العدد 2728 - الثلثاء 23 فبراير 2010م الموافق 09 ربيع الاول 1431هـ

تقرير المصير... السودان نموذجا

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لفت انتباهي خبر بثته قناة «الجزيرة» قبل أيام مفاده أن علماء الخرطوم يحرمون «تقرير المصير»، ربما كان الأمر يختص بمسألة دارفور أو غيرها، لكن تبقى مسألة تقرير المصير كشأن سياسي أمر مطروح في الثقافة السياسية، يعتريه ما يعتري غيره من مسائل شائكة تبقى مثارا للجدل بين الحين والآخر، من يقرر مصيرنا السياسي؟

يعرف تقرير المصير في القانون الدولي بأنه مصطلح يعني منح الشعب أو السكان المحليين إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حر وبدون تدخل خارجي.

ظهر هذا المبدأ بعد الحرب العالمية الأولى وبشكل خاص في اتفاقية فرساي والتي أشارت إلى إقامة دول قومية جديدة في أوروبا بدلا من الامبراطورية النمساوية - الهنغارية والإمبراطورية الألمانية، لذا كان ما يعرف بتقرير المصير مختصا بالسكان الذين تربط بينهم لغة مشتركة وثقافة مشتركة - أي القومية الواحدة - والمقيمين في منطقة محددة، وجرى لهم الخيار بين قيام دولة على أساس قومي، أو التمتع بحكم ذاتي في داخل اتحاد فيدرالي كما جرى في يوغسلافيا.

بعد الحرب العالمية الثانية جاء خيار حق تقرير المصير في أوروبا فبمقتضى المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، فإن أحد أهم أهداف هذه الأخيرة هو «تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس مراعاة مبدأ الحقوق والتكافؤ وتقرير مصير الشعوب واتخاذ تدابير أخرى ملائمة لدعم السلام العالمي»، لذا بدأت أوروبا النظر في أن موازنة حق تقرير المصير من خلال إقامة منظمات للتعاون الدولي.

أهم تلك المنظمات هي الاتحاد الأوروبي الذي يتيح الانتقال الحر للأشخاص والبضائع بين الدول الأعضاء فيه، كما يضمن إطارا دستوريا مشتركا بين الدول الأعضاء أما خارج أوروبا فكان الأمر مغايرا، إذ لم يجر هذا القرار في فترة إلغاء الحكم الاستعماري في آسيا وإفريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إذ اعتمدت الحدود الجغرافية كأساس التقسيم دون التوجه الحر للسكان الأصليين فيها.

في ثقافتنا الإسلامية جاءنا الرسول الكريم (ص) برسالة سماوية بها من الشرائع ما تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتلزم المرء بأحكام وتعاقبه إذا ارتكب ما يخالفها. فالإنسان يتحمل مسئولية اختياره وهذا ما يشير إليه قوله تعالى الموجه إلى النبي (ص) «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر»، وقوله تعالى: «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، لكن مع اختيار الإيمان يبقى الطاعة والإلزام إحدى محاوره انطلاقا من قوله تعالى: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» و»وإن تطيعوه تهتدوا»، وفي عقيدة الشيعة الإمامية بعد الرسول جاء بالنص وهو مفترض الطاعة، وهذا ما أشار إليه الإمام علي (ع) في خطبة صفين، إذ قال: «أما بعد... فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم ولكم عليّ من الحق مثل الذي لي عليكم» لذا طاعة الإمام من الفروض، ومنه ينطلق المصير السياسي والاستنهاض العسكري وخاصة أن الأئمة الإثنى عشر لم يترك لهم المجال لتولي الحكم ماعدا الإمام علي (ع)، فهناك كثير من الخطابات الثورية تظهر في التاريخ السياسي للشيعة ربما بعضها عاطفية عفوية لا تقيس الوضع السياسي وتجذب الكثير من الحانقين والمضطهدين من قبل النظام الحاكم، لذا كان أمر التحرك الثوري من عدمه هو بيد الإمام لأنه مصدر الحكم وهو من يرى الحال وبيده يناط الأمر، فالإمام الحسين (ع) أمر بالثورة على رغم من يقينه بعدم تحقق النصر العسكري لكنه يرى أن أهداف الثورة أسمى من الحكم، وهذا ما سعى إليه الإمام، وما حققته ثورته على مدى هذه السنين الطوال خير دليل على ذلك، فهي نهج إنساني قائم على رفض الذل وتصحيح الوضع قبل اعوجاجه، بينما نرى أن الإمام الصادق (ع) يبتعد عن الخيار العسكري مع أنه شهد فترة سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وهي فترة مضطربة ربما يستغلها البعض لنيل السلطة، وهذا ما دعا إليه أبو مسلم الخراساني لحاجة في نفسه فقد كتب إلى الإمام الصادق (ع) كتابا جاء فيه: «إنّي أظهرت الكلمة ودعوت النّاس عن موالاة بني أميّة إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فلا مزيد عليك»، فأجابه الإمام الصادق (ع) بكتابٍ جاء فيه: «ما أنت من رجالي، ولا الزّمان زماني»، لذا فإن قيادة الإمام وهي القيادة الشرعية صاحبة القرار في تحديد موقف الناس إما الاتجاه السلمي أو التحرك العسكري أو ربما التزام الصمت، وفي فترة غياب الإمام الثاني عشر الإمام المهدي (ع) كان المطروح خياران إما الانتظار والابتعاد عن السياسة حتى ظهور الإمام (ع)، أو تسليم الراية إلى العالم الفقيه كونه نائبا للإمام.

أما الفقه السني فإن الفقهاء فيه يعتبرون الإمام هو خليفة الرسول القائم بحراسة الدين والدنيا، لذا فإن طريقة انعقاد الإمامة تتحقق لديهم من اختيار أهل الحل والعقد وهو ما يعرف «بيعة أهل الحل والعقد» وذهب آخرون كابن تيمية إلى جواز «بيعة أهل الشوكة» أي ممن يأخذون السلطة بالغلبة والقهر والسيف، لذا كانت الثورة محظورة على سلطان الزمان بناء على قاعدة «أولي الأمر» لذا فالطاعة لهم مطلقة ما لم يصدر من أحدهم كفر بواح، ويبقى الأمر محصورا على التناصح بناء على قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ليس المقام هنا تبيان الرأي لأنه مختص بشرع وعقيدة وفكر وكل وفق ما يراه ويعتقده صحيحا، لكن يبقى الأمر في الخيار، وما أدراك ما الخيار؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2728 - الثلثاء 23 فبراير 2010م الموافق 09 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً