العدد 2719 - الإثنين 15 فبراير 2010م الموافق 01 ربيع الاول 1431هـ

واحدٌ وثلاثون حَولا على الثورة... إيران وعجل السّامري

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بلغت الثورة في إيران عامها الحادي والثلاثين. هذا العام بدا مختلفا. غاية الأمر في أن يكون هذا العام مختلفا هو استدارة كاملة للثورة نحو مسار جديد غير ما استكَنَت عليه أعوامها الثلاثين المنصرفة. في السياسة والاقتصاد وأشكال القوة الناعمة والصلبة. والأكثر هو تحوّل شبكة المصالح الداخلية القائمة من التمدّد العمودي إلى التمدّد الأفقي.

ما يهم من حديث حول الثورة في عامها الحادي والثلاثين، هو محوران رئيسيان. الأول عن الداخل الذي شغلته أحداث ما بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد ضد كلّ من مير حسين موسوي، مهدي كروبي ومحسن رضائي. والثاني حول علاقة إيران بمحيطها القريب وبالحزام الجغرافي الشمالي حيث الجمهوريات الآسيوية (المستقلة).

البداية من الداخل وخاتمة الحديث عن العلاقة بالإقليم المجاور. بالطبع. قِيْل ما قيل حول ما جرى. لكن الأكيد أن سقيمه كان أزيد من صحيحه. فإيران الثورة باتت حروفها تُلفظ جيدا حينما تُقرأ معكوسة. ونصوصها تُفهَم عندما تُدرَس من خارج سياقاتها المباشرة. وربما في أحيان كثيرة، يُظهِر الصدى ما كان يخفيه الفعل ذاته.

فيما خصّ الانتخابات، فإن الثالوث (خاتمي، كروبي وموسوي) ما كان ليأخذ ما أخذ من حظوة في المعارضة لو لم تكن زاوية خلاف المحافظين مائلة على نفسها. فتيار الإصلاحيين قَضَمَته الانتخابات البلدية في العام 2003، والتشريعية في 2004، والرئاسية في 2005، والتشريعية مرة أخرى في 2008 ولم يستطع أن يُحرّك جادّة واحدة في طهران.

سترة النجاة بالنسبة له كانت خلاف الآخرين (ممن يحكمون) مع ذواتهم. فالمحافظين وجدوا أنفسهم على ثلاث شُعَب. واحدة في بأسمال الرّفسنجانية وفضائها، وأخرى داخل فرو اللاريجانية وغموضها، وثالثة لدى النّجادية ويعقوبيتها الفاقعة، والتي استأسدت على الجميع، فأصبح منطق الخصومة (من الجميع) يفرض استحصال ما أمكن من الأوراق ضدها.

لا يتصورنّ خاتمي بأنه كتروتسكي في صراعه مع ستالين على معركة الإجماع ضد الخارج. ولا يظنّن موسوي أنه كليو تشاوشي، ولا كروبي على أنه كدينغ سياو بينغ في صراعهما مع الماوية إبّان الثورة الثقافية. فما كان لدى أولئك يفوق ما لدى هؤلاء، إذا ما احتُسِبت ظروف الزمن وقوّة الايدلوجيا.

هم يُدركون، أنه وحين تلتقي شُعَب المحافظين الثلاث، فإن ريحهم ذاهبة، كما ذهبت في أحداث يوليو من العام 1999، بل الأكثر أنهم قد يُغازلون التيار المضاد، ويجنحون إليه ضد مريديهم كما جرى لخاتمي في حقبته الثانية من الرئاسة 2001 - 2005، والتي دفعت أنصاره للهِتاف ضده في جامعة طهران «كفانا كذبا يا خاتمي»!.

لكن، لا يختلف أحد على أن ما جرى في إيران بعد الانتخابات، هو أشبه ما يكون بفتنة «عجل السّامري». فظروف التحوّل في المصالح والمراتب والأولويات، جعلت الجو مشحونا بالتفسيرات والتفسيرات المضادة. وأيها أفيد من الآخر لبلد يُكابد ظروفا دولية صعبة.

هذا ما خصّ الداخل. أما على ضفاف الإقليم فيبدو أن المشهد متناصف بين ما يُقِيت وما يُمِيت. في العراق يتربّع على الحكم فيه حلفاء إيران. الطالباني رَجُلُهُم في البطن الكردي. الحكيم، المالكي، الجعفري والصدر، كلّهم ظلال لهم في الجسم الشيعي. الشيخ خالد الملا والعشائري حميد الهايس رجالاتهم في المُكوّن السُّنّي.

بل حتى داخل المسيحيين العراقيين أصبح لهم نفوذ يربطهم بالثقل الأشوري الكلداني الأرمني في إيران، وعند الشّبك كذلك، والصابئة أيضا، والذين خصّهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي بفتوى دينية شرّعت أصولهم الدينية. هذا فضلا عن الجماعات الصوفية التي (كانت) ومازالت تعتبر الأراضي الإيرانية مركزا لنشاطها، ليس آخرها أصحاب الطريقة العليّة القادرية الكسنزانية.

