العدد 2725 - السبت 20 فبراير 2010م الموافق 06 ربيع الاول 1431هـ

غرور السلطة وتكور المعارضة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يخطئ من يتوهم أن أية سلطة في العالم، مهما بلغت نزعاتها الليبرالية، مستعدة لأن تتنازل عن قنوات نفوذها وتسلطها، التي تحقق لها مكاسبها المادية والمعنوية، لصالح غيرها من القوى، منافسة كانت تلك القوى أم حليفة.

دروس التاريخ، بما فيها تجارب الديمقراطيات الأوروبية العريقة مثل البريطانية والفرنسية، تثبت أن المكاسب الديمقراطية تنتزع عبر نضالات طويلة، تشكل تراكمات تتحول في لحظة تاريخية معينة إلى حقائق ملموسة على الأرض، وتكون بمثابة المغانم التي تنعم بها القوى التي قدمت تلك التضحيات من جهة، والخسائر التي تتكبدها القوى المناهضة للتغيير من جهة ثانية.

والبحرين ليست استثناء، لهذه الحقيقة التاريخية، وبالتالي فمن الضرورة بمكان رؤية المكاسب الديمقراطية التي تتبلور اليوم فوق ساحة العمل السياسي البحرينية، على أنها حصيلة نضالات طويلة خاضتها القوى الوطنية البحرينية على امتداد تاريخها المعاصر، وقدمت خلالها الكثير من التضحيات التي تمتد من الاستشهاد، مرورا بالسجن والتعذيب، انتهاء بتشوهات خلقية وجسدية جراء معاناة نفسية ولدتها ظروف القمع السائدة خلال حقبة قانون أمن الدولة، والمرحلة التي سبقتها.

هذه المقدمة المقتضبة التي تختزل وقائع مرحلة طويلة من تاريخ البحرين، كانت غنية بالدروس، لابد أن تكون حاضرة أمام قوى المعارضة البحرينية كي تستفيد منها في خضم مساعيها لرسم معالم العلاقة المطلوب أن تبنى اليوم بين المعارضة بمختلف ألوان أطيافها، والسلطة بمختلف أجنحتها. ذلك أنه ما أن يرتفع أي صوت يطالب بأن تتحول العلاقة من حالة العداء المطلق بين الطرفين، المشوب بعدم الثقة بينهما أيضا، إلى شكل من أشكال الحوار البناء القادر على انتشال البلاد من أزمة العداء المشوبة بانعدام الثقة، حتى تواجه هذه المطالبة، بأخرى مشككة في جدوى مثل هذا التوجه، منطلقة في تشاؤمها هذا من عدة مظاهر يمكن حصر أهمها في النقاط التالية:

1. عدم استعداد السلطة للدخول في أي مستوى من مستويات التنازل، وتمسكها بخيار واحد ليس هناك شيء آخر سواه، وعلى من يريد الدخول في أي شكل من أشكال الحوار معها القبول به بشكل مسبق. وما هو أسوأ من ذلك – كما ترى تلك الأصوات – أن السلطة تشترط أن يتم الحوار على أرضية ذلك الخيار، وفي نطاقه الضيق. وغالبا ما يكون مثل ذلك الخيار، ومن وجهة نظر المشككين في نوايا السلطة، منحازا بشكل مطلق لصالح تلك السلطة وبرامجها، ومصادر لصوت الجماهير وحقوقها.

2. انتهازية السلطة، التي غالبا ما تلجأ إلى الادعاء برغبتها في تقديم بعض التنازلات، التي هي في جوهرها شكلية، لكنها – أي السلطة – رغم تلك الشكلية، لا تلبث أن تنقلب عليها مجرد أن يطرأ أي تغيير طفيف على الظروف التي أرغمت السلطة على تقديم تلك التنازلات الشكلية، بل غالبا ما تحاول الانتقام عن تلك الخطوة المساومة (بكسر الواو) بالتراجع نحو الخلف، حتى عن هوامش الحريات التي كانت قائمة عندما عرضت السلطة رغبتها في الحوار.

