صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.
الوسط - محرر فضاءات
منذ مطلع شبابه لم يتمكن أحمد الشملان من الاستقرار في عمل ثابت لفترة طويلة أو حتى قصيرة، فمن جهة اقتضت المهام النضالية التي كان منهمكا فيها استمرار تنقله بين منطقة وأخرى، ومن جهة كان جهاز المخابرات له بالمرصاد في وطنه فإما يُرفض من العمل بعد إتمام إجراءات تعيينه، وإما يُحجز جواز سفره فلا تتم إجراءات تشغيله، أو يُسفر أو يُعتقل ويطول اعتقاله.
وكان عمله في مجال المحاماة وفي مجال الكتابة الصحافية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي الفترة الوحيدة في حياته التي استقر خلالها في عمل مستمر نسبيا، وساعد على ذلك كون المحاماة عمل حر خاص به، أما الكتابة الصحافية فلم يتمكن من الاستمرار فيها داخل وطنه حيث أوقف عن الكتابة في جريدة «أخبار الخليج» بعد حوالي العامين على انتظامه ككاتب عمود يومي على صفحاتها، لكنه ظل يكتب في الصحافة الخليجية حتى صيف 1997 حينما ألمّ به المرض وأعاقه عن الكتابة.
كان الشملان حريصا على تكريس مهنته كمحام للدفاع عن حقوق الإنسان وعن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي وعلى تكريس مهنته ككاتب صحافي للتنوير الفكري والحقوقي وطرح المطالب الديمقراطية لشعوب المنطقة ومناقشة القضايا الوطنية والعربية والعالمية الساخنة.
سنسلط الضوء فيما يلي على الدور النضالي الذي خاضه أحمد الشملان على صعيد الكتابة الصحافية التي تركزت بشكل أساس في عقد التسعينيات من القرن الفائت.
منذ أوائل ستينيات القرن المنصرم كانت لأحمد الشملان مساهمات على صعيد الكتابة السياسية ذات البعد النضالي، وقد تلونت تلك الكتابات وفقا للرؤية السياسية التي كان الشملان يذهب إليها، وكذلك وفقا للأرضية الأيديولوجية والسياسية التي كان يقف عليها التنظيم الذي ينتمي إليه الشملان في هذه المرحلة أو تلك. إلا أنه حتى في أكثر المراحل قمعا ومصادرة لحرية الرأي على الصعيد المجتمعي، وحتى في كنف عمل تنظيمي سري ملتزم بأدق وأشد آليات السرية والمركزية، كانت كتابات الشملان الحزبية الداخلية على تنوعها (بيانات، تقارير، مقالات، دراسات ...إلخ) تتسم بالصراحة والرأي الجريء.
وعلى صعيد النشر الصحافي كانت لأحمد الشملان تجارب قديمة في نشر كتاباته خاصة نتاجه الشعري العامين 1967 و1968 في مجلة «الطليعة» الكويتية التي كانت تمثل صوت القوميين العرب في إقليم الخليج. ودخولا في السبعينيات المنصرمة نشر الشملان مقالات وتحليلات سياسية غير موقعة في الصحافة الحزبية التابعة للحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل اللتين كان ينتمي لهما. كانت له مساهمات في نشرة «9 يونيه»، كما نشر مقالات وتحليلات سياسية تحت أسماء مستعارة في مجلة «الحرية» البيروتية التي كانت تصدر باسم يسار حركة القوميين العرب، وفي المجلة ذاتها نشر باسم مستعار هو «حازم العاصي» شهادة حول تجربته النضالية على جبال ظفار خلال الفترة الممتدة من بداية مارس الى نهاية مايو/ أيار 1971.
وإثر انتقاله إلى صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية، بدأت تظهر نصوصه الأدبية ذات البعد السياسي الوطني في الصحافة الحزبية للجبهة وهو في المعتقل في الفترات 1974 و1975 ثم في النصف الأول من عقد الثمانينيات وبعدها في التسعينيات وهو خارج المعتقل.
