إحدى المفاهيم الجديدة لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري في عالم «مابعد كيوتو» يعرف بخلق مجتمع منخفض الكربون أو «Low Carbon Society». هذا المفهوم المبتكر من قبل الباحثين هو نتيجة اقتناع النخب العلمية بتزايد تراكم تركيز الغازات الدفيئة في الهواء الجوي بسبب الأنشطة الإنسانية و بالتالي وجوب محاولة تغير العادات و الممارسات المجتمعية في مجالات متنوعة و قطاعات مختلفة في الاقتصاد كالزراعة والصناعة والمواصلات.
حكومات الدول المتقدمة و من خلال تخطيط لجانها في مجالات المناخ والطاقات البديلة تعهدت رسميا بالحد من انبعاثاتها الكربونية في العام 2050 فمثلا بريطانيا تعهدت بخفضها بنسبة 60 في المئة و فرنسا بنسبة 75 في المئة و ألمانيا بنسبة 80 في المئة. هذه التعهدات امتدت الى المدن الكبرى مثل لندن وميونخ فبدأت بأخذ تدابير في مجالات بناء المساكن و المواصلات واستخدام الطاقات البديلة و الهيدروجين لخفض البصمة الكربونية لمواطنيها.
لكن هل التحول من مجتمع يعتمد على الطاقة الاحفورية الى مجتمع منخفض الكربون مكلف من الناحية المادية و يؤثر على نمو الاقتصاد الوطني ؟ من الطبيعي أن يكون هناك بعض الشك في تحقيق نسب عالية من الخفض لكن إحدى البحوث اليابانية في هذا المجال وجدت ان استخدام التكنولوجيا يساهم بنسبة 54 في المئة أما النسبة الباقية فيمكن خفضها عن طريق الاستثمار في وسائل المواصلات، و استخدام الأرض، وتغيير نمط الحياة، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها وبالتالي نستنتج من هذا البحث ان الدول النامية تستطيع من خلال التخطيط المناسب لبنيتها التحتية تحقيق نسبة من النجاح في هذا المضمار و حتى بدون نقل تكنولوجيا معقدة قد تكون مرتفعة الثمن.
خلال فعاليات المؤتمر الخليجي – الياباني الثامن عشر للبيئة و الذي استضافه مركز البحرين للدراسات والبحوث ومركز التعاون الياباني للبترول قدم البروفيسور الياباني فوجي موتو محاضرة عن «الخطوات التي يجب اتخاذها لخلق مجتمع منخفض الكربون في مدينة يابانية» وقد تحدث المحاضر بإسهاب عن تطبيق عدة سياسات حكومية جديدة في المجالات الصناعية والزراعية و التعليمية و المباني الخضراء وتوليد الطاقة نتجت عنها تقليص الانبعاثات الكربونية مع الحفاظ على نسب نمو اقتصادية معتدلة.
الأبحاث اليابانية في هذا المجال كانت نتيجة تعاون عقول من المراكز البحثية و الجامعات و الشركات و الحكومات من مختلف التخصصات مثل البيئة و الطاقة والاقتصاد والنقل والزراعة والقانون الدولي والسياسة. وجد المتخصصون ان الشرط المسبق للوصول الى مجتمع منخفض الكربون يعتمد على وجود مجتمع نابض بالحياة أو ديناميكي قادر على المحافظة على مستوى معين من النمو الاقتصادي.
خارطة الطريق اليابانية المستقبلية تعتمد على ثلاثة محاور مركزية: أولا، رعاية 50,000 مستشار في هذا التخصص يقدمون النصائح الى المجتمع و أصحاب الأعمال للحد من الانبعاثات في المنزل و بيئة العمل. ثانيا، تقاسم المعلومات و المعرفة من خلال التعليم البيئي في المدارس و الدورات التدريبية في الشركات و تنظيم الفعاليات البيئية و بثها من خلال و سائل الإعلام. ثالثا، تغيير نمط الحياة لتتكيف مع المجتمع الجديد في ظل مشاركة تطوعية في تخطيط المدن.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2724 - الجمعة 19 فبراير 2010م الموافق 05 ربيع الاول 1431هـ