يجمع كل من شاهد فيلما سينمائيا، في السينما أو على شاشات التلفاز أو من خلال أي وسيط يعرض من خلاله عمل مصور، أن أي فيلم هو عمل متكامل فقدانه لأي جزء منه يضعف من جودته، ويفسد تأثيره وتفاعل الجمهور مع أحداثه. غير أن الأفلام الأجنبية المدبلجة التي باتت تعرض حديثا بعدد كبير على الشاشات العربية، تحاول أن تناقض هذه الفكرة، وأن تفرض نفسها كانموذج جديد لنقل أعمال غربية إلى المشاهد العربي.
فلم يعد موضوع الدبلجة اليوم يقتصر على المسلسلات أو أفلام الكارتون، فحتى الأفلام العالمية الأجنبية، وعلى رأسها أفلام هوليوود، باتت على قائمة الأعمال المتحدثة باللغة العربية، بل وصل الأمر بها الأمر إلى نقل حوار الفيلم لأن يكون بلهجات عربية، كلهجة أهل بلاد الشام، أو باللهجة المصرية، وأخيرا بخليط من اللهجات الخليجية.
وإن كانت المسلسلات التركية أو المكسيكية، رفضت وهوجمت من قبل المتابعين، لتحفظ البعض على نصوصها، والقيم والأفكار التي تحملها، فإن أفلاما مميزة حازت جوائز عالمية وهناك شبه إجماع على جودة إنتاجها وتكامل نصها وتفرده، تتعرض اليوم لاستنكارات وتعليقات والمطالبة بإيقاف عرض ما هو على شاكلتها، لا لخلل حقيقي فيها، بل لتغير نص الحوار، الذي بات يصفه الكثيرون بالسطحي والمصطنع والرديء.
وأول ما ينتقد في هذه الظاهرة التي بدأت تتزايد أخيرا على شاشات الفضائيات العربية، أنها تضر بتفاعل المشاهد مع العمل، وتحرمه من الاستمتاع بالنص الأصلي للفيلم، الذي تضيع ملامحه وجودته بالنقل من لغة إلى لغة أخرى، ومن ثم لهجة معينة.
كما تعزو هذه الفئة استنكاراتها للأفلام الغربية الهندية منها والأميركية بشكل رئيسي، إلى أنها تسيء إلى المشاهد الذي بات يجيد الانتقاء، ويعرف أن أمامه بحرا كبيرا من الخيارات التي تجعله ببساطة يرفض النص المشوه، بالإضافة إلى ذلك هناك إساءة لمنتجي وممثلي هذا العمل، الذي قدم بتقنيات وأداء عال، وصرفت عليه الكثير من الأموال والوقت والجهد، لكنه ضاع من خلال أصوات لا تستطيع تقمص الدور بشكل مناسب، لا لقلة خبرتها، أو لضعف أدائها، بل لاختلاف الخلفية الثقافية لكل ممثل، وتميز كل لغة من هذه اللغات بصفاتها وتعبيراتها التي لا يمكن ترجمتها بشكل دقيق.
في مقابل المستنكرين، نجد أن هناك من يرى في هذه الطريقة للعرض وجوها إيجابية أيضا، فهي بالدرجة الأولى تقدم جديدا للمشاهد، وتواكب العصر، وتتيح له متابعة تصوير الفيلم بشكل أكثر تركيزا، بعد أن كانت عيناه تنتقلان ما بين الصورة والترجمة في أسفل الشاشة، كما أن الكثير من الأعمال، وخصوصا الكارتونية من إنتاج «ديزني» حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، خلال عرضها لسنوات، على رغم أنها مدبلجة للهجة المصرية. بالإضافة إلى أن الكثير من هذه الأفلام سبق وأن تمت دبلجتها للغات أخرى كالإسبانية والإيطالية والفرنسية وغيرها من اللغات، وهي إلى حدٍ ما تلقى رواجا لدى متابعيها من الجنسيات الأخرى.
ويرى محبو الأفلام المدبلجة أن تدرب المؤدين للأصوات لفترة طويلة، والتدقيق والحرص على خلق المؤثرات الطبيعية المحيطة بالمشهد، تساعد الكثير من هذه الأعمال على تحقيق نجاحات وقبول لدى المشاهد، ولعل من أبرز الأعمال الكارتونية التي حققت نجاحا بعد دبلجتها للعربية فيلم «حكاية لعبة»، وعدد كبير من برامج «ديزني».
وإن كانت ظاهرة الدبلجة (موضة) هذه الأيام، وآخر صيحة في عالم الترفيه على شاشات الفضائيات العربية، فإن نجاحها مازال مشروطا برفع مستوى الاتقان والاحتراف فيها، وخصوصا فيما يخص الأفلام العادية التي لا تقتصر فيها المؤثرات الصوتية على صوت الممثل - كما هو الحال مع دبلجة أفلام الكارتون التي سجلت أساسا في استوديوهات - بل على خلق جو كامل للفيلم.
العدد 2717 - الجمعة 12 فبراير 2010م الموافق 28 صفر 1431هـ
ملاحظة مع التحية
مرحبا يارا
ظننت عند قراءة عنوانك أنني سأقف على موقفك من هذه "الموضة" لكنك اكتفيت بعرض وجهتي النظر المتناقضتين. وللأسف يفتقد النص إلى العمق والأمثلة التي تدعم وجهتي النظر
نصيحتي لك، وأنا أستاذك ومتابع لنصوصك، أن تبحثي جيدا قبل الكتابة وأن تكتبي نصك بعد قراءات واطلاع. إحساسي دائما أن تتعاملين مع الكتابة بشيء من السطحية والبساطة وكأنك اكتفيت من الكتابة بما يقف عند المستوى الأول. أرى أنك تهتمين بالصورة، وللكتابة في الصورة لا بد من الوقوف على ثقافتها ودلالاتها وأبعادها.
حظا موفقا