لكن الشملان ظل تواقا للكتابة والنشر العلني في الصحافة ولم يتحقق له ذلك إلا بعد أن حظي ببعض الاستقرار الحياتي النسبي بعد خروجه من المعتقل في النصف الثاني من الثمانينيات دخولا في التسعينيات المنصرمة. ويتميز عقد التسعينيات بأنه المرحلة الأغنى في الكتابة الصحافية بحياة أحمد الشملان والوحيدة التي نشر فيها مقالاته السياسية معنونة باسمه.
كانت التسعينيات الماضية هي المرحلة الأطول والأكثر استقرارا التي قضاها أحمد الشملان في الوطن خارج المعتقل ودور الشملان النضالي على صعيد الكتابة الصحافية وعلى الصعيد الإعلامي هو واحد من الأسباب التي جعلت تسعينيات القرن الماضي أغنى المراحل النضالية في حياته وأكثرها تنوعا. في الوقت ذاته كان ذلك الدور النضالي سببا من الأسباب الرئيسة لما طال الشملان من ملاحقات أمنية كالاستدعاء والتهديد والمنع من الكتابة في الصحافة المحلية ومصادرة جواز سفره انتهاء باعتقاله.
وحينما اندلعت أحداث التسعينيات المنصرمة جنّد أحمد الشملان مهنته ليس كمحامٍ فحسب بل وككاتب صحافي لخدمة القضية المطلبية والدفاع عن الحراك الجماهيري من أجل الحقوق الوطنية والسياسية المشروعة. ولانهماكه في تسخير مهنتي المحاماة والكتابة الصحافية لخدمة القضية المطلبية كانت كل واحدة من المهنتين تكمل الأخرى في تدبير حد أدنى من مصدر الرزق الشخصي للشملان. ومع انغماس أحمد في تولي قضايا المعتقلين، أصبح دخله من الكتابة الصحافية أكثر ثباتا - إلى حد ما - من دخل المحاماة وغدا يعتمد بشكل أكبر في كسب رزقه على الكتابة الصحافية.
بعد حرب الخليج الثانية ومع البدء في طرح مسألة الديمقراطية والحاجة لإجراء إصلاح سياسي في منطقة الخليج عموما وفي البحرين على وجه الخصوص وتداول ذلك في اللقاءات والمجالس ومن ثم بدء التحرك على إعداد عريضة نخبوية جنّد الشملان قلمه لطرح مسألة الديمقراطية وضرورتها في المنطقة من خلال مقالاته الصحافية في بعض الصحف المحلية والخليجية.
يتذكر أحمد قائلا: «كنت قد بدأت الكتابة في الصحافة منذ نهاية الثمانينيات، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية، وجدت أن من الضرورة أن تقتحم الأقلام الوطنية في الصحافة المحلية والخليجية المسألة الديمقراطية، وقد بدأتُ العام 1991 الكتابة في جريدة «الوطن» الكويتية و»الخليج» الإماراتية بمقالات سياسية عامة حرصت فيها على الاقتراب من تخوم المسألة الديمقراطية في دول المنطقة».
على المستوى المحلي لم يكن أحد من المواطنين أو المقيمين يجرؤ على تناول قضايا الديمقراطية عبر الصحافة المحلية أو ينشر مقالات تتناول المسألة الديمقراطية وتطالب بها حتى في الصحافة خارج حدود الوطن. على الصعيد المحلي كان مجرد ذكر كلمة ديمقراطية في الصحافة في عداد الجريمة التي يمكن أن تعرض كاتبها للمساءلة الأمنية وتطبيق قانون أمن الدولة، ويمكننا الزعم أن أحمد الشملان كان أول بحريني - من داخل الوطن - يقتحم هذه الساحة عبر الصحافة المحلية والخليجية.
