اعتبر البابا بنديكت السادس عشر فضيحة الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، التي هزت الكنيسة الكاثوليكية في إيرلندا، بأنها «جريمة شنعاء». وبعد أن وضعها في خانة «الذنوب الكبرى المسيئة إلى الله وتمس بالكرامة الإنسانية» عاد فدعا إلى «إعادة المصداقية للكنسية الكاثوليكية»، مرجئا الحادث إلى «فشل سلطات الكنيسة الإيرلندية لعدة سنوات في العمل بفعالية أكثر لمواجهة حالات الاعتداء الجنسي ضد الأطفال».
أما الكنيسة الإيرلندية فقد بادرت إلى الإعلان عن عزمها على «الالتزام بالتعاون مع السلطات القانونية في إيرلندا الشمالية والجنوبية لمعالجة هذه القضية».
تعود جذور هذه الفضيحة إلى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، عندما كشف تقرير عن «اعتداءات جنسية بحق الأطفال في أبرشية دبلن، منتقدا طريقة تعامل الكنيسة الإيرلندية مع الأساقفة المشتبه في ارتكابهم هذه الجرائم بحق أطفال في الفترة بين 1975 و2004».
وحاول البابا، في سياق معالجته للموضوع، التأكيد على حرص الفاتيكان على عدم التساهل في مثل هذه الأمور، عندما أكد بأن «التحرش الجنسي بالأطفال ليس جريمة بشعة وحسب، إنما يشكل خطيئة كبيرة تسيء إلى الله وكرامة الكائن البشري المخلوق على صورته ومثاله».
بغض النظر عن ملابسات الحادث، وبعيدا عن كل ما يمكن أن يقال بشأن المؤسسة الدينية المسيحية، لابد من الاعتراف بأن موقف تلك المؤسسة من هذه الفضيحة على وجه الخصوص، وحرص أعلى هيئة في تلك المؤسسة والتي هي الفاتيكان من التصدي لها علنيا، وعلى مستويين: ديني كهني، وقضائي مدني، يكشف، بشكل جلي لا يناله الشك، عن مدى حضور مؤسسات المجتمع المدني، وعلى وجه الخصوص تلك التي تعنى بحقوق الإنسان وتأثيراتها الإيجابية، على سير الأمور في مجتمعاتها، إلى درجة أنه بات في وسعها، ومن ضمن صلاحياتها، إرغام المؤسسات كافة، ودون أية محاباة أي منها، على الخضوع لمقاييس احترام العلاقات الإنسانية في تلك المجتمعات، وفي القلب منها العقد الاجتماعي الذي يلزم كل فرد في المجتمع نفسه ببنوده، التي تنظم العلاقات فيما بين أولئك الأفراد، بعيدا عن السن، أو الجندر أو العرق، أو حتى المكانة الاجتماعية.
وبالنسبة لنا نحن العرب، فمن غير المستبعد أن يخرج علينا من يلصق تهمة هذه الجريمة بالإفرازات التي أطلقتها الحضارة الغربية التي لم يعد في وسعها – من وجهة نظر هؤلاء المتحاملين – توفير الحماية الاجتماعية والأخلاقية لأي فرد في تلك المجتمعات، بمن فيهم الأطفال.
تهدف مثل هذه النظرات، فيما تهدف إليه، التشكيك في أخلاقيات المجتمعات الغربية الديناميكية من جهة، والترويج لقيم وأخلاقيات المجتمعات العربية الشرقية الراكدة من جهة ثانية، محاولة، قدر ما تستطيع، القفز على كل الإيجابيات التي جلبها معه التقدم الذي عرفته تلك المجتمعات الغربية. على أننا هنا لسنا بصدد إجراء مقارنة بين الحضارات، أو القيام بجرد مفاضلة بين واقع المجتمعات.
أول الجوانب الإيجابية التي ينبغي أن نستخلصها من تلك الفضيحة، هو أن معايير الشفافية التي تسود تلك المجتمعات باتت تفرض مقاييسها على الجميع، بما فيها المؤسسة الدينية، التي لم يعد في وسعها إخفاء أي من الجرائم التي ترتكبها هي كمؤسسة أو العاملين فيها من أفراد، بحق أفراد تلك المجتمعات.
