في إحدى زياراتي لبريطانيا لفت انتباهي منظر البيئة النظيفة في تلك المملكة فهي بيئة نظيفة جميلة تخلب الأنظار وتسحر النفوس، وأثناء تطوافي بين تلك المدن شعرت بالفارق الكبير بين مدننا وقرانا التي تكاد تخلو من لمسة جمالية ساحرة، فبيئتنا التي نقطنها تفتقد إلى النظافة، فضلا عن عناصر الجمال والطبيعة وأنا لست بصدد عقد مقارنة بين أوروبا ودولنا، ونحن ندرك حجم التطور في تلك الدول ليس على صعيد البيئة فقط وإنما شمل جميع المجالات.
المقارنة هنا تكون غير منصفة ولعله من المفارقات الواضحة ما شاهدته خلال زيارتي تلك، حيث مررت على حي يقطنه الإخوة العرب بشارع «ادجورد» ببلدية ويستمنستر في وسط لندن، فهالني ذلك الواقع المزري، حيث النفايات تتطاير في هذا الشارع والعلب متناثرة في واجهة المحلات والمباني، وبعيدا عن عقد المقارنات بين مدننا ومدنهم فإن الزائر يكتشف الفارق الكبير منذ الوهلة الأولى ويتضح له التمايز بين الثقافتين.
في موقف آخر حدث لي في البحرين حينما كنت في جولة مع العائلة قاصدا أحد المجمعات وإذا بأحد الأبناء يفتح نافذة السيارة ويقذف أوراق المنديل في الشارع ولما سألته ماذا تفعل أجابني بكل ثقة إنه يقوم برمي بعض المناديل الورقية وقد عاتبته على السلوك اللا حضاري، وعلى فعلته الشنيعة، فنصحته بأن لا يفعل ذلك ثانية فقال لي: هل أنا الوحيد الذي يعمل ذلك؟، فصرت أفكر كيف أمنع هذه التصرفات التي تخدش الحياء في بلاد المسلمين وديننا يحثنا على النظافة، وهنا تبادر إلى ذهني سؤال محير: ترى أين يكمن الخلل في عدم الاهتمام ببيئتنا؟
وهذا ما اضطرني إلى كتابة هذا المقال لعل وعسى أن أقوم بدور بسيط يخدم المجتمع، وكذلك بدأت أفكر لكي أصل إلى إجابة شافية عن السؤال السابق.
أنا أعرف مسبقا بأن النظافة من الإيمان وديننا يحثنا على ذلك، عموما توصلت إلى إجابة مبدئية بعد مزيد من التفكير والتمحيص أن الخلل يكمن في ثقافتنا البيئية فيما يخص الأسرة والمدرسة وخطباء المساجد والمنابر الحسينية والمجالس البلدية والتنفيذية وبشكل خاص ثقافة الدولة.
لذا فإن أول ما ينبغي علينا فعله هو غرس القيم الحضارية في نفوس الأطفال وهذا يعتمد على الدور الذي تقوم به الأسرة في المرتبة الأولى ثم المدرسة في المرتبة الثانية.
فالأب والأم مطالبان بتعليم الأبناء سلوك وطرق التخلص من القمامة كما يقومان بتعليمهم وحثهم على أن يضعوا فضلات الأطعمة والأوراق والعلب الفارغة في الأماكن المخصصة لها.
كما يجب على المعلم أن يلعب دورا كبيرا في تثقيف طلبته وحثهم على الاهتمام بالبيئة ولو بسلوك بسيط عند زيارته للصف كأن يقوم مثلا بجمع بعض الأوراق المتناثرة في الصف ورميها في سلة المهملات ليكسب طلابه سلوكا حضاريا وكذلك بتعويدهم وحثهم على تنظيف الصف وساحة المدرسة والمرافق المدرسية الأخرى.
مما لا شك فيه أن البيئة النظيفة هي مرآة للمجتمع وكما يقال «النظافة حضارة».
من هذا المنطلق يجب علينا أن نهبّ لحماية بيئتنا من التلوث بشتى أنواعه، كما نود أن نهمس في أذن كل سائق سيارة بوضع كيس قمامة بسيارته وتعويد أبنائه على وضع المخلفات فيها لكي لا يتعودوا على قذف المناديل والأوراق من نوافذ السيارات في الشوارع العامة.
ونطالب العلماء وخطباء المساجد والمآتم أيضا للعب دور كبير في ترسيخ الوعي الحقيقي بالبيئة، حيث يمثلون القدوة الحسنة ولهم تأثيرهم البالغ في نفوس المستمعين ودورهم له صدى قوي على المجتمع، ونحن نطالبهم بذلك لأن هذا من صميم عملهم تجاه مجتمعهم وأنهم من المفترض عليهم توعية الناس بتعاليم الدين وذلك بغرس القيم والأخلاق المتمثلة في نظافة وحماية البيئة التي يعيشون فيها، ولو بتكريس خمس دقائق في بداية كل مجلس عزاء أو خطبة الجمعة.
كما أن الأندية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة معنية بالإسهام في ترسيخ هذه الثقافة عبر حزمة من البرامج والأنشطة التي تهتم بالنظافة.
ولا ننسى أيضا دور المجالس البلدية والبلديات في هذا المقام، حيث يقع على عاتقها دور كبير جدا في الاهتمام بالبيئة وذلك بمتابعة نظافة القرى والشوارع ومحاسبة المقصرين من شركات النظافة ولا تجدي نفعا المجاملات والمصالح في هذا المجال. وعليها الاهتمام بجمال البيئة من خلال غرس الأشجار والنباتات وزيادة الرقعة الخضراء التي تعطي جمالا طبيعيا للبيئة بالإضافة إلى أنها مفيدة لامتصاص الغازات السامة ومن ثم تحسن الجو وتلطيفه.
ولا ننسى أخيرا الحكومة بجهودها الفاعلة، حيث تعتبر هي المسئولة في تحريك كل مؤسسات المجتمع متمثلة في الهيئة العامة لحماية البيئة والحياة الفطرية التي تنص لائحتها على حزمة من قوانين ما أروعها، ويا ليت تطبق على الواقع وأنا على يقين بأنها لن تقصر في ظل توجهاتها الجديدة وإنما نطالبها بتكريس أنشطتها بشكل أقوى وأجدى عن طريق وضع برامج واستراتيجيات وخطط ذكية لتنفيذ نظافة البيئة وذلك بوضع ملصقات تحث على النظافة في كل المدن والقرى وليس التركيز على الشوارع العامة فقط، كما انه من الضروري أن تتابع وتولي أمور البيئة باهتمام كبير وذلك بتنفيذ قوانين الشرطة البيئية - ولها فروع كثيرة التي تتولى المخالفات الخاصة بالمركبات وبالصيد الجائر وبالشوارع العامة وبالصرف الصحي وبالورش والمصانع... الخ - وتحذر كل من يعبث بالبيئة بتطبيق جزاءات صارمة، بالإضافة إلى كل ذلك تكون مشرفة وتكرس جهودها بشكل أكبر على البرامج الإذاعية والتلفزيونية والمقالات الصحافية التي تهتم بنظافة البيئة.
وقبل أن أختم فيجب أن يعرف الجميع، بيئة سليمة نظيفة... تعني حياة آمنة رغيدة... بيئة نظيفة تعني النقاء والعذوبة و الجمال... بيئة نظيفة تعني النفس الطيبة والهادئة. فهل لنا بعد هذا كله من صحوة بيئية؟
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