العدد 2718 - السبت 13 فبراير 2010م الموافق 29 صفر 1431هـ

تعقيب على «قراءات في كتاب أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (2 - 2)

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

حيال ذلك ورغم أني أكره جدا الادعاء، ولست شغوفة بحب البروز على الإطلاق، وحيث هو قال إنه لم يطّلع إلا نادرا على سير ذاتية لم يتحول صاحبها إلى ملاك وقديس، أقول له بكل ما أملك من ثقة بالنفس وبالصوت الرفيع أن السيرة التي وضعتها هي من ذلك النادر.

لقد كان همي وهاجسي منذ عزمت على هذا العمل الكبير أن لا أجعل من أحمد الشملان ملاكا أو قديسا، بل إن ثقتي تصل إلى حد القول إن هذه السيرة مع غيرها قليل على الصعيد العربي تؤصل لتوجه السبر الشفاف والمنصف.

«سيرة الشملان بعيون محبيه»: هذا هو العنوان الذي انتقل إليه عبدالله جناحي وتحته يذكر بأن: «من تم تسجيل شهاداتهم هم محبو الشملان وعبر قلم حبيبته وزوجته ورفيقة دربه، وفي مثل هذه الحالة من الطبيعي أن تكشف الشهادات المحطات المضيئة في حياة الشملان. ومن الطبيعي أن يتردد الكثيرون ممن كانوا يعارضون منهج وأسلوب حياة الشملان، سواء رجالات الحكم والأمن والاستخبارات أو الشخصيات التي تعارضت أساليب حياتهم ونمط تفكيرهم عن الشملان من إبراز ما يعتقدونه خطأ أو سلبيا لدى الشملان».

وهنا ليسمح لي عبدالله جناحي أن أخالفه الرأي في ذلك تماما، فبقراءة متأنية للسيرة بإمكانه أن يُحصي الشهادات التي وردت ضد الشملان وجاء بعضها قاسيا جدا. وأوضح بأنه إلى جانب محبي أحمد الشملان وهم كثيرون جدا فقد لجأتُ للعديدين ممن خالفوه الرأي واختلفوا معه واحتكوا به بل وهاجموه ومثلها هاجمهم من مجموعتي الجبهة الشعبية وجبهة التحرير، كما التقيتُ مع من اعتبروه منافسا لهم ولمكانة هم يرونها لأنفسهم في الميدان النضالي. ليس ذلك فحسب بل لقد كنت أؤكد على من أقابلهم ضرورة التطرق لجوانب سلبية رأوها في الشملان وأطرح أسئلة بهذا الصدد، وعليه فقد طُرحت الكثير من الشهادات التي لم تكن لصالح الشملان أو في صفه والتي لم يتردد أصحابها في طرحها وهم يلمسون أريحية وتشجيعا من جانبي في تقبل شهاداتهم. وهل أكثر من أن يقال عن الشملان أنه تحريفي وأنه يخرق القواعد التنظيمية وأنه يفتقد أحيانا المرونة وأنه يتمسك برأيه؟ أو أن يقال أنه انجر وراء الدينيين وأنهم استغلوه أو استغلوا اسمه؟ وغيرها وغيرها كثير.

وهنا بودّي أن أوضح أنه لم يكن على أجندتي أن أقابل لا رجال الحكم ولا رجال الأمن أو الاستخبارات ولا الشخصيات العابرة التي تعارضت أساليب حياتها ونمط تفكيرها مع ما كان عليه الشملان. لقد كان همي الأساس هو الالتقاء مع الشخصيات التي تقاطعت معه في سيرته الحياتية والنضالية سواء تلك التي كانت في صفه أو ضده في دروب العمل النضالي وليس في دروب الأجهزة القمعية.

أما عن قلم زوجة الشملان الذي يرى عبدالله جناحي أنه لن يكتب سوى المضيء والإيجابي، فقد كتب هذا القلم تاريخ الشملان في شموله واتساعه، في جوانبه المضيئة وجوانبه المظلمة، في لحظات ضعفه ولحظات قوته. وقد كان بإمكان هذا القلم أن يتجاهل حدثا هنا أو يعتم على موقف هناك، لكني وكما ورد في خاتمة الكتاب لم أتطلع شخصيا لإنجاز سيرة ينتقص من قيمتها التاريخية والتوثيقية منحى المدح والثناء والتلميع من جانب وإخفاء أو تجاهل بعض الحقائق من جانب آخر.

لم يكن التطرق لجوانب سلبية أو نواقص في السيرة ليمس بسوء جوهر الدور التاريخي المتلألئ في ضمير وذاكرة الناس الذي طرز به الشملان مسيرة النضال الوطني البحريني على مدى نصف قرن من الزمن، لذا أحسب أنه حريٌ بهذا الكتاب أن ينال الإنصاف في هذا الجانب بالذات.

وفيما يتعلق بالمحطة الإنسانية تحدث عبدالله جناحي عن مشاعر أحمد الشملان الفياضة نحو الحبيبة، وقد عجبت كيف استشهد بمثال عن الحبيبة التي أحبها أحمد الشملان أربع سنوات ولم يأتِ على ذكر الحبيبة التي أحبها أربعين سنة؟!

