اعتاد مستخدمو الإنترنت في الأعوام السابقة على استلام رسائل مزوّرة تبشرهم بالفوز بجوائز تقدر بالملايين، وما عليك إلا أن ترسل مبلغا معينا (مقدورا عليه) ليرتّبوا لك إرسال الجائزة المالية القيّمة!

البعض بلع المقلب، وأرسل «الفدية» ولم تصله الجائزة، أما البعض الآخر فكشف اللعبة من البداية، فطالب الطرف الآخر (العصابة) باقتطاع المبلغ المطلوب من مبلغ الجائزة وإرسال الباقي!

ويبدو أن تلك الموجة في طريقها إلى النهاية، ولكن هناك موجات أخرى من الفبركة تشهدها ساحة الإنترنت، فتتلقى أحيانا عبر بريدك الإلكتروني رسائل ملغومة بمعلومات خاطئة، وحكايات تستعصي على التصديق، وأمور ما أنزل الله بها من سلطان. وربما بعضها مأخوذٌ من بعض الكتب القديمة دون تمحيص أو تقييم. ومن المؤكد أن بعضها يعاد إرساله على طريقة «خذوه فغلوه»، بما فيها من إشكالات عقلية ونقلية وأدبية تستخف بالعقل.

من هذا الباب رسالة فبركها صاحبها بعنوان «أشهر قصائد نزار قباني»! وتبدأ كالتالي: قالت لهُ... أتحبني وأنا ضريرة... وفي الدُّنيا بناتُ كثيرة... الحلوةُ والجميلةُ والمثيرة». ومع إني لا أدّعي أني قرأت كل دواوين قباني، إلا أني أجزم أنه بريء من هذه الركاكة والهراء، البعيد جدا عن مفرداته الشعرية! والأغرب قصيدة أخرى نسبت إليه عن الإمام الحسين (ع)، باعتبارها من أجمل أشعاره، تقول: «سأل المخالف حين أنهكه العجب... هل للحـسين مع الروافض من نسب»! فما دخل قباني بهذه المصطلحات والأجواء؟

رسالة أخرى بثها صاحبها تحت عنوان استفهامي: «من هو الصبي الذي مسح التراب من تحت أقدام الإمام الحسين (ع)»؟ ثم يستعرض قصة طويلة الله أعلم بمصدرها، عن مرور الرسول (ص) بصبيانٍ فجلس عند أحدهم يلاطفه، ثم أقعده في حجره وأخذ يقبله، لأنه رآه ذات يومٍ يلعب مع حفيده الحسين ويأخذ التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه! ويريد الراوي أن يقنعنا بأنه حبيب بن مظاهر الأسدي، الذي يروي التاريخ أنه كان أكبر من الحسين بعشرين عاما على الأقل. عندما تقرأ الحكاية تشعر من متنها ومضمونها وضعف لغتها أنها مفبركة، من أجل تبرير بعض الممارسات الحاطّة بكرامة البشر. ومن قرأ السيرة النبوية، من الصعب أن يجد قصة عن تقبيل أحدهم للتراب من تحت قدمي الرسول، أو ما شابه من طرق تعبير تحطّ من كرامة البشر، كالتي انتشرت في أزمنة التخلف والانحطاط.

الأدهى من ذلك أن تنشر رسالة تقول: «هنا عمل لو عمله يزيد لغفر الله له قتل الحسين»! وفي السطر التالي تصدمك التفاصيل: سأل يزيد الإمام زين العابدين: يابن رسول الله... ألا تعلمني عملا يغفر به الله لي قتل أبيك الحسين عليه السلام (هكذا)؟ فيجيبه: «بلى... صلي صلاة الغُفيلة بين المغرب والعشاء كل ليلة»! وهي رواية يبدو هزالها مبنى ومعنى، لما تمثله من استخفاف بالعقل. فأية صلاة مستحبة يمكن أن تشفع لشخص قاتل؟ وهل كان يفكّر بالمغفرة مثله؟ وفي أي رواية أو مستند تاريخي جرى مثل هذا الحوار المتخيّل؟

لقد انتهت كما يبدو موجة الرسائل الإلكترونية التي تحاول النصب عليك ماليا، لتبدأ رسائل الاستخفاف بالمنطق والعقل والدين الحنيف