العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ

المقال الصحافي والوطن اللعين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأمسية الأخيرة من ملتقى الطيّب صالح، خُصّصت الجلسة الأخيرة لمناقشة تجربته في كتابة المقال الصحافي، تحدث فيها مسئول «الشرق الأوسط» بالمغرب العربي طلحة جبريل، وعلّق عليها الكاتب البحريني حسن مدن.

قبل ذلك تحدّث آخرون عن جوانب أخرى من شخصية الطيب الغنية، وعقّب في إحداها رئيس تحرير صحيفة «السوداني» بقوله إن روايات الطيب تمثل السودان بإيجابياته وسلبياته، بتسامحه ونزاعاته. وأشار إلى تأثره بسورة «الرعد» لما فيها من جوٍ وإيقاع، فهو لا يبدأ رواية إلا بعد قراءتها.

جبريل أشار إلى أن الطيّب كان قارئا نهما للكتب، فليس غريبا على كاتبٍ نهل من التراث الإسلامي نهلا، أن ينعكس ذلك على قاموسه اللغوي، وأن يصنع منه كاتب مقال مُجيد. وروى قصة كتابته في مجلة «المجلة»، حيث كان البحث جاريا عن كاتب له قامة تملأ الصفحة الأخيرة، على أن يكون موسوعيا، ومحاربا ومقبولا عربيا، وهي المواصفات التي توفرت في الطيّب وحده. وهكذا جرتِ المفاوضات لإقناعه بكتابة مقال أسبوعي منتظم، استمر عشر سنوات، وتم جمعه لاحقا في عشر كتب، تنوعت بين أدبٍ ونقدٍ وخواطر و»أعلام» وشعراء... فالكاتب لا ينبغي أن يحكم على نفسه بالإعدام بالكتابة فقط عن السياسة العربية القاتلة.

مدن الذي أضرّت السياسة بتعاطيه الأدب، عقّب على ورقة جبريل، وأشار إلى أن الطيب نقل مهاراته السردية إلى تجربته الجديدة في المقال، الذي يعتبر جنسا إبداعيا شأنه شأن القصة والرواية. وأثنى على اختيار جبريل للمقال الشهير «من أين جاء هؤلاء الناس»؟، الذي سيبقى في ذاكرة السودانيين جيلا بعد جيل.

المقال ينتقد الحكم الحالي في السودان، فيتساءل: «هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس في ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟». ويواصل طرح الأسئلة القاتلة: «مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات؟ أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب؟ أما قرأوا شعر العباس والمجذوب؟ أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة؟ ألا يحبّون الوطن كما نحبّه؟ إذا لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه؟»

وهو يجلس بين قومٍ أحرار في بلدٍ حرٍّ (بريطانيا)، ويقض مضاجعه أن يكون منتميا إلى أمةٍ مقهورةٍ ودولةٍ تافهة. وينظر للإنجليز يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء، ولو كان أمثالهم عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق بدعوى قلب الأنظمة! ويتساءل: «هل حرائر النساء (السودانيات) ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم؟ ويختم ساخرا: «من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل مَن هؤلاء الناس»؟

عندما قرأت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» قبل عشرين عاما، لم يخالجني شكٌ أنه يتكلم عن تجربته الشخصية وما شابها من مغامرات في بلاد الإنجليز، مع أنه ظلّ يحاول أن يبعد «التهمة» عنه. وهو يعترف أن الإسلاميين يعتبرونه ماجنا، بينما يعتبره المعربدون متدينا!

كان يتكلم دائما عن «الوطن الحبيب اللعين»، الذي حلم به وطنا للتسامح والعيش المشترك الذي تعلو فيه قيمة الإنسان. ولما عاد إلى بلاده لم يكن يملك غير الجواز الأخضر الذي رفض استبداله بجواز بريطانيا العظمى. وكانت آخر أحلامه أن يحصل على قبرٍ صغيرٍ دافئ في أحضان الوطن اللعين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:28 م

      طيب و صالح

      هذه المشكلة انه طيب و صالح !!!
      يعنى نفس مشكلتنا !!

    • زائر 6 | 4:16 م

      وطني الحبيب

      وطني ليس لعين لكنه مخروب
      تقول طلعت له ساحرة و لعنته بهيك ناس
      يمر العمر و في القلب حسرة و مرارة و لوعة كل شيء له قيمة في هذا الوطن يقهر و يدفن و يهمش البحر، الآثار، الارضي الزراعية، العيون، المواطن الاصيل.. في النهاية ماذا سيبقى من وطني لأحفادي بل ماذا سيبقى لاولادي او حتى لي.. آه يا وطني

    • زائر 5 | 9:38 ص

      حتى في السودان؟

      يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الامن والناس في ذعر؟ وعن ضلاح الاحوال والبلد خراب؟

    • زائر 4 | 9:36 ص

      الحال واحدة

      كما قال الطيب السوداني: من اين جاء هؤلاء؟ ألا يحبون الوطن كما نحبه؟ فعلاً إنها أسئلة في الصميم.

    • زائر 3 | 1:13 ص

      الغربة في الوطن

      الطيب صالح او غيرة هم يتكلمون بلسان الحال نفس الهموم نفس المصائب نفس الانفراد بالسلطة نفس العقليات نفس الوجوه هي هي في كل الدول العربية الاستهانة بالمواطن في كل شي وعندما يعترض فهو عميل اومدسوس او انه يكره وطنه..........

    • زائر 2 | 11:36 م

      الى متى

      ان الوضع الذي نعيشه في هذا البلد لن يحقق لا الحلم في وطن للتسامح والعيش المشترك كما حلم الطيب صالح بل ولن نحصل على قبر صغير دافىء وعندما نموت فسوف نموت حسرة على وطن وهب بدون مقابل للاجانب والمجنسين

اقرأ ايضاً