وفي قراءته حول «محطات التحولات الفكرية والسياسية» التي مر بها أحمد الشملان تحدث عبدالله جناحي عن موقف الشملان من الكفاح المسلح والبؤر الثورية المسلحة كأحد أسباب مغادرته لصفوف الحركة الثورية والجبهة الشعبية، فقال إن الكثيرين في صفوف اليسار الماركسي كان لهم موقف من تلك الأمور لكنهم لم يتحولوا للشيوعية التي تقودها موسكو.

وفي الوقت الذي أوافقه الرأي حول تبعية جبهة التحرير للخط السوفيتي، وتلك حقيقة كانت قائمة، إلا أني أسأله من ملك الشجاعة على الصعيد البحريني والخليجي لإعلان موقفه غير الشملان؟

وأضيف أن أحمد الشملان المتعطش للنضال قد وجد في البرنامج السياسي لجبهة التحرير الوطني البحرانية - بغض النظر عن تبعيتها للخط السوفياتي - ما يلائم متطلبات رؤيته للنضال السياسي على صعيد الوطن/ البحرين في تلك المرحلة. ويذكر عبدالله جناحي أنه لم يزل مترددا من حسم مسألة التحول الذي جرى في حياة أحمد الشملان السياسية وانتقاله من الشعبية للتحرير، معتقدا أن هناك أسبابا أخرى لدى الشملان، وهنا أشاطره الرأي بوجود أسباب أخرى على رأسها أن الشملان لمس وجود تيار قوي في القيادة لديه توجه ليس لتضييق خناق النقد عليه فحسب بل ولتهميشه وإقصائه مما يقف حاجزا أمام ما كان يتطلع لتحقيقه من دور نضالي.

أما إن كان عبدالله جناحي يرى أسبابا أخرى غير ما ورد بالكتاب، فقولي هو: حسنٌ... لتكشف الوثائق للباحثين وتُستكمل الشهادات.

في الصدد ذاته أثمن رؤية عبدالله جناحي بأن انتقال الكادر والأفراد من حزب لآخر مسألة طبيعية، بل وضرورية في بعض الأحيان، وأوافق ربطه ذلك بمستوى الفكر الديمقراطي الذي يحوزه الإنسان. من جانب آخر أوافق حديثه أيضا حول موقف الشملان المبدئي من التحالفات مع الإسلاميين وحزمه فيما يتعلق بموقفه المبدئي. وقد ضرب مثلا على ذلك مستشهدا بحزم الشملان مع رفاقه في التيار الوطني الديمقراطي حول هذه المسألة، وحبذا لو استشهد أيضا بحزم الشملان المبدئي مع الإسلاميين في رفضه للمبادرة حين شعر بشيء من الانحراف عن الخط الوطني الجامع الذي مثلته لجنة العريضة الشعبية وقام عليه تحالف التسعينيات.

حول بعض الجوانب في ورقة حسن مدن:

- يقول حسن مدن إن تعدد الشهادات وتنوعها أوصل السرد إلى مستوى أقرب إلى الموضوعية باعتبار أن الشهادات جاءت مكملة لبعضها، وقد كان ذلك هدفي فعلا أن تكمِّل الشهادات بعضها.

وفعلا جاءت بعض الشهادات متعارضة كما ذكر حسن مدن مما منح أوجها متعددة للحقيقة أو منح روايات مختلفة للواقعة الواحدة. وأحسب أن ذلك حقق هدفي الأساس الذي أشرت له في الخاتمة وهو حرصي على التقيد بالأمانة التوثيقية من جهة بالإضافة لحرصي على إتاحة المجال للقارئ كي يبلور رأيه وتقييمه الخاصين حول السيرة الذاتية - النضالية لأحمد الشملان.

- ذكّرني عنوان: «كتاب عن الألم» أوردته قراءة حسن مدن بتعليق شخص قرأ الكتاب ورقا قبل طباعته وكنت حريصة على أن أعرف منه الجوانب السلبية في المادة التي كتبت وتوقعت أن يذكر جوانب أخرى لأفاجأ به يقول: أهم سلبية في الكتاب أنه موجع جدا نكأ جراحا كثيرة وسيفعل ذلك في قلوب كل من سيقرأه ممن عانى وعايش تجارب النضال المريرة.

بدوري أقول إن هناك مواقف وأحداث في السيرة لو قرأتها شخصيا مئات المرات فلن تتوقف الدموع عن خريرها في كل مرة

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 2718 - السبت 13 فبراير 2010م الموافق 29 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:55 م

      شكراً ألف للإنسان

      ليست سيرة مناضل فقط
      بل هي سيرة الإنسان بداخلنا
      سيرة تحمل ملامحنا ، وتؤكدها على مر الأيام
      شكراً ل المطر فوزية
      وشكراً ألف للإنسان أحمد الشملان

اقرأ ايضاً