العدد 2713 - الإثنين 08 فبراير 2010م الموافق 24 صفر 1431هـ

الدعم الإيراني لـ «حماس»: قصة واقعية تحمل دلالة رمزية (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

تلتقي «حماس» وإيران بمصالح متبادلة؛ فمن جهة تحتاج إيران لـ «حماس»، ليس فقط كما يروج إعلاميا كورقة ضغط في وجه «إسرائيل»، بحكم أن «حماس» لديها منظومة عسكرية قادرة على إقلاق «إسرائيل» بضربات موجعة بيدٍ «حمساوية» موجهة من صانع القرار القابع في طهران، لاسيما أن «حماس» ترفض عملية «السلام» وتتبنى المقاومة كخيار استراتيجي ومنضوية تحت لواء ما يسمى بـ «الممانعة» بزعامة إيران.

وما «حماس» - والحالة كذلك - إلا يد إيران الضارية في خاصرة «إسرائيل» الجنوبية.

وتحتاج «حماس» إلى إيران كرافعة وسند في مواجهة جبهتين تنظر إليهما «حماس» كعدوين وهما: «إسرائيل» والسلطة الوطنية الفلسطينية ومن ورائها حركة "فتح".

وفي الوقت الذي وجدت «حماس» نفسها محاصرة والأبواب العربية موصدة أمامها، وفي الوقت ذاته تستفيد السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" من الدعم العربي، تحرم «حماس» من هذا الدعم بعد فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية الثانية في يناير/ كانون الثاني 2006. لذا تجد «حماس» أن علاقتها مع إيران وسورية مهمة لها لكي توازن علاقة السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» مع أطراف عربية كمصر والسعودية. لذا تصبح إيران مهمة بالنسبة إلى «حماس» كي تتكئ عليها وتستقوي بها في إطار صراعها الداخلي وكذلك لمساومة محور ما يسمى بـ «الاعتدال» العربي، وخاصة أن هذا المحور قاطع «حماس».

في الحقيقة أن الدعم الإيراني لـ «حماس» ليس هذا هدفه، أي إقلاق «إسرائيل» وتشكيل نتوء يوخز خاصرتها كالنصل المسنونة، واختراق المجال الحيوي لـ «إسرائيل»، فالهدف أعمق وأشمل من ذلك، لاسيما أن «حماس» لا تشكل رافعة لإيران ولا مصدر قوة يمكن أن تتكئ إيران عليها في حال وصل التناقض إلى ذروته مع «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية في ما يخص المسألة النووية، بل إن الدعم الذي تحتاجه إيران أكبر من قدرات «حماس» أو أي تنظيم فلسطيني آخر.

نعم تستطيع حماس أن تثير المتاعب والقلاقل لصالح إيران، أو تسخين الجبهة الجنوبية ضد «إسرائيل»، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك. وحتى الآن لم يثبت بالفعل إن كانت «حماس» خاضعة للقرار الإيراني أم لا.

ليس معنى ذلك أنها ليست كذلك، أي تابعة لإيران، بل القصد هنا أن الحكم على مدى خضوع «حماس» لصانع القرار الإيراني لم يحن بعد. فمن الناحية الموضوعية لم تحن لحظة الحكم على مدى تبعية «حماس» لإيران، وأي حكم في هذا الخصوص هو حكم أيديولوجي وليس حكما علميا. وسنتحدث عن ذلك بعد سطور.

فلإيران أهداف استراتيجية كبرى من جراء دعمها لـ «حماس»، أبعد من استعمال الأخيرة كورقة كما يروج. فلإيران دور إقليمي تسعى إليه بما يتواءم مع إمكانياتها وقدراتها كدولة محورية في المنطقة، لذا فهي ترى نفسها تستحق دورا إقليميا متميزا وإن لم يعترف بهذا الدور فستعمل على انتزاعه عنوة.

وعليه، فإن أي دور لأية دولة في منطقة المشرق العربي لابد أن يكون العبور إليه من خلال البوابة الفلسطينية. ودعم إيران لـ «حماس» يهدف إلى الدخول لهذه البوابة التي ستفتح آفاقا لها في المشرق العربي كون القضية الفلسطينية هي«قضية العرب الأولى». "فقضية فلسطين واستمرار الاحتلال والغطرسة الإسرائيليين هي بوصلة القيادة الإقليمية. شئنا أم أبينا، مللنا من القضية أم لم نمل، طالت أم قصرت، برزت قضايا وحروب أخرى «تنافس» على ترؤس الأجندة الإقليمية أم لم تبرز، تظل قضية فلسطين (طالما لم تحل) هي الباروميتر الذي يحكم من خلاله الرأي العام وغيره على أهلية ودور وموقع هذا البلد أم ذاك" (خالد الحروب، حتى لا يصل جدار غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، الحياة، 27 ديسمبر/ كانون الأول 2009).

