أشارت النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة الأوكرانية عن فوز رئيس حزب «الأقاليم» فيكتور يانوكوفيتش بغالبية 48 في المئة مقابل منافسته رئيسة الوزراء تيموتشينكو التي حصلت على 46 في المئة.
نسبة الفارق ضئيلة ولكنها كافية للدلالة على وجود متغيرات في مزاج الناخب بعد انطلاق «الثورة البرتقالية» التي انفجرت أعقاب انتخابات الرئاسة في العام 2004 وأجبرت يانوكوفيتش الموالي للروس عن التراجع وإعلان فوز خصمه الموالي للغرب فيكتور يوتشينكو.
احتمال تراجع يانوكوفيتش للمرة الثانية تبدو صعبة بعد أن هددت منافسته باللجوء إلى الشارع وإعادة إحياء «الثورة البرتقالية» وذلك لأسباب كثيرة منها ظهور تعديلات في خريطة التوازن الدولي في منطقة القوقاز لمصلحة موسكو إثر هزيمة جورجيا في الحرب التي بادرت إليها في أغسطس/ آب 2008.
روسيا نجحت منذ العام 2008 في تسجيل نقاط لمصلحتها بعد أن خاضت سلسلة معارك جزئية لوقف الهجوم السياسي الذي باشرته الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الابن. فالرئيس الأميركي السابق فتح ضد الكرملين مجموعة جبهات دفعة واحدة بدءا من الإعلان عن تدشين «الدرع الصاروخي» في بولندا وتشيخيا. والإعلان عن دعم استقلال إقليم «الجبل الأسود» عن صربيا، مرورا بفتح معركة أوكرانيا التي تشارك موسكو وأنقرة في تقاسم البحر الأسود، وانتهاء بدعم جورجيا في حربها للسيطرة على مناطق إستراتيجية في القوقاز تشرف على خطوط أنابيب النفط التي تربط باكو (أذربيجان) بميناء جيان التركي.
بين 2004 و2008 تراجع النفوذ الروسي في مجالها الحيوي واضطرت موسكو للتخلي عن الكثير من المواقع في حديقتها الجغرافية الخلفية حتى تتجنب مواجهة عنيفة قررت إدارة بوش خوضها في أوروبا الشرقية وبحر قزوين ومرتفعات القوقاز. إلا أن انتصار روسيا في حربها على جورجيا واضطرار أوروبا للتدخل وترتيب مخرج دبلوماسي للأزمة أعطى فرصة سياسية لموسكو بتنظيم هجوم معاكس أثمر في عهد الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما.
الرئيس الديمقراطي قرر منذ البداية إعادة قراءة خريطة الأزمة مع روسيا انطلاقا من رؤية إستراتيجية مخالفة تطمح نحو تخفيف الاحتقان الناجم عن مخاوف الكرملين بشأن «الدرع الصاروخي» ودخول الأسطول الحربي إلى مياه البحر الأسود.
إعادة هيكلة الإستراتيجية الأميركية في أوروبا الشرقية أرسلت إشارات تطمين لموسكو التي أخذت رويدا تستعيد مواقع نفوذها التقليدية في منطقة إستراتيجية تشكل تهديدا عسكريا لأمنها القومي ومحيطها الإقليمي.
أوكرانيا تعتبر جغرافيا حجر أساس في توازن القوة في دائرة القوقاز الممتدة صعودا إلى روسيا وغربا نحو أوروبا الشرقية التي تمر فيها أنابيب الغاز باتجاه دول غرب أوروبا.
ولهذا يرجح ألا يتراجع يانوكوفيتش عن فوزه في الانتخابات الرئاسية كما حصل في العام 2004 حتى لو تحرك الشارع ورفع رايات «الثورة البرتقالية» وذلك لاعتبارات جيوبوليتكية تتعلق باستعادة موسكو حصتها التقليدية في مجالها الحيوي السياسي واعتبارات إقليمية لها صلة باحتمال عودة جورجيا إلى الانفجار معطوفة على خطوط أنابيب تحرص روسيا عدم التفريط بها لأنها تهدد أمنها الاقتصادي وخطط التنمية في المستقبل.
هذه الاعتبارات الحساسة تؤشر إلى نمو قوة روسيا في محيطها بعد العام 2008. والقوة الروسية لا تختزل بالميزان العسكري وإنما بظهور موجة مؤيدة لتوجهاتها في داخل أوكرانيا تتجاوز خريطة الأقاليم (الأرثوذكسية) التي يعتمد عليها المترشح الفائز بالانتخابات ضد الأقاليم (الكاثوليكية) التي تدعم المترشحة المنافسة. فالمترشح يانوكوفيتش يراهن على مجموعة أوراق منها أن الكثير من التوجهات السابقة تغيرت ألوانها بعد تلك التجربة غير الناجحة التي استقرت عليها أوكرانيا في السنوات الأربع الماضية وقضت باعتماد معادلة اللاغالب واللامغلوب ما وضع الدولة في موقع الحياد وأفشل الكثير من خطط التنمية.
أوكرانيا الآن تبدو على عتبة تحولات بعد أن تبدل المزاج الشعبي وانكشفت السياسة الأميركية في المنطقة وأظهرت نقاط ضعف وعدم قدرة على إقناع الناس بأن مصلحتهم تتطلب العداء لموسكو ومواجهة الجار التقليدي. وهذا المتغير في المزاج يعطي فرصة للمترشح الفائز أن يتقدم للدفاع عن موقعه الرئاسي حتى لو كانت النسبة ضئيلة في التصويت العام. فالنسبة كافية لإعادة ترتيب علاقات داخلية في إطار مظلة إقليمية ترعى روسيا حمايتها من المخاطر التي تراجعت بعد إعلان أوباما تجميد «الدرع الصاروخي».
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2714 - الثلثاء 09 فبراير 2010م الموافق 25 صفر 1431هـ