نترقب أن يناقش مجلس النواب الأسبوع المقبل تعديلات «لجنة الخدمات» على قانون الصحافة والنشر رقم 47 لسنة 2002 وفقا لمشروعين بقانون، أحدهما اقترحه مجلس الشورى، والثاني اقترحته الحكومة، وأملنا أن ينتج عن التعديلات ما يصحح المسار الحالي ويزيل العقوبات والقرارات الإدارية والرقابة المسبقة على الكتب، وأن تتم إزالة أي ربط أو «تجسير» بين قانون الصحافة وقانوني «العقوبات» أو «الإرهاب»، وأن تنص مادة على أن يكتفي القضاء بمواد قانون الصحافة والنشر، وأن تراعي التشريعات طبيعة مهنة الصحافة والنشر، لاسيما وأنه لا يمكن لأي بلد أن ينتعش من دون حرية تعبير تلتزم بالمواثيق الحقوقية الدولية وتستشعر المسئولية الوطنية، ويحميها القانون، بدلا من أن يقيدها أو يقمعها.

ومن المصادفة توفر دراسة حديثة عن مسارات التشريع والقضاء فيما يتعلق بالصحافة، وقد عقد في في 13 فبراير/ شباط 2010 مؤتمر إقليمي في البحر الميت بالأردن تحت عنوان «الإعلام في القضاء العربي... نحو شراكة في الدفاع عن الحريات»، جمع من خلاله عدد غير قليل من القضاة والمحامين والإعلاميين والبرلمانيين والسياسيين العرب لمناقشة الدراسة الخاصة بالتشريعات وكيفية تعامل القضاء مع الصحافة في كل من لبنان ومصر والأردن واليمن والبحرين... وشارك من البحرين خمسة محامين وصحافيان (كنت أحدهما)، ونائب واحد، وكان من المفترض أن يكون معنا اثنان من قضاة البحرين أيضا. وعندما وصلنا إلى العاصمة الأردنية سأل المنظمون عن القاضيين، إذ كان من المفترض أن يكونا معنا على نفس الرحلة، ولكن بعد فترة من البحث عنهما، اعتقد المنظمون أنهما ربما خرجا من خلال ترتيبات أخرى لكبار الضيوف، وربما أن السفارة البحرينية في الأردن استقبلتهما قبل أن يصل إليهما المنظمون. ولكن عندما بدأت جلسات المؤتمر اتضح أن القاضيين لم يصلا، وقال المنظمون لاحقا إن البحرين هي الدولة الوحيدة (من بين الدول العربية الخمس التي خضعت للدراسة التقييمية) التي رفض القضاء فيها بشكل رسمي وكتابي المشاركة في فترة إعداد التقرير، كما اتضح أيضا رفض المشاركة في مناقشة التقرير.

لم يكن واضحا السبب في عدم مشاركة قضاة البحرين في مؤتمر إقليمي خصص لمناقشة تأثيرات البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية على حريات التعبير عبر وسائل الإعلام، ومناقشة التشريعات واتجاهات القضاء العربي تجاه هذا النوع من القضايا، ورؤيته بشأن حدود حريات التعبير بشكل عام، وعبر الوسائط الإعلامية بشكل خاص.

على أية حال، فإن المؤتمر اختتم لاحقا، وصدرت «مسودة» لإعلان ختامي أكد فيه المشاركون «أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في عالمنا العربي على العموم وفي البلدان الخمسة محل الدراسة على وجه الخصوص لا تسمح بإنتاج إعلام حر، نتيجة المستويات المحدودة من الحريات العامة من ناحية، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد من ناحية ثانية، وعدم وجود ثقافة مجتمعية تسمح النقاش الحر للآراء». وأكد المشاركون «أن التشريعات العربية في البلدان الخمسة تتسم بالتشدد المبالغ فيه ضد الإعلاميين وتتعارض بشكل كامل مع القواعد الدولية المستقرة في شأن صياغة قوانين التشهير... وأن القضاء وعلى رغم وجود قضاة مستقلين وأكفاء، مازال يعاني من تدخل السلطة التنفيذية في بعض شأنه من ناحية، وإلى ضعف ومحدودية التدريب المتخصص على قضايا الإعلام من ناحية ثانية، وإلى قلة عدد القضاة وضعف رواتبهم من ناحية أخيرة، الأمر الذي يؤدي فعليا إلى عدم وجود اجتهادات قضائية جديدة تتوافق مع المعايير الدولية في شأن هذا النوع من الدعاوى دائمة التجدد».

المجتمعون في البحر الميت أكدوا الحاجة للعمل مع المجالس التشريعية والكتل السياسية في الدول التي خضعت للدراسة من أجل صوغ تشريعات قانونية جديدة خاصة بحريات التعبير والإعلام تتوافق مع المواثيق الدولية من ناحية، وتتماشى مع الأصول الفنية المعترف بها دوليا لصياغة التشريعات التي تحكم وتحدد أطر حريات التعبير والإعلام، وهو ما نأمل تحققه بالنسبة للبحرين.