على طاولة جامعة الدول العربية الآن اقتراحات مختلفة لتطوير مؤسساتها وتحديث آليات عملها. يضاف إلى تلك الاقتراحات سلسلة ردود على المشروع الأميركي (الشرق الأوسط الكبير) والمبادرة الأوروبية التي تقدمت بها ألمانيا في مؤتمر ميونيخ الأخير.
الاتجاه العربي العام كما يبدو هو الموافقة على مقترحات الاصلاح ورفض الأساليب المستخدمة في تمريرها أو فرضها من طريق القوة. هذا الاتجاه صحيح ولكنه ليس كافيا للرد على التحديات. فالوضع العربي وصل إلى درجة من الهشاشة السياسية وبات غير قادر على تحمل المزيد من الضغوط. وعلى رغم الموانع ومواقع القوة (والثروة) التي تتمتع بها البلدان العربية تبدو معظم الدول في حيرة من أمرها لا تستطيع التقدم خوفا من المستقبل ولا تستطيع المراوحة في مكانها خوفا من الماضي. هذا الوضع لا تحسد عليه إلا انها لاتزال بإمكانها تجاوز المأزق اذا اتفقت الدول على مسألتين. الأولى: تحصين الممانعة السياسية من خلال عقد المصالحة (التسوية) التاريخية بين الدولة والمجتمع.
والثانية: الاتفاق على المشاركة (الافقية) بين الدول العربية نفسها والبحث عن الوسائل الكفيلة بتوسيع دائرة «الاخوة» و«المصير المشترك» على قواعد عملية لها صلة بحاجات الناس ومتطلباتهم.
مشكلة الدول العربية الممثلة في الجامعة ان معظمها لم تتجه نحو اتخاذ قرار المصالحة الداخلية (العمودية) بينها وبين شعوبها. وعدم المصالحة الوطنية يعطل امكانات التقدم نحو المصالحة مع العالم. ومشكلة الولايات المتحدة الاساسية انها تدفع الدول العربية نحو التصالح مع «إسرائيل» وتتجاهل أهمية المصالحة الداخلية. والسؤال كيف يمكن لدولة في حال تخاصم مع مجتمعها ان تسير بثقة نحو المصالحة مع الخارج؟ في ظل ضغوط دولية لا تكترث بمصالح الدول العربية بقدر اهتمامها بمصلحة «إسرائيل»، الجواب ليس صعبا وهو لا مجال للتصالح مع الخارج اذا لم تنجح الدول المعنية في ترتيب علاقاتها الداخلية مع شعوبها.
الولايات المتحدة في هذا المجال تلعب لعبة خطيرة فهي من جهة تهدد الأمن الوطني لكل دولة عربية وتعمل على تهديد الاستقرار الاقليمي ومن جهة أخرى تدعم «إسرائيل» ماليا وتعزز ترسانتها الحربية (طائرات حديثة، صواريخ، غواصات نووية، أسلحة دمار شامل) وتمنع على الدول العربية حقها في تحديث سلاحها لحماية أمنها ووجودها من خطر مباشر يقع على حدودها أو بعيدا عنها وعلى رمية صاروخ.
هذه اللعبة خطيرة لأنها تشجع «إسرائيل» على الاحساس بالقوة (التفوق العسكري) وبالتالي تدفعها دفعا نحو المزيد من التطرف والعدوان ورفض كل نداءات الدول العربية للتفاوض والتصالح.
هذه اللعبة خطرة لأنها في النهاية تعمد إلى تعزيز نزعات العدوان والتطرف في الجانب «الإسرائيلي» وتحد من امكانات الدول العربية على المناورة السياسية وتحسين شروط تفاوضها مع طرف يلقى كل التشجيع على أفعاله، آخرها كانت التبريرات الأميركية - الأوروبية في بناء «جدار الفصل العنصري». فكيف يمكن التوفيق أميركيا بين دعوة الدول العربية إلى التصالح مع «إسرائيل» وتشجيع حكومة ارييل شارون على الاستمرار في بناء سياسة «الفصل العنصري». فالصلح لا يتناسب بالضرورة مع الفصل.
هذه السياسة خطرة لأنها تنطلق من قاعدة متناقضة بين دفع الجانب العربي نحو المزيد من الضعف ودفع الجانب الاسرائيلي إلى المزيد من القوة، وعدم التوازن لا يساعد على التصالح بل يدفع الأمور موضوعيا نحو التصادم.
على طاولة الجامعة العربية الكثير من الاقتراحات والردود وعلى الدول ان تختار وتفاضل ولكن المشكلة الاساسية تبقى في مصيبة يطلق عليها «إسرائيل» فأي حل سياسي أو اقتصادي أو تنموي أو اصلاحي أو تحديثي لا يستقيم من دون فك الارتباط أو اكتشاف الصلة بين امكانات التقدم واحتمالات نشوب حروب عدوانية جديدة.
لا شك في ان هناك معوقات كثيرة تحد من امكانات تصالح الدول العربية مع مجتمعاتها واحتمالات مصالحتها مع فضاءات العولمة والتقدم... إلا ان «إسرائيل» بوجودها العدواني ونزعتها نحو التشدد ورفض التفاهم تشكل احد أهم معوقات التنمية والاصلاح والديمقراطية في العالم العربي.
هذه المشكلة تدركها واشنطن وربما لهذا السبب تجاهلت الاشارة لها في تقريرها عن «الشرق الأوسط الكبير»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 541 - السبت 28 فبراير 2004م الموافق 07 محرم 1425هـ