هو دائما هكذا... عبد الله الخان...
يحرضني على موضوعات جديدة يراها في أراشيفه القديمة التي وسعت كلّ شيء. قال لي مرّة «كلّ شيء في بالك له صور في أرشيفي». اختبرت ذلك مرات وكان يكسب ويفوز. قد يقترح مشروعين لموضوعين مختلفين في اليوم الواحد، ويتمنى لو يُنجزان في لمحة عين. كنت أسأله دائما: لماذا كلّ هذه العجلة؟ فيقول: «حسين.. أنا في سباق مع الزمن ولستُ مثلك... أنا أحارب الزمن كلّ يوم وأخشى أن يصرعني وفي بالي مشاريع كثيرة لم تتحقق بعد». ينتهى من هذه الجملة فيعمّ الصمت فترة. لا أظنني أفهم حربه تلك كما يفهمها. في البدء كان مشروع آخر. وضعنا ملفات الصور كلّها على الطاولة وخلال أسبوع واحد تمّ اختيار الصور من أكثر من عشرة (10) ملفات. وحين البدء الفعلي في المشروع قال:
- عندي مشروع آخر لن يحتاج وقتا طويلا لكي تنجزه، لدي ملفات صور المجلسين التأسيسي والوطني بالأسود والأبيض... ما رأيك؟
- وهذا المشروع؟
- نؤجله، نجعله المشروع الثالث، ما رأيك؟
- دعنا نرى الصور... خذنا إلى الصور.
الصور بالأسود والأبيض وحدها مغرية، لا يملّ الناظر فيها. إنّها فعلا تستحق أن توضع في كتاب يليق بها. اتفقنا على المشروع الجديد وتأجيل الآخر على الرغم من أهميته الفنيّة. ونحن نقلب الصور قال وفي باله تجربة برلمان العام 2002:
- ليس في المجلس الوطني (برلمان 1973) طائفية. كان جميع النواب فيه باختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم وطنيين فقط ولا شيء غير ذلك... حسين... نريد أن نقول ذلك في هذا الكتاب.
- طيب.. دعنا نختبر ما تقوله بالنظر في التجربة.
على الرغم من أنّها كانت حربه مع الزمن وليست حربي، إلاّ أنّ شيئا منها نالني. ألستُ قريبا من الحرب؟ ظننتُ أنّ المشروع لن يحتاج إلاّ شهورا معدودات.
- متى تنتهي من الكتاب؟ متى نأخذه إلى المطبعة؟
- أظنّ أن فبراير/ شباط موعد جيد، ما رأيك؟
أخرج ورقة بيضاء كتب فيها تعهدا على لساني بتسليم الكتاب في فبراير وطلب مني باسما أن أوقع عليها ففعلت. لكن التعهد لم يصمد، ولم أكسب الحرب. وجدت أنّه لا يمكن فهم ما في الصور حتى أتمكّن من التجربتين بتفاصيلهما، وأن أبدأ أولا بالبحث عن مضابط المجلسين. كان الأمر في البداية غير مطمئن، فالبرلماينيون هنا، أكثرهم لا يهتمون بالأراشيف. بدأت أبحث عن مضابط المجلسين في أراشيف ما بقي من النواب حتى وجدتها لكن ليس لدى النواب. بعدها رحت أستكمل شيئين: ما حذف من هذه المضابط، وهو أمر مغرٍ بالنسبة لي، والحياة داخل المجلسين وشكل تواصلهما مع الناس. ولا يمكن استكمال ذلك إلا بالبحث في أراشيف الدوريات التي تصدر آنذاك، وباللقاءات الفردية مع جماعة من النواب، والعاملين في سكرتارية المجلسين أو المعاصرين. فعلت ذلك بعد أن أنهيت قراءة مضابط الجلستين وصار عندي الكثير من الأسئلة، استراتيجيات الخطاب لدى أكثر النواب فعالية وحضورا، ومعاجمهم اللفظية، كيف يتشكل حوار طويل جدا على كلمة واحدة؟ كيف يحاور الرئيس النواب؟ متى يستخدم مطرقته؟ مَنْ يأتي وحده، ومَنْ يصدر في خطابه عن جماعته التي ينتمي إليها؟ كيف تأكدت اتجاهات الكتل الثلاث: الشعب، الوسط، والكتلة الدينية؟ ما المشروع الذي اتحدوا فيه؟ هل تأخذهم صراعاتهم إلى إظهار اتجاهاتهم والاستناد إليها؟ هل في صور عبد الله الخان ما يعين على فهم الحركة في المجلسين؟ كيف تتشكل السيرة البرلمانية عند عدد من النواب؟ أسئلة كثيرة تتجاوز نيّة شكل الكتاب، وتغلب على هدفه البصري. عرفت أن المدّة المتفق عليها لإنجاز الكتاب لن تصمد، وأن الهدف الذي من أجله تمّ تأجيل المشروع الآخر وهْم. عبدالله الخان، كلما زرته في مكتبه يفتح ملف المشروع الجديد ويريني التعهد من بعيد ويضحك.