يذكر أحد الصحافيين:» يرجع لأحمد الشملان الفضل في تناول القضية الديمقراطية في ذلك الوقت الذي كان فيه الكثيرون خائفون ولم يخرجوا ولم يظهر لهم أي صوت، كان الشملان يكتب مقالات يومية في جريدة «أخبار الخليج» البحرينية وفي جريدة «الخليج» الإماراتية. ومن أهم ما يجب أن يؤكده المرء في حق أحمد الشملان أنه أول من أثار القضايا الدستورية وقضايا الديمقراطية من خلال مقالاته في ذلك الوقت الذي كان وقت قمع لا يجرؤ أحد فيه على كتابة كلمة حول قضايا المطالبة بالديمقراطية. هذه النقطة تحسب للشملان فقد كان الشخص الوحيد آنذاك الذي تصدى لهذه القضية وكتب بشجاعة سلسلة مقالات كان لها تأثير كبير لذلك بدأت وزارة الإعلام تحتج وكانوا متضايقين من كتاباته».
مع دخول العام 1992 وتبلور الحراك المطلبي في البحرين وطرح عريضة نخبوية تطالب بإعادة العمل بالدستور وعودة الحياة البرلمانية، ومن ثم التحرك على توقيعها، نشط قلم أحمد الشملان في رفد ودعم الحراك بما كان يكتبه من مقالات تتعلق بالمسألة الديمقراطية. وحتى تقديم العريضة النخبوية للأمير العام 1993 حفلت مقالاته بطروحات المطالبة بالديمقراطية وشكلت عاملا محفزا ومشجعا للتوسع في الحركة المطالبة بالديمقراطية في البحرين.
في مقال بعنوان «الواقع بين الاستثناء والقاعدة» كتب الشملان: «هناك واقع لا مفر من الاعتراف به، وهو أن جميع الفعاليات السياسية في دول الخليج العربي تطرح قضية الديمقراطية والعودة للعمل بالدساتير بصفتها القضية الأكثر إلحاحا، وأن الاستثناء هو الوضع القائم والمتعارض شكلا ومضمونا مع الدساتير المعطلة».
وجاء في مقال له نشر محليا بعنوان «الامتحان والدرس»: «المعارضة السياسية في مختلف بلدان الخليج وبمختلف قياداتها الفكرية لم يصل صوتها إلى العالم عبر صحافة مستقلة تعبر عنها... ومن باب أولى أن يكون لهذه المعارضة الديمقراطية المستقلة منبرها الخاص المعترف به، كما أن من حق هذه المعارضة ممارسة نشاطها والتعبير عن رأيها ضمن مؤسسات ديمقراطية منتخبة انتخابا حرا مباشرا، وهو ما تفتقده بلدان الخليج عموما...»
ونشر مقالا بعنوان «في العلاقة» جاء فيه: «في المجتمعات المتطورة حضاريا تعتبر العلاقة مع الآخر وتقويتها هدفا هاما يسعى إليه المجتمع في مستوياته كافة وينخرط في هذا السياق الفهم العصري لدور العلاقة الشخصية في تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الشعوب، أي أن الآخر لا يشكل «خطرا» على تلك المجتمعات، بعكس مجتمعاتنا التي لا تزال تعيش تحت وطأة الخوف من الآخر والحذر منه وفهم ما يبدو منه بعكس ما يقصده. ولعل هذا هو السبب الذي طبع علاقات مجتمعاتنا العربية بذوي النفوذ والسلطات فيها بطابع الريبة والخوف، وبالتالي أصبح الانغلاق والانطواء هما الطابع السائد، وعندما طرحت قضية «الديمقراطية» اشتد الحذر والخوف بين الحكام والمحكومين لأن الديمقراطية تعني اختراق الصندوق المغلق».
كما نشر مقالا بعنوان «الديمقراطية من منظور الدساتير الخليجية» جاء فيه: «إن مشروعية الحوار والذي دار ولا يزال بين قطاعات واسعة من شعوب دول الخليج العربي حول ضرورة المشاركة الشعبية في مسئوليات الحكم والإدارة وحق المساءلة والمحاسبة، إنما تأتي من منطلق التمسك بالدساتير في الدول الخليجية... إن قضية الديمقراطية التي كثر الحديث عنها واستمر يدور منذ أزمة الكويت وما بعد تحريرها إلى يومنا هذا، إنما تنطلق من منطلق أنها قضية دستورية، أي تقر بها دساتير الدول الخليجية».