3. سقوط بعض رموز قيادات العمل الوطني، بمختلف أطيافه، بوعي أو بدون وعي، عندما وافقت ودخلت في قنوات مثل تلك الحوارات، في مستنقع إغراءات النظام، وتفريطهم في أحيان كثيرة بالعديد من المكاسب التي كان بالوسع انتزاعها، لو لم يقبلوا بفتات ما رمته لهم موائد السلطة.

ويستعين هؤلاء المشككون بمجموعة صغيرة من الأسماء ويمعنون في تعميم هذه الظاهرة - المحدودة في حقيقة الأمر - كي يتمكنوا من تحويلها إلى قاعدة عامة يستخدمونها كفزاعة يخيفون بها الغالبية التي لاتزال متمسكة بمبادئها، وغير قابلة للمساومة عليها، حتى عندما وافقت على الدخول في مثل تلك الحوارات. لقد أبقت تلك الأغلبية هامشا كبيرا بينها وبين أي شكل من أشكال الانزلاق الذي وافقت عليه تلك الأقلية.

كل هذه المظاهر صحيحة، وتلك المخاوف مشروعة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم وبإلحاح، مأخوذة هذه الحالات بعين الاعتبار، ترى ما العمل للخروج من هذه الأزمة التي ولدتها ظروف تطور المجتمع البحريني السياسي؟

هل المطلوب إدارة الظهر لكل ما تقدمه السلطة، تحت مبرر عدم الثقة بها، والخوف من الانزلاق أمام مغرياتها، أم أن الواجب يستدعي التعامل بثورية عالية تستطيع أن تقلب الطاولة على من يحاول أن يبقي تلك الظواهر وكأنها حقائق سرمدية لا يمكن تغييرها ولصالح الحركة الجماهيرية، ولتحقيق المزيد من المكاسب لصالح تلك الجماهير التي لم تكف عن تقديم التضحيات الواحدة تلو الأخرى؟

منطق الرغبة في الخروج من هذه الأزمة يقتضي أن يخرج من صفوف الطرفين: السلطة والمعارضة من يملك البرنامج المستقبلي المشترك القادر على وضع أسس جديدة تقام عليها مثل هذه العلاقة.

فمن صفوف الطرف الأول نأمل أن نرى من ينبري، وهو مؤمن بضرورة الحوار الجاد المستقيم، الصادق والراغب في آن، في بناء جسور جديدة تنسف القديمة المسببة لتوتر العلاقة وتضع مكانها تلك التي تلأم الجراح، وتوقف النزيف.

أما من بين صفوف الطرف الثاني، فنحن نتطلع إلى من يتقدم الصفوف، تملؤه الثقة بالنفس، وتحت إهابه البرنامج الصحيح، وغير الآبه بهمسات البعض، أو نظرات الشك التي يرميه بها البعض الآخر.

أهدافه محددة بشكل دقيق، والطريق نحوها واضحة المعالم. وفي غياب مثل هاتين الشخصيتين لن نرى من السلطة سوى غرورها الجائر المنفلت نحو الخارج، ولن نلمس من المعارضة سوى تكورها المتقوقع نحو الداخل

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2725 - السبت 20 فبراير 2010م الموافق 06 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:32 م

      أحسنت القول ......

      احسنت القول نعم للكتاب الصادقين المخلصين انها المقولة المشهورة ( الثورات يخطط لها الحكماء والفلاسفة , وينفذها الشجعان , ويجني ثمارها الجبناء ) فعلى المرء ان يسأل نفسة الى اي فئة من هذه الفئات الثلاث ينتمي وما أكثر افراد الفئة الثالثة وهم الذين ترتفع أصواتهم الان وتراهم يتصدرون المجالس وتعطى لهم الالقاب وهم بها فرحون رغم علمهم يقينا انهم لايستحقون ما اعطوا وما منحوا متى يستيقظ الضمير ويعيد الحق لاصحابه ؟

اقرأ ايضاً