قرب ختام معرض (الكتاب البحريني وازدهاره في ظل الميثاق) «بمركز عيسى الثقافي، أقف مسترجعا و مستذكرا الأرواح الكبيرة والعقول النيرة التي أسست، عبر العصور، لثقافتنا وحضارتنا، سواء دخلت بحكم الفترة الزمنية، في إطار المعرض أو لن تدخل.
أستذكر طرفة بن العبد بمعلقته الشهيرة ومحبوبته «خولة» وتلك النزعة الفلسفية في شعره التي تكشف عن تشوق الروح العربية إلى الإيمان، قبل أن تأتي رسالة الإسلام.
وأستذكر ابن المقرب العيوني، وبلاغته العربية ونزعت اليعربية التي تذكر بفصاحته المتنبي وبعروبته في النصف الثاني من (العصر العباسي) ولن أنسى ذلك الحشد الجليل من النقاد والباحثين الذين جمعهم عبدالعزيز البابطين في بلده الثاني البحرين لإحياء ذكرى ابن المقرب قبل سنوات قليلة.
وأقف بإجلال وتقدير أمام الفكر النيّر الذي أبدعه الشيخ ميثم البحراني، كأبرز المتكلمين الإسلاميين، في العصور الإسلامية عندما وضع شرحه المتميز والوفير لكتاب «نهج البلاغة» للإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. وأذكر أننا أقمنا ندوتين فكريتين عن الشيخ ميثم، الأولى في البحرين، والثانية في طهران، بمبادرة كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، بصفته رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وبمشاركة وحضور لفيف كريم من الباحثين ورجال الدين البحرينيين، الذين سعدت بصحبتهم في رحلتنا إلى طهران، ثم قم، ثم أصفهان، وأذكر باعتزاز، مقالتي عن الشيخ ميثم، كأول مقالة عنه، في التاريخ الحديث لثقافة البحرين قبل أربعين سنة.
ثم أستذكر ديوان «أبوالبحر جعفر الخطي» الذي استهوته جزر البحرين وقراها الجميلة، وما كتبه عن «سبيطية» البحر!
وكمسك الختام لهذه الذكريات الأدبية والفكرية، أتصفح أعمال الندوة الفكرية عن الشيخ قاسم المهزع، وقد دخل الكتاب الجامع عن المهزع في المعرض، رمزا لأصالة فكره الديني المستنير.
والجدير بالذكر أن جميع من ذكرت من أعلام ثقافة البحرين قد كتبوا نتاجهم في الشعر، والفكر، بلغتهم العربية الأم، وذلك ملحظ علينا ألا نغفله لما للغة الأم من عمق الدلالة على شخصية الأمة، من طرفة إلى الشيخ ميثم ومن جاء بعده،، ولا أرى أن شاعرنا البحريني المعاصر محمد العتيبي قد جانبه الصواب عندما قال:-
أنا البحرين عالية البنود...
شموخ ساد من عهد الجدود
عروبة منسبي أمر يقين...
حكى التاريخ عنها للعهود
وذلك في الذكرى السابعة لميثاق العمل الوطني (العام 2008) ثم أقف أمام نتاج الأدب والفكر في (معرض الكتاب البحريني وازدهاره في ظل الميثاق) ناظرا بتقدير إلى مؤلفات إبراهيم العريض، وعبدالله الزايد، وعبدالرحمن المعاودة، وتقي البحارنة إلى غيرهم من أعلام الفترة الحديثة والمعاصرة، وهم الأعلام الذين اقتدينا بهم ومشينا على خطاهم ونحن نؤسس لواحدة من أقدم مؤسسات المجتمع المدني البحريني، وهي «أسرة الأدباء والكتاب» التي احتل نتاج أعضائها قسما رئيسيا من المعرض،، المعرض الذي جاءت كتبه، في معظمها، من المكتبة الوطنية باجتهاد زميلنا الدكتور منصور سرحان، مديرها، وما نقص أكمله من كتبه في البيت من مكتبته الخاصة. فله ولزملائه المتعاونين معه كل شكر وتقدير، وإذا كان معرضنا هذا سيذكر، فإنه من ضمن ما سيذكر به، الكتاب المفيد الذي ألفه منصور سرحان، ووضعناه، مجانا، بتصرف الزائرين الكرام، وهو كتاب (المجموعة الخليفية للشباب) الذي سد نقصا في مكتبتنا الوطنية التاريخية. وهذا المرجع التاريخي المهم لا يقلل من أهمية الكتاب المرجعي الآخر الذي صدر بالمناسبة وهو كتاب البيليوغرافيا الوطنية لمملكة البحرين: 2000 - 2009م، والذي يمكن أن يكشف لنا الإحصائية المدهشة المتضمنة صدور 1700 كتاب بحريني في ظل الحريات التعبيرية ومجال المشاركة الوطنية الرحبة التي أتاحها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، مقابل صدور 1500 كتاب طوال القرن العشرين!.. وهو كتاب جمعه وأعده أربعة باحثين وأشرف عليه وراجعه منصور سرحان.
وأخيرا، أمسك من نتاج المعرض بالعدد التذكاري من صحيفة «الكتاب» التي سهر على إعدادها صحفيان من «جيل حمد» هما فاضل عنان وحسين مرهون مستعرضا فيها المقابلات القيمة لعدد من صناع الثقافة في بلادنا.
أما مسك الختام لهذا الحدث الثقافي كله، فهو تفضل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى، بافتتاح المعرض في 9 فبراير 2010م في مقدمة عدد من الشخصيات البارزة الرسمية أو المهتمة بالشأن الثقافي، وهو القيادي المسئول الذي يتابع كل جديد في فكر العالم والعصر.
وكان أفيد ما تلقيناه من سموه، اقتراحه المتميز اللافت، بالعمل على إصدار طبعة جديدة من كتاب «الضوء الأول» الصادر في العام 1986 بقلم جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، عندما كان وليا للعهد، والذي يستطيع من يقرؤه بتمعن، أن يجد بين سطوره بذورا واعدة وإلماحات مباشرة وغير مباشرة لمفردات المشروع الإصلاحي الذي غيّر حياة البلاد، ونقلها من حال إلى حال.
ورغم أن الكتاب قد تُرجم إلى الانجليزية قبل سنوات، ونفدت نسخه العربية، فإن طبعة عربية جديدة لم تصدر له.
وكما اقترح سمو ولي العهد، فإن العمل على إصدار الطبعة الجديدة من كتاب «الضوء الأول» الذي ألفه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، سيبقى المهمة الأساسية للمهتمين بالكتاب الوطني.
هكذا في لحظة المغادرة نقول إننا لن نغادر منطقة الكتاب البحريني وسنظل نعمل في إطاره بشكل أو بآخر.
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الأنصاري"العدد 2722 - الأربعاء 17 فبراير 2010م الموافق 03 ربيع الاول 1431هـ
الخميس 18 فبراير 2010
أنا البحرين عالية البنود...
شموخ ساد من عهد الجدود
عروبة منسبي أمر يقين...
حكى التاريخ عنها للعهود