السياسية البحرينية، ولها كل العذر في ذلك، مهيأة على المستويات كافة: التنظيمية، والسياسية، والفكرية، للتعامل بتوازن مع مشروع من ذلك المستوى، وفي تلك الفترة الزمنية القصيرة. كانت المعارضة، بكل ألوان طيوفها، تعيد، في وقتها، ترتيب أوراقها في الداخل، وصفوفها في عواصم الشتات، كي تكون مؤهلة وقادرة في آن، لدرء هجمات قانون الدولة، ومن ثم لم يكن بوسعها، ومرة أخرى ليس في إمكان أحد توجيه اللوم لها، على إجراء التحولات الضرورية، وفي مثل تلك الفترة القصيرة جدا، بمعيار التغيرات السياسية، التي تؤهلها للتعامل مع ذلك المشروع الإصلاحي. ولهذا شكل المشروع الإصلاحي تحديا حقيقيا أمام المعارضة كي تتخذ الخطوة الصحيحة المتزنة من هذا المشروع.

4. عدم ملاءمة الظروف الإقليمية المحيطة، إذ كانت خارطة الأوضاع في الشرق الأوسط على مائدة البحث بين القوى الدولية والإقليمية العظمى، وبالتالي فلم يكن في وسع أي منها، وخاصة الإقليمية، القبول بالتفريط في الوقت، أو الجهد، للالتفات نحو ساحة صغيرة بمستوى البحرين، تطرح مشروعا سياسيا يحمل مثل هذا التحول النوعي، الذي من الطبيعي، أن يشكل، بالنسبة للقوى الإقليمية، تحديا مباشرا للأوضاع فيها، ومن ثم فقد لا تمتلك أن تتوانى في وأده متى ما اشتمت فيه رائحة تأثير تحملها رياحه، بقصد أو بدون قصد، على أوضاعها الداخلية. لذا يمكن القول هنا أيضا، إن بعض القوى الإقليمية ذات العلاقة السياسية بالبحرين، بوغتت هي الأخرى بمثل هذا التحول النوعي، الذي لم تكن أوضاعها الذاتية مهيأة للتعامل معه، وبالشروط التي تلائمها هي. وبالتالي فقد شكل المشروع، بقصد أو بدون قصد تحديا مباشرا لهذه القوى الإقليمية.

تفاوتت ردود القوى السياسية البحرينية على ذلك المشروع الإصلاحي، وأفرزت برامجه حوارات حية شهدها المسرح السياسي البحرين، وانخرط فيها، بصمت أو بصوت عال مسموع جميع من كانوا واقفين على ذلك المسرح، بمن فيهم السلطة التنفيذية، التي لم يكن في وسعها تجاهل المشروع أو التعامي عن انعكاساته عليها وعلى القوى المرتبطة بها، والمصالح التي تمثلها. ولم تكن المعارضة البحرينية بعيدة عن هذا التحدي، وكيف يمكنها ذلك وهي تقوم، انطلاقا من واجبها الوطني، بأحد الأدوار الرئيسة على ذلك المسرح.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2728 - الثلثاء 23 فبراير 2010م الموافق 09 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:01 ص

      الى متى

      واين مشروع التجنيس السياسي وتغير التركيبة السكاتية والهوية العربية من المشروع الاصلاحي

اقرأ ايضاً