أما ثاني تلك الجوانب فهو أن المجتمعات الغربية لم تعد تقبل بأن يكون هناك من يقف فوق القانون، حتى وإن كان ذلك المخطئ، هو إحدى المؤسسات الدينية أو من يعمل فيها. دون أن يعني ذلك العمل من أجل انتهاك حرمة المؤسسة الدينية أو التقليل من هيبتها.
أما الجانب الثالث فهو الذي يدفعنا للالتفات نحو مجتمعاتنا العربية، حيث يزهو الكثير منا بسيادة الفضيلة، ويروج لطهرانيتنا من فضائح لتلك التي كشفت عنها الكنيسة الإيرلندية، والتي يمكن أن نورد حوادث مشابهة لها، رغم محاولات البعض إسكات الأوساط التي هبت للكشف عنها.
ويمكن أن نسرد هنا قائمة طويلة من الحالات التي تكشف الجرائم التي ارتكبت بحق الأطفال في مجتمعاتنا العربية، والتي ليست، ولا يمكن أن تكون، مطابقة لما قام به رهبان وأساقفة الكنيسة الإيرلندية، لكنها لا تقل بشاعة عنها.
يقف في أعلى تلك القائمة والتي تمس الأطفال من الفتيات، هو الختان، الذي إذا تجاوزنا الظروف الصحية السيئة المحيطة بهذه المسألة، لا يمكننا إلا أن نتوقف عند المترتبات النفسية والانعكاسات الاجتماعية على الطفلة التي يجبرها ذووها على القبول بذلك تحت مبررات، يدثرها البعض بعباءات دينية.
تكفي الإشارة هنا إلى الموقف المتذبذب الذي لايزال يسوده الكثير من التردد عنده الأزهر الشريف، وكما جاء على لسان مفتي الديار المصرية فضيلة الشيخ علي جمعة في أكثر من مناسبة، حين لم يخرج برأي قاطع جازم يحرم إجراء عمليات الختان التي تفرض على فتيات لم يتجاوزن ربيعهن الخامس.
وفي مصر أيضا، ينشر موقع «لها أون لاين»، مقالا للكاتب محمد رضا، يسلط فيه الضوء على دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال في مصر أعدتها أستاذ الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، فاتن عبد الرحمن الطنباري، وكشفت فيها الكثير من قصص التحرش الجنسي بالأطفال في مصر، حيث يمثل «الاعتداء الجنسي على الأطفال 18 % من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل». أما بالنسبة لصلة المجرم بالضحية، فقد أشارت الدراسة إلى «أن النسبة هي 35 % من الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية».
القضية الثالثة، وليست الأخيرة في القائمة الطويلة، هي الزواج من الفتيات القصر، ولسنا بحاجة إلى العودة بعيدا في التاريخ، فحادثة فتاة البريدة ذات الاثني عشر ربيعا التي بيعت لرجل الثمانينيات لم يجف حبرها بعد.
ولربما آن الأوان كي تكون فضيحة الكنيسة الإيرلندية، مناسبة كي نفصح عما في قلوبنا من جرائم شاهدناها أو سمعنا بها، لكننا لم نمتلك بعد الشجاعة الكافية التي نحتاجها كي نفصح عنها ونكشفها، دع عنك محاكمة أو معاقبة مرتكبيها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2722 - الأربعاء 17 فبراير 2010م الموافق 03 ربيع الاول 1431هـ
اين الاحكام العادلة؟
هم اول خلهم يصدرون احكام عادلة في قضايا الاعتداء الجنسي على الاطفال مو تبرئتهم .. ماذا عن قضية الطفلة التي اعتدى عليها زوج عمتها .. ماذا كان مصير المجرم اليس البراءة !!اذا كانت السلطات الثلاث عندنا غير مهتمة باصدار احكام عادلة اذا على الدنيا السلام