بدأت أول ممارسة ديمقراطية شارك فيها الناس في البحرين العام لانتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي (تأسس العام )، وتعيين النصف الآخر ليصبح العدد الكلي عضوا، يرأسهم الشيخ عبد الله بن عيسى آل خليفة. وفي مارس/ آذار أصدر الحاكم المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة إعلان رقم () بإنشاء المجلس الإداري مهمته تنسيق الجهاز الحكومي، تسهيل أعماله، والتواصل مع الجمهور، وتنفيذ أوامر حاكم البلاد. وبعد استقلال البحرين العام ، تمّ تكليف الخبير الدستوري المصري الدكتور عثمان خليل عثمان لوضع مسوّدة لدستور البحرين يساعده أربعة وزراء. وبعد الانتهاء من المسوّدة صدر عن المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في يونيو/ حزيران مرسوم بقانون () لسنة بتأسيس مجلس تأسيسي وطني مهمته إقرار دستور للبلاد.
تألف المجلس التأسيسي من عضوا منتخبا، وثمانية () أعضاء معينين، و () عضوا (وزيرا) بحكم مناصبهم في الحكومة. أنهى المجلس إقرار الدستور في ستة أشهر وتمّ التصديق عليه في ديسمبر/ كانون الثاني متضمنا إنشاء مجلس وطني (برلمان) وآليات انتخابه.
وفي ديسمبر تمّ انتخاب المجلس الوطني الذي عرف لاحقا بـ «برلمان »، وتألف من () عضوا منتخبا، و () وزيرا هم أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم في الحكومة. وكان من المفترض أن يستمر المجلس مدّة أربع سنوات لكن ذلك لم يحدث، فقد حُلّ المجلس في عام على خلفية قانون تدابير أمن الدولة الذي أقرّ في العام .
الذين التقيتهم من النواب على اختلاف اتجاهاتهم أكدّوا وطنية كافة الأعضاء ولم يكن هناك شيء عنوانه «الطائفية». يقول الدكتور علي فخرو «ما كانت القضايا التي تطرح طائفية. كان هناك حسّ وطني عالٍ جدا. لم أشعر قطّ بوجود نفس طائفي في مناقشة القضايا. تجد الليبرالي يناصر رجل الدين في قضايا هي في الأصل دينية». مضابط المجلس الوطني التي بين يدي أكّدت ذلك أيضا.
في العام تمّ إنشاء مجلس للشورى ما زال دوره التشاوري مستمرا إلى يومنا هذا. وبعد مجيء صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة (تولى الحكم في مارس )، صدر ميثاق العمل الوطني في فبراير ، وبلغت نسبة الموافقة عليه في المئة. هذا الميثاق أقرّ نظاما ديمقراطيا جديدا في البلاد يقضي بوجود مجلسين: مجلس للشورى معين، ومجلس آخر ينتخبه الشعب. كما صدر مرسوم بقانون رقم () لسنة بإلغاء قانون تدابير أمن الدولة.
كان العام حافلا بتعيين مجلس للشورى، ودعوة الناس لانتخاب مجلس نيابي (برلمان )، وانتخابات بلدية في البلاد كلها. وبعد انتهاء الفترة المحددة للمجلسين أجريت انتخابات جديدة في العام لانتخاب مجلسين: الأول نيابي، والثاني بلدي، تطور فيهما كلّ شيء حتى شروط دخول المصورين الفوتوغرافيين.
كنت أسأل عبدالله الخان عن تجربته في تصوير المجلسين: التأسيسي والوطني، فقال «لا صعوبات بالمرّة، وبدون بطاقات دخول خاصة، حتى خلال انعقاد الجلسات أدخل ألتقط ما أشاء من الصور وأخرج. كان الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة الرجل الثاني في وزارة الإعلام آنذاك يطلب منّي قائلا: عبد الله اذهب وصور انتخابات المجلس الوطني. هكذا بكل يسر».
حسين المحروس
المنامة، يناير/ كانون الثاني 2010
التقط المصور الفوتوغرافي القدير عبد الله محمد الخان المولود في المحرق العام 1936 جميع صور هذا الكتاب في الأعوام 1972، 1973، 1974 و 1975 في المنامة، المحرق، ومدينة عيسى بالأسود والأبيض، مستخدما في ذلك ثلاث كاميرات: (Rolliflex 2 1/4 so) ،(Pentax 5x7 cm) و(Widelux Panorama) وأفلام (B&W 11 ILford FP3 125 ASA) موثقا بذلك أهم حدثين في السبعينيات من تاريخ البحرين بعد الاستقلال وهما: المجلس التأسيسي، والمجلس الوطني (برلمان 1973) وذلك في خمس (5) جولات غير الجلسات الافتتاحية، نتج عنها أكثر من (800) صورة.