وهذا ما تقوم به تركيا، فـ "التشدد التركي حيال «إسرائيل» لقي استحسانا جماهيريا، ونخبويا عربيا ولو من الباب العاطفي والشوق العربي إلى قيادة عربية أكثر جرأة في مواجهة الإذلال المتواصل الذي تمارسه «إسرائيل» حيال الفلسطينيين والعرب".

وتعود تركيا إلى الشرق الأوسط من بوابة الصراع العربي - الإسرائيلي، تماما كما أمنت إيران حضورا سياسيا طاغيا في المنطقة أيضا من بوابة هذا الصراع. فالتأييد الذي يلقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لدى العرب الآن، مصدره الموقف التركي المعارض بشدة للحرب الإسرائيلية على غزة قبل عام. لذا ليس مستغربا أن ترفع صور طيب رجب أردوغان في غزة.

وبالتالي إن الدعم الإيراني لفلسطين من خلال «حماس» ما هو إلا تعبير رمزي ليس إلا. ومن هنا فالدعم الإيراني - كما تريد إيران - لـ «حماس» أصبح رمزا دالا على مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة، ورفض الهيمنة الأميركية، والدفاع عن القضية الفلسطينية، والقدس، والشعب الفلسطيني المغبون، كل ذلك له مكانته المقدسة لدي العرب والمسلمين. وبذا تحصل إيران على المكانة التي ستجنيها من جراء ذلك.

وهكذا فإن الدعم الإيراني لـ «حماس» ما هو إلا تعبير رمزي تريد إيران أن تظهر من خلاله بأنها رمز يدل على القوة والعظمة الإيرانية؛ لأنها تسير بخط مناقض لاتجاه المشروع الصهيوني وهو أمر مرغوب عند الشعوب العربية.

وتريد إيران أيضا أن تظهر من خلال هذا الدعم أنها حاملة المشروع "النضالي المقاوم والممانع" ضد الوجود الصهيوني والشيطان الأكبر، وحامية حمى القدس والملة، في وقت خذلان النظام العربي، من تقديم أي دعم للمقاومة وتعزيز صمود الفلسطينيين. وتصبح إيران - والحالة كذلك - رمز «المقاومة» والصمود في المنطقة، مقابل تراجع واستسلام وتخاذل النظام العربي. ورمز التحدي والقوة، مقابل الرضوخ والضعف، ورمز الجرأة والمبادرة والفعل، مقابل الجبن والبقاء كطرف مفعول به.

وبالتالي تكتسب إيران رصيدا وأهمية في الشارع العربي حين يبدو أنها تتبنى «قضية العرب الأولى» التي تخلت عنها الأنظمة العربية والتفتت لقمع شعوبها.

* كاتب فلسطيني، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2713 - الإثنين 08 فبراير 2010م الموافق 24 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:08 ص

      إبراهيم الجنوساني رد على كلامك يازائر 1

      ايران مناحية انها مسلمة ودستورها مصدره المذهب الشيعي لن تتغير من هذه الناحية ولكن ايران تعلم بأطماع الغرب وبالاخص من امريكا واسرائيل في المنطقة وهي خائفة من اطماع الغرب ان تجتحها وان تكون لقمة سائغة في فهم امريكا ولهذا تدعم حركات اسلاموية في المنطقة للدفاع ان ايران (مقاولين مدفوعي الاجر والتكاليف ) وكل هذه الامور تمرر تحت عنواين براقة مقاومة الاحتلال المحافظة على الخصوصية المدهبية تحرير الارضي المحتلة الوحدة الاسلامية ويش قال مبادىء ايران ثعلب سياسي ماكر

    • زائر 1 | 4:06 ص

      ايران و المبادء

      ايران قد لا تحتاج لاحد ابدا ادا ما تخلت عن مبادئها الاسلاميه وعن القضيه الفلسطينيه التي باعها اصحابها الاسميين فقط عليها ان تعترف باسرائيل او علي الاقل تقف في الحياد عندها تصبح الصديق الحميم لجميع الدول المارفه من امريكا الي اصغر دوله عربيه فهل تفعل ؟

اقرأ ايضاً