العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ

أبناء الذوات والعنف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في السابق كان يُقال بأن الحركات الإسلامية تقتات في إدامها على جيفة الفقر. تستقطب الكَسَبَة والمُعدمين. وتُساهم شعاراتها «المطلقة» و»المُختزلة» و»البسيطة» و»المُتخيلَة» في ضمّ ما يجب وما يُستحبّ ضمه في البشر. فهم في النهاية لا يتوقون إلاّ في ازدراء ما هم عليه من حال، انتقاما من عدو فضفاض.

لكن، وحين ينتقل الاستقطاب نحو أصحاب الذوات، وأبناء الطبقة الراقية من الانتلجنسيا (بحسب وصف مانهايم) فإن المرء ليُحَار في استيعاب ذلك. التساؤل المطروح اليوم: كيف يُمكن للخطاب الديماغوجي والمتطرف لتنظيم كالقاعدة أن يستهوي مثل هؤلاء، فيزدان بهم ويُتاجر.

قبل شهر اعتُقِل في نيويورك المواطنان الأميركيان أديس ميدونيانين وزاسرين أحمدزاي، وقبلهما نجيب الله زازي من كولورادو. وجميعهم متّهمون بمحاولة مهاجمة قطارات في الولايات المتحدة. قبل ذلك بشهر اعتُقِل أيضا خمسة أميركيين مسلمين من فرجينيا، بعد أن سجّلوا وصية وهم يستعدّون لتنفيذ عمليات اعتداء.

نستذكر هنا أيضا ديفيد هيدلي المتورّط في هجمات مومباي قبل عامين، وبريانت ن. فيناس من ولاية نيويورك، والذي تلقّى تدريبا في الأراضي الأفغانية، ودانيال ب. بويد من نورث كارولينا ضمن خلية «السبعة». وطبقا للتقارير فإن 192 أميركيا غادروا الولايات المتحدة إلى اليمن والصومال بغرض الجهاد.

بالتأكيد لا يُمكن نسيان الصّور التي وزّعها الجيش الأميركي بُعيد هجومه على أفغانستان عقب أحداث سبتمبر، حين اعتقل المواطن الأميركي جون ووكر من داخل قلعة غانجي، ولاحقا ظاهرة آدم غادن.

نحن هناك لا نتحدث عن أشخاص أميين، أو شباب من أسر مُشرّدة، وأبناؤها في الملاجئ، والمصحّات النفسية. هم أشخاص متعلّمون في أرقى المعاهد والجامعات الأميركية. ولديهم استقرار عائلي ونفسي متماسك. ولا يعانون من محيط اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي مأزوم، إذ إن بعضهم ينتسبون لأسَر عالقة في التجارة حتى شحمة الأذن.

ما يهم من أجل إدارك تلك الظاهرة هو الرؤية عبر المجهر. ثم القدرة على ربط الحاضر بالتاريخ. والأحداث الفرعية بأخرى أصليّة. فما يُلاحظ اليوم هو ليس وليد اللحظة. هو أمر مُركّب، ومعقّد، وله جذور تمتد إلى مرحلة الأربعينيات من القرن المنصرف، عندما تورّط الغرب (العلماني) في مشروع ديني بأسمال سياسية وهو إنشاء دولة الكيان الصهيوني.

فبعد أن هاجمت الثورة المزدوجة في أوروبا الكهنوت الديني، فقضت على الكنائس والأديرة من نابولي بإيطاليا وحتى نيكاراغوا في أميركا اللاتينية واستولت على الدين، ومقيسته على ظروف أوروبا الجديدة، عادت وتورّطت في مشروع يهودي في منطقة، تعتبر مهد الأديان الإبراهيمية المُوحّدة.

لقد صاغ المشروع الصهيوني السياسات الغربية تجاه المنطقة. وأصبح بمثابة البندول الوازن لها طيلة نصف قرن. كان ذلك يعني استفزازا للأجواء الدينية في الإقليم، واستنباتا لعناصر محاكية للثقافة التاريخية لشعوب المنطقة. كان ذلك تراكما بطيئا لكنه متماسك.

لقد ولّد ذلك بروز ظواهر دينية مختلفة. ففي روما حيث البابوية أبدت الكنيسة هناك التزاما مختلفا بالكاثوليك. وفي موسكو وأثينا وبلغراد ظهر اهتمام آخر بالأرثوذكسية. بل حتى معابد الهندوسية في الشرق تفتّقت فيها الروح، وظهر الدالاي لاما ماردا في الصين الشيوعية. ثم عُمِّدَ ذلك كله بانتصار الثورة الإسلامية في إيران بداية العام 1979.

ما لم يُدركه الغرب هو المدى الذي يُمكن للدين أن يلعبه على المسرح الدولي. صحيح أنه يبدأ ذاتيا لدى الأفراد، لكنه لا ينمو إلاّ إذا تصاهر مع المجموع البشري الزاخر، والذي يمتلك القدرة اللامتناهية في جعل الأشياء وكأنها نتف لا يصلها ببعضها البعض ضوء، ولا يربطها خيط، لكنها بعكس ذلك، وهو ما يُمكن الحديث عنه باستفاضة لاحقا. (وللحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:49 م

      بهلول

      في السابق كان يُقال بأن الحركات الإسلامية تقتات في إدامها على جيفة الفقر. تستقطب الكَسَبَة والمُعدمين. وتُساهم شعاراتها «المطلقة» و»المُختزلة» و»البسيطة» و»المُتخيلَة» في ضمّ ما يجب وما يُستحبّ ضمه في البشر. فهم في النهاية لا يتوقون إلاّ في ازدراء ما هم عليه من حال، انتقاما من عدو فضفاض.
      حسب معلوماتي فإن أكثر من كان يقتات على الفقراء و الكسبة ( يا عمال العالم اتحدوا ) والشعارات المتخيلة و المختزلة هي الحركات اليسارية و بالذات الماركسية.

اقرأ ايضاً