لا نبالغ حين نقول إن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين متوترة منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. وجد استطلاع في المملكة المتحدة أن 26 في المئة من السكان يعترفون بعدائهم تجاه المسلمين. وفي الولايات المتحدة، قال واحد من كل خمسة أميركيين أنه لا يرغب بأن يسكن مسلم بالقرب منه.
ينقسم المسلمون حول كيفية الرد على هذه الإحصائيات الملعونة. يجد البعض أنفسهم في موقف دفاع نتيجة لهذه الاستطلاعات، التي يعتقدون أنها تكشف عن عداء متأصّل تجاه المسلمين والإسلام. وينظر آخرون إلى الأحداث التي بدأت تتكشف، عبر مجموعة متنوعة من نظريات المؤامرة ومواقف «لا تصدق هذا اللغط».
إلا أن مجموعة أخرى تشعر بالحاجة للكشف عن سواعدها والبدء بالعمل لتغيير هذا الوضع. لحسن الحظ، برز جيل من المسلمين الشباب النشطين والمفوّهين بعد 11 سبتمبر، وهم يقومون بتحدي الجمهور الذي تملأ المؤامرات رأسه لأن يفكّر بأسلوب ناقد. يحتاج المسلمون لأن ينظّموا أمورهم، وقد صمم هذا الجيل من المسلمين على القيام بذلك.
برز بسرعة حوار عبر العالم الغربي في الشوارع والمنازل والمساجد والجامعات، بشأن هويّة الإسلام وماذا يعني أن تكون مسلما ومن الذي يتحدث نيابة عن الإسلام. سيجد هؤلاء الذين يسعون للحصول على إجابات شباب مسلمين مشاركين بشكل كامل يفكرون ويطرحون أسئلة ثاقبة. تحرّك الطرح، أخيرا، إلى ما وراء اللحم الحلال وطول اللحية، للتعامل مع قضايا الأخلاقيات والمسئولية الاجتماعية والتطرف وأهمية فهم أهداف الشريعة الإسلامية التي تغطّي جميع المناحي الحياتية، وتحديدا، على مستويات عملية، كيف يستطيع المسلمون أن يعيشوا بشكل كامل كمواطنين غربيين وكمسلمين، من دون التنازل عن هويتهم الدينية. النقاش الدائر مثير للإعجاب، وكذلك الصدق والحماسة اللذان يدفعان هؤلاء الشباب المسلمين إلى التعامل مع قضايا حاسمة.
ولكن من هم هؤلاء الأفراد وأين يوجدون؟
حسنا، بفضل الجمعية الأميركية لتقدم المسلمين، يتوجّه 300 زعيم مسلم تم اختيارهم من مجموعة بلغت نحو 1000 اسم مرشح من 75 دولة، في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد حضور مؤتمر قادة الغد المسلمين الدولي الذي عقد في الدوحة بقطر في الفترة 16 - 19 يناير/ كانون الثاني. هؤلاء القادة المسلمون الناشطون من النساء والرجال يغطّون طيفا واسعا من الجنسيات والمهن.
كان هناك حوار ونقاش وخلاف عندما تعاملوا مع أكثر الأمور حسما التي تواجه المجتمعات المسلمة اليوم على مستوى عالمي. كان ذلك هو الحدث الثالث من نوعه (نيويورك 2002 وكوبنهاغن 2006)، وكان الأكبر والأكثر طموحا. نتج عن المؤتمر «رسالة مفتوحة إلى زعماء العالم اليوم من الزعماء المسلمين المستقبليين». كما شارك بعض الحضور في «مناظرات الدوحة» التي يستضيفها تيم سباستيان.
يعتبر هذا الحدث فريدا بحقٍ من كل النواحي: شارك المسلمون من خلفيات متنوعة، محافظة وتقليدية وليبرالية وإصلاحية وحداثية، من الشيعة والسلفيين والصوفيين، ليس فقط مع المجتمع على اتساعه وإنما مع بعضهم بعضا. بدلا عن السعي لإفشال بعضهم بعضا، سعت هذه المجموعة من المسلمين للتعلم من بعضها بعضا واستخدام ذكائها لتحدّي الإيديولوجية المعوجّة للإرهاب، التي تستهدف المسلمين وغير المسلمين أينما كانوا. كان الإبداع والانفتاح والتسامح هي السمات الرئيسية لهذا الاجتماع.
خرجْتُ بعد حضور هذه المؤتمرات والمشاركة فيها بشعور من الراحة من معرفة أن المسلمين ليسوا ضحايا لا حول لها. لقد كانت لديهم القدرة والعزيمة على تحدي زملائهم في الدين والوضع القائم. أجبر الحوار الحضور على التفكير بعمق في القضايا الراهنة، وأبرزت الكلمات التي ألقيت التحديات التي تواجه المسلمين محليا وعالميا ويسّرت تبادلا وانسيابا في وجهات النظر.
وفّرت لي هذه الأحداث الفرص للتواصل، للمرة الأولى، مع شبكة عالمية نشطة من النشطاء الاجتماعيين المسلمين والمفكرين والفنانين والعلماء الذين لم يتفقوا يوما من الأيام، ولكن دفعتهم على رغم ذلك العواطف والمشاعر والاهتمامات نفسها.
في الوقت الذي يَعِد فيه الرئيس أوباما بالتغيير الذي نرنوا إليه جميعا، أخذ هؤلاء المسلمون المهنيون الشباب على عاتقهم أن يصبحوا عملاء تغيير، وقد ألهموا الأمل لدى الكثيرين على الطريق. وها هم يتغلبون على المعوقات ويتحدّون كل ما هو زائف ويسعون لتسوية السوابق الدينية التاريخية مع العصر الحديث ويختبرون كيفية العيش بسلام مع الخلافات التي تغنينا كأسرة إنسانية جماعية.
التغيير في طريقه إلينا، وهو آت من الداخل.
* زميل زائر في معهد العرقية والثقافة بجامعة بيرمنغهام ومحرر «الحالة التي نعيشها: الهوية والإرهاب وقانون الجهاد»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2336 - الثلثاء 27 يناير 2009م الموافق 30 محرم 1430هـ