على هذه المنصة بمقر الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، جلس الإثنين الماضي جو ستورك بجوار عبدالله الدرازي والمحامي الأميركي جوشوا، حيث أطلقت منظمة «هيومان رايتس ووتش» تقريرها الصادم عن عودة التعذيب للبحرين. وجلس أمس ثلاثة من الأمانة العامة بالجمعية، لإعلان موقفها، والإجابة على أسئلة الصحافيين، فيما جلس الدرازي مع الجمهور، وحين بدأت الأسئلة تُصوّب نحوه انتقل إلى جوار رفاقه بالمنصة.

في الجلسة السابقة غصّت القاعة بالإعلاميين ومندوبي وكالات الأنباء، وممثلي سفارات أربع دول كبرى تربطها ببلدنا علاقاتٌ وثيقة. أما أمس فاقتصر الحضور على عدد من الصحافيين المحليين، فالتقرير الذي أثار اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية (120 وسيلة إعلامية أجنبية تناولته عشية إطلاقه بما فيها صحف أميركية كبرى). وكان من شأنه أن يمر بهدوء نسبي بعد أن حاولت «الخارجية» استيعابه، رغم ضعف دفوعات «الداخلية» وطريقة تعاطيها السلبي مع الحدث.

تصريح الدرازي الذي أشار فيه إلى بعض النقاط الإيجابية لدى وزارة الداخلية، أثار الكثير من الاعتراضات والانتقادات، وخصوصا من أهالي المعتقلين وضحايا التعذيب في السنوات الأخيرة. وربما تسرّعَ الرجل في موقفه، وخصوصا أن حبر التقرير لم يجف بعد، وهو ما يفسّر موجة الاعتراض الشديدة داخل الجمعية أو خارجها، والتي نزلت لغتها أحيانا إلى درجةٍ من الإسفاف.

لقد أحسنت الجمعية التصرف باجتماعها العاجل في اليوم نفسه؛ لوضع النقاط على الحروف، فالعمل الحقوقي المؤسسي فوق الأسماء والشخوص. وأحسن الدرازي صنعا بإعلانه تحمّل مسئولية تصريحه، بل وإصراره على تقديم استقالته، عن قناعة تامة وإيمان. فمن يطالب بالشفافية وتطبيق القانون عليه أن يكون أمينا لهذه المبادئ عندما يصل الأمر إلى دائرته ويقع في خطأ بهذا الحجم، حتى وإن كان غير مقصود، أو لسوء تقديرٍ في الحساب.

أكثر الأسئلة أمس، دارت حول الضغوط التي تعرّض لها الدرازي في موقفه الذي حاولت الداخلية تجييره لصالحها، وكانت إجاباته واضحة ومباشرة، فقد نفى بشدةٍ تعرّضه لأية ضغوط أو إغراءات. وفي تقديري انه ربما حاول تجنيب الجمعية ككيان حقوقي له ثقله، أية ضغوط تفوق طاقتها، بعدما بدا في الأفق حجم الغضب من خلال الافتتاحيات والمقالات التي أعقبت إطلاق التقرير، وحتى في التوجه أو التوجيه العام لتجاهله أو التشكيك فيه.

محاولة الفهم لا تعني طبعا القبول بما جاء في تصريح الدرازي، حتى هو في حديثه أمس نأى بنفسه عن التصريح، ليعلن التزامه بموقف الجمعية الرسمي الذي نُشر الجمعة، فلا خروج لشخصيةٍ حقوقيةٍ مخلصةٍ في قامة الدرازي عن الثوابت، ولا تنازل عن المعايير التي تحتاجها الحركة الحقوقية المستقلة في البحرين.

الجمعية البحرينية رقمٌ حقوقيٌ صعبٌ لا يمكن تجازوه، حتى لو تم إنشاء عشر جمعيات «غونغو» تُكلَّف بمشاغبة الحقوقيين الحقيقيين، وتكلِّف الكثير من المال العام. وهي جمعيةٌ مستقلةٌ باتت ضرورة وحاجة للساحة، ترفدها أسماء ذات خبرة وتاريخ وطني كالنجّار وكمال الدين والغايب والخميري وغيرهم. والدرازي حمل عبء العمل الحقوقي الوطني في فترةٍ حرجةٍ زاد فيها استهداف الحقوقيين المستقلين بكل الطرق. واستطاع أن يحفر طريقه في الصخر ويمد جسورا من الثقة مع مختلف الأطراف.

قد يخطئ الشاطر، وقد يكبو الفارس الماهر، لكن الشجاعة في تحمل تبعة الخطأ والعودة إلى السكة... والالتزام بشرف الدفاع عن حقوق الإنسان