على حين غرة، صدر مرسوم إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي خطوة مهمة للغاية ستساعد في تثبيت العود الحقوقي في العجلة الديمقراطية في البلاد بالتزامن مع الاحتفاء بالذكرى العاشرة لتولي جلالة الملك مقاليد السلطة.
إن مرسوم إنشاء المؤسسة مبادرة حيوية وشجاعة ويجب أن تقابل بالترحيب وليس التشكيك، خصوصاَ وأنه لطالما كررت الجهات الرسمية بأن تشكيل المؤسسة سيكون متوافقا ومبادئ باريس (أطر ومعالم تضمن استقلالية هيئات حقوق الإنسان)، وذلك يعني بأن تكون مواصفات المؤسسة المقبلة لا تشوبها ثغرات جوهرية، ولن يتحقق ذلك إلا عبر التزامها بالمعايير الدولية المعرفة.
من المهم أن يكون للجميع في المملكة - السلطة التشريعية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والنشطاء الحقوقيين - دور فاعل في مراقبة عمل هذه المؤسسة التي تعنيهم جميعا حتى تشكل المؤسسة الحقوقية البحرينية نموذجا إيجابيا على مستوى المنطقة التي تعاني من تردي حقوقي مستمر بسبب إرهاصات الماضي، وتردد الأنظمة السياسية في تعزيز الحريات العامة ومنح جرعات أكبر للمشاركة الشعبية وتثبيت أطر المحاسبة.
بعد عشرة أعوام من ولادة المشروع الإصلاحي، جاءت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ولكي تكتسب هذه المؤسسة ثقتها وصدقيتها في الشارع ومؤسسات المجتمع المدني ، وحتى يمكنها أن تظهر وجها حقوقيا مستنيرا للبحرين في المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان فلا بد للمؤسسة أن تكون مبنية على مجموعة من القواعد المهمة.
وغني عن البيان بأن الشخصية التي ستتولى رئاسة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، يجب أن تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، نظرا لأن موقع الرئاسة هو واجهة المؤسسة، لذلك فنحن بحاجة لشخصية توافقية له تجربة سابقة في المضمار الحقوقي (لا يكون من المغضوب عليهم لا من السلطة ولا من الشارع) لإلباس المؤسسة حلة الصدقية والثقة منذ البداية.
وبعبارة أخرى، لا يصح أن تكون رئاسة هذه المؤسسة أو أعضاؤها من الأوراق المحروقة، والتي ليس لها عمق شعبي، حتى نضمن أن تحوز المؤسسة ثقة الناس واحترامهم.
إن نجاح المرحلة الأولى من عمر المؤسسة هي التي من خلالها فقط سيتم الحكم على أدائها مستقبلا، ولكون المؤسسة لن تنشأ في فراغ، فمن الضروري أن تتناسب أولويات مؤسسة حقوق الإنسان مع طبيعة الواقع الحقوقي البحريني على ضوء التحديات المختلفة التي يجب أن تتصدى لها من دون تردد، وعشر أولويات مهمة تنتظر المؤسسة الوليدة:
أولا: «العدالة الانتقالية»، من أجل العبور بالواقع الحقوقي في البحرين نحو المستقبل سيكون أمام المؤسسة الحقوقية الوطنية تحدٍّ بارز يتمثل في معالجة ملف شائك وهو آثار الحقبة السابقة، بحكمة وواقعية وهناك ثمة جهد محلي كبير طيلة السنوات الماضية على هذا الصعيد من المناسب أن يؤخذ في الحسبان لتسهيل مهمة المؤسسة على هذا الصعيد.
لا أحد سيطالب مؤسسة حقوق الإنسان أن تنكأ جراح الماضي، لأننا وطن يتسامى على الجراحات، ولكن في الوقت ذاته على هذه المؤسسة أن تتحلى بالجرأة لإنجاز ما هو متعارف عليه دوليا بملف « العدالة الانتقالية»، وذلك لا يتأتى إلا عبر الجرأة في تجاوز ملف الحقبة السابقة بكل تحدياتها استرشادا بالتجارب المتميزة ومن أهمها التجربة المغربية المشابهة للبحرين في الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
ثانيا: إن كون البحرين دولة عضوة في مجلس حقوق الإنسان، فإن ذلك يضاعف من استحقاقاتها في المجال الحقوقي، خصوصا وأن المملكة قد صادقت على عشرات الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والخطوة المقبلة وحتى تدخل تلك الاتفاقيات حيز التنفيذ فإن المطلوب هو مواءمة التشريعات الوطنية مع الاستحقاقات الدولية.
إن الكثير من المراسيم والتشريعات المعمول بها قد أقرت في حقبة ما قبل التجربة السياسية الحالية، لذلك فإن من البديهي أن الكثير منها كان مصمما على حقبة سياسية مختلفة تماما. كما أن بعض القوانين التي أقرت في حقبة الإصلاح هي الأخرى لا تلتزم بالمعايير الدولية كقوانين الصحافة والنشر والجمعيات الأهلية والتجمعات ومكافحة الإرهاب.
ثالثا: ينتظر من مؤسسة حقوق الإنسان أن تضطلع بدور ريادي في تجذير الثقافة الحقوقية من خلال التربية على حقوق الإنسان في مناهج التعليم بالمدارس في مراحل التعليم المختلفة، وتربية الأجيال الصاعدة على ثقافة المراقبة والمحاسبة والمساءلة والتعددية وحرية الاختيار.