بدأ الروائي والمصور الفوتوغرافي حسين عيسى المحروس المولود في المنامة العام 1964 إعداد هذا الكتاب في أكتوبر 2008 وانتهى منه في يناير 2010 معتمدا في ذلك على قراءة كافة المضابط الأصلية للمجلسين التأسيسي والوطني وأراشيف بعض الدويات: (صدى الأسبوع)، (المواقف)، وصحيفة (الأضواء)، وصحف كويتية ولقاءات شخصية فردية مع عدد من نواب المجلسين، والعاملين في السكرتارية، ومديري الحملات الانتخابية، والمعاصرين لهذين الحدثين الاستثنائيين.
كان لابدّ من تأسيس مكتب وظيفته التحضير لانتخابات المجلس التأسيسي، فانتُدبتُ أنا جاسم عبد الرحيم الحمراني - تخرجت في جامعة بغداد، أدب إنجليزي - من وزارة الإعلام، وشخص يدعى عبد الله الخباز من وزارة المالية. كان المكتب في بلدية المنامة في الجهة المقابلة لفندق دلمون. كنا نعمل حتى الصباح أحيانا، يساعدنا أكثر موظفي البلدية بإشراف الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة الذي يترأس البلدية والتخطيط آنذاك. يجتمع بنا كلّ يوم والعمل لا ينتهى. آلات طابعة يدوية، وآلات طباعة «استانسل» يدوية أيضا، نغادر المكتب وآثار الحبر في ثيابنا كلّ يوم. في هذه الفترة جاءنا شخص يدعى مساعد الزياني، حيوي، منظم، ومتعاون، ونظرا لكفاءته صار الزياني يرأس هذا المكتب. لكنه شره في التدخين لا يطفئ سيجارته إلا عند النوم ليلا فقط. لا يوضع في مكان إلاّ نظّمه.
كانت مهمة المكتب حصر الناخبين، التأكد من بياناتهم، إعداد قوائم الناخبين، توزيع الدوائر الانتخابية، وإصدار كافة الأوراق والبطاقات الرسمية المتعلقة بعملية الانتخابات.
استمر عمل المكتب ستة أشهر تقريبا ولم يتوقف عمله إلاّ بعد أن صدرت نتائج الانتخابات. بعدها صرت أعمل في المجلسين التأسيسي والوطني.
من لقاء خاص مع جاسم عبد الرحيم الحمراني - سبتمبر/ أيلول 2008
مادة من فصل بعنوان (مفردات) في القسم الخاص بالمجلس التأسيسي معززة بالصور بشكل قصصي تجعل القارئ وكأنه يراها للتوّ تحدث أمامه.
قرأ أمين السر المادة (1) البند (هـ): للمواطنين الحق في المشاركة في الشؤون العامة، وا
العدد 2719 - الإثنين 15 فبراير 2010م الموافق 01 ربيع الاول 1431هـ
اه يا زمن لا ...
هذا هو البرلمان الذي يمثل الشعب لا مجنسين لا سلفيين لا وهابيين لا اخوان مسلمين -- هناك كتلة وطنية فيها الشيعي والسني تقف مع امصالح الشعب ...
الى زائر 3
من اليمين المرحوم الشيخ عبدالامير الجمري والوسط المرحوم الشيخ عباس الريس من الدراز ثم القائد الشيخ عيسى قاسم حفظه الله اللهم اطل عمره ومتعنا ابصارنا بالنظر اليه
ما لحقنا على هالخير
من الي جاب هاليموقراطية
ممكن أحد يقول لينه من اللي في الوسط
اللي أعرف أن الشخ الجمري رحمه الله الأول من اليمين والثالث هو الشيخ عيسى قاسم حفظه الله ولكن اللي في الوسط ما أعرفه ممكن أحد يوضح لينه؟؟
وين برلمان 73
الله ايام زمان صدق كانت حلوه حتى الدستور البحريني كان جدأ ممتاز طبق اصل الدستور الكويتي الحالي الله يرحم ايام زمان .. يا وزارة الداخلية القبضة الامنية ما تنفع الحين احنا حاليا في عصر التكنالوجية والمعلومات والشفافية وعدم انتهاك حقوق الانسان ومطالبنا مطالب شعبية ..
الى زائر واحد وغيره
نعم هو الجمري رحمه الله
الله يرحم برلمان أول..
مو كأنه المرحوم الشيخ الجمري في الصورة أيام الشباب؟؟