وواصل كتاباته حول القضية نفسها، فنشر مقالا من جزأين بعنوان «الديمقراطية وأزمة الوعي» تحدث فيه عن مفهوم الديمقراطية، ومقالا عنوانه» الديمقراطية بين النظرية والتطبيق» تطرق فيه إلى مبدأ الديمقراطية في الدساتير الخليجية.
وفي مقال بعنوان «خطاب مفتوح إلى من يهمه الأمر» بعث به لجريدتي «الوطن» الكويتية و»الخليج» الإماراتية بتاريخ 11 يوليو/ تموز 1992 ولم يتم نشره يقول:» أول حل في ترتيب البيت الخليجي سبق وأن طرحته كافة الفعاليات السياسية والاقتصادية في المنطقة هو إشاعة جو الديمقراطية السياسية التوأم الطبيعي للديمقراطية الاقتصادية وحرية السوق، وتهيئة الأجواء الملائمة للمجالس الشعبية المنتخبة وصولا إلى البرلمان الخليجي الموحد، ومثل هذا الحل الذي يبدو للبعض أبعد من نجوم السماء يبدو في الواقع ممكنا وقريبا من التحقيق لو أطلقت الحرية السياسية لأبناء الخليج كي يقولوا كلمتهم في استفتاء شعبي حر، ويبدو هذا المطلب طبيعيا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة».
وطوال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من العام 1992 وهما الشهران اللذان تكثف خلالهما التحرك على التوقيع على العريضة النخبوية وسبقا لقاء وفد لجنة العريضة النخبوية مع الأمير، واصل أحمد الشملان سلسلة مقالاته المتعلقة بمسألة الديمقراطية في الصحافة المحلية والخليجية. كتب مقالا بعنوان «ديمقراطية ثقافية أم ثقافة ديمقراطية؟»، ورد فيه: «موضوع الديمقراطية يسبب مغصا وآلاما شديدة في الأمعاء! لأنه يدخل في المنطقة المحرمة التي لا يحتملها السقف المعين للحوار وعلى الأغلب تصب محابر المفكرين الرسميين وشبه الرسميين في اتجاه النخبة التي من الممكن السماح لها بالتكلم في الديمقراطية باعتبارها مشروعا غربيا يدخل الحضارة الإسلامية والعربية مع حملات الغزو التبشيري والاستعماري مما يضع مسألة البحث في الديمقراطية في خانة العصيان للولاء».
وفي مقال بعنوان «عشية القمة الخليجية» كتب:» إن شعوب الخليج قد وصلت إلى المرحلة التي تستطيع فيها أن تفهم أهمية تدخلها في القرار السياسي كشعوب لا كأفراد منتقين أو معينين ليقولوا ما يقال لهم».
وكتب مقالا بعنوان «القمة الخليجية والقاعدة» جاء فيه: «لا شك أن أكثر دولة خليجية استفادت من التجارب هي دولة الكويت، فتجربتها الديمقراطية تأسست على الإرادة الشعبية الحرة. وكان حريا بالدول الخليجية أن تحذو حذو الكويت في هذا المضمار... والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان هي أن الشعوب في الخليج استفادت من تجاربها، ولذلك طرحت وبهدوء وتعقل مسألة المشاركة الشعبية عن طريق الانتخابات الحرة والمجالس المنتخبة، وفي بعضها طرحت قضية العودة إلى الدستور وعودة المجالس المنتخبة».
وفي مقال بعنوان «القمة أبعد من المحليات» كتب: «إن المطالب الجوهرية التي ترفعها شعوب المنطقة إلى قادتها بوصفهم جادين في بناء وحدة إقليمية متماسكة تتركز أساسا على إحداث إصلاحات مؤسساتية دستورية ديمقراطية داخل بلدان الخليج».
العدد 2722 - الأربعاء 17 فبراير 2010م الموافق 03 ربيع الاول 1431هـ