رابعا: لزاما سيكون على الهيئة النظر في كل الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وسيكون من بينها تأهيل المنتسبين للأجهزة الأمنية وأجهزة التحقيق والمساءلة في السلك الأمني وفي النيابة العامة على الالتزام بالقانون وعدم تجاوز صلاحياتهم، وكذلك التأكد من مطابقة دور الرعاية والتأهيل (السجون) مع الاشتراطات الحقوقية المهمة، وسيتطلب ذلك تعزيز ثقافة المساءلة في حال تجاوز أي من السلطات أو الأفراد الدور المقرر لهم دستوريا.
خامسا: إن نظرة المجتمع الدولي لحقوق الإنسان أكثر شمولية وعمقا من تصور حصر هذا الحق في الحرية السياسية، لأن حقوق الإنسان تعني أساسا مفهوم تمتع جميع الأفراد بقدر متساوٍ من الحقوق في الخدمات العامة، وفي مقدمتها الحق في السكن الملائم والعمل الكريم والرعاية الصحية، والحق في العيش في بيئة لها مقوماتها الطبيعية والثقافية والتاريخية، وهو ما يطلق عليه حاليا «حق الموئل»، وإذا طبقنا هذا الحق على البحرين فنجد أن غالبية البحرينيين قد تم انتهاك حقوقهم من خلال حرمانهم من التمتع بالبيئة الطبيعية والسواحل العامة.
ومن البديهي التوقع أن تقوم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بدور بارز في مناهضة أية حالات تمييز تطال أي من فئات المجتمع لأسباب دينية أو مذهبية أو عرقية أو جذرية، ولأي مسببات واعتبارات أخرى تنال من جوهر الحقوق والحريات، لأن ملف التمييز لا يزال يشكل تحديا كبيرا أمام تطور المناخ الاجتماعي والديمقراطي في البحرين.
سادسا: لقد خطت البحرين خطوات متقدمة في تمكين المرأة عبر منحها الحق الدستوري في الترشح والانتخاب من دون اللجوء إلى استغلال شعار تمكين المرأة دوليا للتغطية على ثغرات حقوقية أخرى، كما أن من المهم تعزيز جهد المجتمع الأهلي في هذا الإطار عبر تعزيز مفهوم مساواة المرأة في التوظيف وسوق العمل.
سابعا: المرجو أيضا من مؤسسة حقوق الإنسان أن تعمل على تكوين شبكة محلية واسعة للربط والتنسيق بين كل الجهات ذات الصلة بالمشهد الحقوقي في البحرين، وفي مقدمتها المؤسسات الحقوقية - ونعني تلك التي أثبت جديتها ومهنيتها - وكذلك مؤسسات المجتمع المدني المختلفة لتشكيل تحالف بحريني حقوقي واسع مؤهل لأن يكون قوة إيجابية في دعم الحراك الحقوقي المحلي.
ثامنا: مؤسسة حقوق الإنسان ستكون الواجهة الرسمية للبحرين في الخارج، لذلك فإن المطلوب منها تكريس الشراكة مع المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان، وذلك لرفع كفاءة الكوادر الحقوقية المحلية من جهة، وللتواصل مع تلك المؤسسات التي لديها سمعتها الدولية ولها وقعا مؤثرا في المشهد الحقوقي والإعلامي الدولي وتسهيل عملية زيارة نشطائها إلى البحرين، ولا بد من التحاور معها بشأن ملاحظاتها وتوصياتها التي تصدرها في تقاريرها المتوزعة على مدار العام.
تاسعا: الشق المهم كذلك في عمل هيئة حقوق الإنسان هو تنفيذ الالتزامات التي قطعتها البحرين خلال خضوعها للمراجعة الدولية الشاملة لسجلها الحقوقي في جنيف فضلا عن تنفيذ التعهدات التطوعية الأخرى والتي في حال تم تنفيذها بالصدق والسرعة الزمنية المطلوبة ستكون إضافة نوعية لسجل البحرين الحقوقي. وسيكون من المهم أيضا أن تصدر المؤسسة تقريرا حقوقيا سنويا عن مدى التقدم أو التراجع في المؤشرات الحقوقية البحرينية.
عاشرا: ليس معلوما على نحو واضح إن كان رأي مؤسسة حقوق الإنسان ملزما للسلطات، وهذا هو المأمول قطعا، أم أن دورها سينحصر في كونها جهة استشارية تبدي رأيها وللآخرين الاختيار في أن يأخذوا به وألا يأخذوه، وهذا يعني أن دور المؤسسة سيكون ثانويا ومهمشا، وهو ما لا نرجوه.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أمامها فرصة مؤاتية لأن تكون نبتة جميلة ويافعة في التجربة السياسية البحرينية إذا ما تلاقت في تشكيلها وأطرها ونشاطها مع تطلعات الناس هنا، وعبر هذا الطريق فقط ستكون المؤسسة المقبلة صمام أمان لحماية المشهد الحقوقي في البحرين!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2714 - الثلثاء 09 فبراير 2010م الموافق 25 صفر 1431هـ
يجب ان يكون أمينآ
يجب ان يكون المسئول عن الهيئة رجل امين وحريص على المصلحة العامة وليس ماديآ أو انتهازيآ أو لابسآ لبوس المعارضة المزيف في السابق .