يبدو ان قلقا مزدوجا يتصاعد بين القوى الشيعية الرئيسية في العراق والولايات المتحدة. ويرجح أن يتنامى هذا القلق مع تسليم السلطة إلى العراقيين في 30 يونيو/ حزيران المقبل، سيما اذا ما تأكد أن الشيعة ان الولايات المتحدة ستعمد إلى ارجاء الانتخابات في العراق حتى تتمكن من ترتيب أوراقها بشكل يضمن لها وصول اتباعها لتنفيذ خططها في العراق. فالشيعة العراقيون الذين بادروا إلى إعلان اقتراحهم بضرورة إجراء الانتخابات لا يخفون خططهم من ان إرجاء الانتخابات إلى ما بعد يونيو من دون أن تكون هناك ضمانات لإجرائها خلال سقف زمني محدد سيجعلهم يصعدون مواقفهم وضغوطهم بمعيار يتناسب مع مدى الاستجابة لمطلب الانتخابات.
ويبدو ان الاصرار على موضوع تحديد موعد للانتخابات خلال العام الجاري والمطالبة بمشاركة شفافة من جانب الامم المتحدة للاشراف والتعجيل في اجراء الانتخابات له ما يبرره في ظل تنامي القلق من ان واشنطن تريد نقل السلطة إلى العراقيين بطريقة شكلية من دون مضمون حقيقي. وخصوصا ان الحاكم الأميركي بول بريمر كان واضحا على نحو لا يقبل الشك في «أن سلطة التحالف المؤقتة التي يقودها ستتحول إلى اكبر سفارة أميركية في العالم». كما أشار إلى أن هذه السفارة، التي سيكون مقرها في القصر الجمهوري العراقي، ستضم آلاف الموظفين الأميركيين ممثلين عن كل الوزارات في الإدارة الأميركية الذين سيقومون بواجباتهم في «معاونة» العراقيين على بناء دولتهم.
وفي سياق هذا الاصرار على ما يبدو جاءت الدعوة المتجددة من مختلف القوى الشيعية السياسية والدينية إلى ضرورة وضع روزنامة زمنية من قبل الامم المتحدة لاجراء الانتخابات حتى قبل نهاية العام الجاري، بل وحتى قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل بحسب دعوة ابراهيم الجعفري أحد أبرز قيادات حزب الدعوة.
كما دعا آية الله السيدعلي السيستاني - أكبر المراجع الشيعية في العراق - مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار لإجراء الإنتخابات قبل نهاية العام الجاري، وطالب السيستاني المجلس بتقديم ضمانات لتنظيم الإنتخابات كما حددها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في نهاية العام 2004. وفي بيان مكتوب شدد السيستاني على أن أية حكومة غير منتخبة تتسلم السلطة بحلول 30 يونيو يجب ان تكون سلطاتها محدودة وتركز على الاعداد للانتخابات.
ويعتقد الكثير من المراقبين ان من شأن هذا البيان ان يثير غضب واشنطن مما تعتبره تدخلا من جانب السيدالسيستاني في الامور السياسية. فاشتراط السيستاني أن يقدم مجلس الأمن الدولي ضمانات من نوع ما، هي خطوة من شأنها في اعتقاد الكثير من المراقبين أن تضيف مزيدا من التعقيد على حساسية العلاقة بين الشيعة والولايات المتحدة، ولعل الأمر يكتسب مزيدا من التشابك بإعلان الولايات المتحدة رفضها شبه القاطع لأن يصدر مجلس الأمن قرارا جديدا بشأن العراق أو تحديد سقف زمني مقنن وقريب لموعد اجراء الانتخابات.
ولعل ما يلفت النظر في ان الامور بالفعل آخذة نحو التعقيد والتأزيم بين الشيعة والولايات المتحدة، ولاسيما بين المرجعية الدينية وسلطة التحالف، ما أوردته صحيفة «المؤتمر» في تقرير على صفحتها الاولى الخميس الماضي متهمة فيه سلطة التحالف بشن هجوم على السيدالسيستاني. وقالت الصحيفة الناطقة باسم المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه احمد الجلبي، في تقريرها «اثر الموقف الواضح والصريح الذي اتخذه آية الله العظمى السيد علي السيستاني في موضوع الانتخابات وضرورة إجرائها في وقت محدد ومعلوم لانها افضل السبل الديمقراطية لحكم الشعب لنفسه وتبني العديد من اعضاء مجلس الحكم وقادة الاحزاب هذه الحقيقة ما أدى إلى احباط الخطة الأميركية المرسومة للشعب العراقي شرعت سلطة التحالف في العراق بالتنسيق مع الادارة الأميركية في واشنطن بشن حملة منظمة ضد السيد السيستاني في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي والعراقي». وكشفت «المؤتمر» في تقريرها ان سلطة التحالف كلفت احد الباحثين المتعاقدين معها، وهو المحلل المتخصص بالشئون الايرانية (مهران رايزاتي) بعقد مقارنة بين التصريحات التي أطلقها الخميني قبل وصوله إلى إيران بعد الثورة والتصريحات التي ينقلها مكتب السيستاني عن سماحته في موضوع الانتخابات واشتراك رجال الدين في الحكم. ويؤكد التقرير «ان منشورات عدة وزعتها سلطة التحالف في بغداد وأخرى تم توزيعها في واشنطن المحت إلى ان السيد السيستاني بدأ المشاركة في العمل السياسي في العراق في حين انه قال عند بدء العمليات العسكرية انه لا يريد التدخل في الشئون السياسية للعراق». وتساءلت المنشورات «هل ان آية الله السيستاني بدأ يسير على طريق آية الله الخميني». ولفتت المنشورات نفسها «إلى ان الرجلين ايرانيي الأصل وهما رجلا دين على مستوى عال ولديهما مؤهلات غير اعتيادية وتحدثا بالعبارات نفسها ولهما أتباع كثيرون». ولكن «لربما ان آية الله السيستاني يتحرك بشكل مختلف عما كان عليه آية الله الخميني».
طبعا الولايات المتحدة التي شكل لها احتلال العراق مأزقا مركبا، باتت تشعر بالقلق من رجل الدين القوي السيستاني لا فقط لكونه يمثل ثقلا لدى الغالبية الشيعية في البلاد الذين يشكلون 60 في المئة من سكان العراق، وانما ايضا لأن دعوته إلى إجراء الانتخابات العامة المباشرة تمثل الرافعة التي تتذرع بها إدارة الرئيس بوش في تبرير الحرب على العراق بعد ان اخفقت تلك الادارة في العثور على «أسلحة الدمار الشامل» التي تحت مزاعمها جاءت لاحتلال العراق، وبالتالي فبعد تبدد هذه الذريعة لم يبق للادارة الأميركية سوى رافعة احلال الديمقراطية في العراق لتسويق مأزقها في العراق سواء أمام الرأي العام الأميركي أو العالمي.
وبحسب شخصيات عراقية نافذة فإن اصرار السيستاني وحتى مجلس الحكم على اشراك الامم المتحدة في عملية نقل السلطة وكل الخطوات المرتبطة بتطور العملية السياسية في المرحلة المقبلة في العراق يأتي كجزء من الكوابح العراقية لاية انحرافات قد تنساق اليها واشنطن لاعتبارات مصلحية تجعل مستقبل البلاد مرهونا بها
العدد 541 - السبت 28 فبراير 2004م الموافق 07 محرم 1425هـ