لا تساعد الرسائل غير المشجعة التي يوجهها الآباء إلى أبنائهم على تطوير سلوكهم ونمو شخصياتهم بطريقة إيجابية... وكما ذكرت في مقالي السابق فإنها تكون بأشكال مختلفة، بعضها يتمثل في رغبة الآباء في أن يساعدوا أبناءهم على حل واجباتهم المدرسية عندما لا يطلب هؤلاء الأبناء هذه المساعدة... ويصر الآباء عليها وكأنهم يقولون لأبنائهم: «نحن لا نثق بقدراتكم في أن تعتمدوا على أنفسكم في الدراسة».
بعض هذه الرسائل كأنها تقول للأبناء: «نحن نخجل منكم أو نلومكم».
كيف تصل إلى الطفل عبارة تسأله فيها والدته: «هل يمكن أن تتعاون معي مرة واحدة على الأقل بين حين وآخر؟». إنها تصل إليه هكذا «أنا لا أعتقد أنك تستطيع أن تتساعد معي».
وتؤثر هذه الجملة على معنويات الطفل، فيشعر من خلالها بتقليل والدته من شخصيته وتحقير قيمتها وتوجيه اللوم إليه.
وعندما يقول الأب لابنه: «أرني إذا كان لديك عقل يفكر، وقم باختيار ما تريده لمجرد التغيير». هذه الرسالة غير المشجعة تصل إلى فهم الطفل هكذا «أنت أحمق... وأنا لا أعتقد أنك قادر على أن تختار بشكل جيد».
وتأثير هذه الرسالة سلبي على ثقة الطفل بنفسه، لأنه يشعر بأن والده يخجل منه ويقلّل من شأنه. وعندما يقول الأب لابنه: «أنا لا أصدق نفسي... هل أنت حقا قمت بواجبك لمجرد التغيير؟» فإن الابن يفهم الرسالة كالآتي «أنا لا أتوقع تعاونك وأنت لا تصل إلى مستوى توقعاتي»، وعندما يقول الأب لابنه: «هل ما فعلته هو أفضل ما يمكن أن تقوم به؟»، تصل الرسالة السلبية إلى الابن هكذا «أنت لا تستطيع أن تتنافس ولا تصل إلى مستوى توقعاتي منك».
وإذا قالت الأم لابنتها وهي تتحداها: «افعلي ذلك العمل إذا كنت تجرئين؟ تفهم الطفلة هذه الرسالة هكذا «استمري في سلوككِ السيئ لأنني لا أتوقع تعاونكِ وأريد أن أريك أني أنا الرئيسة لا أنتِ».
أما تأثير هذه الرسالة غير المشجعة على الطفلة... فهو إثارتها لتتحدى أمها وتشعر بأن والدتها تلومها وتقلل من قيمة شخصيتها.
وعندما يقول الأب لابنه عندما يثير غضبه بتصرفاته: «هناك دائما أراجوز في العائلة»، فإن هذه الرسالة تصل إلى الطفل هكذا «أنت قليل الأهمية وغير مقبول منا كعائلة». وتؤثر هذه الرسالة السيئة على الطفل إذ يشعر أنه مرفوض من عائلته وأن والده يهينه ويخجل منه ويحطّ من قدره. لنفترض قال الأب لابنه: «والآن يا ولد يا ذكي، أخبرني كيف ستحل مشكلتك؟»، فإن هذه الرسالة السلبية ستصل إلى فهم ابنه هكذا «أنت ولد غبي ولا تستطيع أن تحل مشكلتك وحدك». ألا يشعر الطفل بهذه الرسالة أن والده يهينه ويحط من قدر ذكائه ويقلل من شأنه؟
وإذا قالت الأم لابنتها: «أعرف أنني لا أستطيع أن أترككِ وحدكِ من دون أن تسببي مشكلة»، فإن هذه الرسالة السلبية تصل إلى فهم البنت هكذا «أنتِ غير قادرة وحدكِ على أن تتصرفي بطريقة مقبولة». أما عن تأثير ذلك على البنت فإنها تشعر بأن والدتها تلومها وتهينها وتقلّل من شأنها.
ماذا عن التصرفات السلبية التي يتصرفها الآباء مع أبنائهم؟ من المؤكد أنها ترسل رسائل غير مشجعة لا بالكلام وإنما بالفعل... حتى لو كانت نية الآباء حسنة معهم.
لنقرأ معا هذا المثال ليوضح ما الرسائل الفعلية غير المشجعة للأبناء لتطوير سلوكهم.
«محمد» طفل في الرابعة من عمره... كان يريد أن يصب الحليب في الكأس... وكانت والدته تخاف أن يسكب الحليب على الأرض... لذلك أسرعت وأمسكت بعلبة الحليب لتصبه له في الكأس.
ترى كيف وصلت هذه الرسالة الفعلية إلى ابنها؟
لقد وصلت هكذا «أنت غير قادر على أن تصب بنفسك الحليب»... أي انك غير قادر على القيام بهذه المهمة... أنت بحاجة إليّ لكي أقوم بها عنك.
«علياء» طفلة في الثامنة من عمرها... كانت تقوم بأداء واجباتها المدرسية وهي جالسة على كرسي طاولة الطعام في المطبخ مع والدتها وهي تعد طعام العائلة... كانت هذه الأم تعرض مساعداتها لابنتها في حلّ واجباتها عدة مرات... وتقترح عليها اقتراحات عدة على رغم أن الابنة لم تطلب من أمها المساعدة.
إن الرسالة السلبية لفعل الأم تصل إلى علياء هكذا «أنتِ غير قادرة على حلِّ واجباتك المدرسية وحدكِ... ولذلك أنت بحاجة إليّ لحلها».
طفل في الخامسة من عمره طلب له والده من مطعم الوجبات السريعة «سندويتشا» من دون أن يسأله عما يريد وكأنه يقول له: «أنت غير قادر على اتخاذ القرار... أنا وحدي القادر على أن أقوم بذلك».
طفلة في الخامسة من عمرها... أصرّت والدتها على أن تساعدها في ارتداء ملابسها... الرسالة التي وصلت إلى فهم الطفلة هي «أنتِ غير قادرة على ارتداء ملابسكِ وحدكِ». أي بمعنى آخر، أنه لا يمكنكِ أن تتخذي قراراتك من دون مساعدتي. وهذه الرسالة غير المشجعة تحمل تقليلا لشأن البنت وعدم ثقة الأم بقدرة ابنتها على اتخاذ قراراتها.
(وفي الحلقة المقبلة سنتناول الرسائل المشجعة للطفل لتحسين سلوكه
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 540 - الجمعة 27 فبراير 2004م الموافق 06 محرم 1425هـ