في أفغانستان ليس الأمر مختلفا. فكريم خليلي (الهزاري) حليف إيران القوي في أفغانستان هو اليوم النائب الثاني للرئيس كارازاي. قيادات الشمال السابقة كمحمد قاسم فهيم ويونس قانوني والحليفة لطهران بقوة، مازالت تلعب دورا في مراكز الدولة وهوامشها. والأكثر من ذلك أن الإيرانيين، أصبحوا ممسكين بأهم ملف داخل أفغانستان وهو العقيدة القتالية لقوى الأمن الأفغانية.

كما أنها تمدّدت دينيا وثقافيا في الداخل الأفغاني من كابل وحتى مزار الشريف بطريقة لافتة. وقد أعلِن في طهران مؤخرا عن تدشين قناة فضائية تربط الناطقين بالفارسية، وتجمع بين إيران وأفغانستان وطاجيكستان، في تكريس سياسي للقومية الفارسية ضمن هذه الجغرافيا الحسّاسة.

ضمن الحزام الشمالي لإيران (حيث جمهوريات آسيا الوسطى) الذي يُعتبر المجال الحيوي الجديد لإيران ما بعد اتفاقيتي 1921 و1940، خاضت (وتخوض) إيران صراع نفوذ متعاظم مع روسيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة وأوروبا، وبالخصوص في المجالين الاستخباراتي والثقافي. ولأنه كذلك، فقد كان ميزان الربح والخسارة متبدلا حسب مديات الصراع.

مع تركمانستان فقد رسّخت طهران علاقاتها مع هذا البلد بعد تدشين أنبوب الغاز (30.5 كم) الرابط بين دولت آباد بجنوب شرق تركمانستان بمصفاة خانجيران في إيران، ليضغ ما بين 6 – 12 مليار متر مكعب سنويا، ومُكمّلا للأنبوب القديم الذي يمر عبره 8 مليارات متر مكعب سنويا، مفضّلة غاز هذا البلد على غاز آذربيجان رغم الضغوط الروسية الساعية لإفشال خطّ نابوكو.

ومع طاجيكستان التي تتماهى معها في اللغة والقومية، ضَمِن الإيرانيون مروحة تجارية جيدة حتى في حال فرض عقوبات عليهم، ودعما سياسيا لبرنامجهم النووي (راجع تصريحات الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف). فدوشنبة مستفيدة من علاقاتها مع طهران في تطوير الأخيرة لمحطات كهرومائية، وغازية وكذلك في المجالين الزراعي والثقافي.

ومع آذربيجان، فإن العلاقات معها ليست بالمستوى الذي يضمن لطهران جيرة مستقرة، لكنها بدت أهدأ بعد تسوية الخلاف (التاريخي) التركي الأرميني، بعدما كان الاصطفاف قائما بين دعم الإيرانيين لأرمينيا في قبال آذربيجان، ودعم تركيا للأخيرة ضد أرمينيا بسبب إقليم كاراباغ. كذلك فَتَحَ توقيع باكو وطهران لبروتوكول «تجنب الازدواج الضريبي بحق الأرباح والامتلاك وإزالة التملص من دفع الضرائب» في مارس الماضي الباب مفتوحا أمام تجارة أكثر نشاطا.

مع كازاخستان التي تتشارك معها في حدود بحرية، ليست العلاقات متقدمة كذلك بسبب الخلاف حول بحر قزوين. فالتبادل التجاري لا يزيد على ثلاثة مليارات دولار. لكنه قد يتضاعف أكثر بعد الانتهاء من خطّ سكّة الحديد بين إيران وكازاخستان وتركمانستان. كما أن هناك بروتوكولا بين البلدين في مجال تنظيم الملاحة البحرية والسياحة، وعقد توأمة بين مينائي أميرآباد وأنزلي الإيرانيين وأوكتاو الكازاخستاني. (وللحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2719 - الإثنين 15 فبراير 2010م الموافق 01 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:37 ص

      ولكن؟؟؟؟

      ولكن ايها الكاتب العزيز هناك فئه تنخر في جسم ايران كالسوس وهم الاهوازيين الذين يتكلمون في الفضاءيات .....هناك استفسارات عن مطالبهم ولو تتكرم وتوضح مالهم وما عليهم وهل صحيح ان ايران مستعمره لمنطقتهم ومظطهدين ؟؟؟؟

    • زائر 2 | 12:10 ص

      لم يختلفوا يوما!!

      إن صح الذي تقول عن امتدادهم , فإنه إن دل على شيء فإنه يدل على ذكاء متميز , بدل الخمول والتقوقع على الذات أو كما يقول مالك بن نبي القابلية للإستعمار كما يحدث في عالمنا العربي , حيث عطل حكامنا عقولنا , بينما هم اليوم يحترمهم العالم لحفاظهم على مبادئهم وتطورهم التكنلوجي والعسكري وحتى النووي . وكفاك هراء عن اختلافهم , فإنما هم يدا واحدة , ومثل ما نقول " لعبوها زين " والدليل على ذلك تداول السلطة بين الإصلاحيين والمحافطين .

    • زائر 1 | 10:38 م

      تعليق

      مقال جيد
      شكرا للكاتب

اقرأ ايضاً