يتوقع أن يزور الرئيس المصري حسني مبارك واشنطن في منتصف ابريل/ نيسان المقبل لمناقشة مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي انتقده ووصفه بأنه من ضمن «الوصفات الجاهزة» لإصلاح المنطقة. وكان الرئيس المصري كشف في وقت سابق عن مشروع ثلاثي مصري - سعودي - سوري سيطرح على طاولة القمة العربية المقرر عقدها في تونس الشهر المقبل. ويتضمن المشروع الذي سيناقشه وزراء الخارجية العرب في لقاء القاهرة في 3 و4 مارس/ آذار المقبل، سلسلة ملاحظات على مبادرات الإصلاح وفق الأسلوب الغربي التي تقدمت بها الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية. ويعتقد أن مناقشات القاهرة ستمهد الطريق لانتاج خطة «مشروع عربي بديل» لتلك المبادرات تتوافق عليها الدول العربية كأساس مشترك لمفهوم الإصلاح وتحديد أساليبه وخطواته.
هذا هو الخبر. والأخبار عن نية الدول العربية في اجراء الإصلاحات ليست جديدة فهي تعود في قدمها إلى السنوات الأولى من تأسيس جامعة الدول العربية. وخلال فترة تجاوزت العقود الأربعة اتفقت الدول العربية على الكثير من البرامج والأفكار ولكنها لم تنفذ منها إلا الشيء القليل وتركت معظم المشروعات في الملفات وأدراج النسيان.
هذه المرة تبدو الأمور مختلفة. فالسكين كما يقول المثل وصلت إلى الرقبة، وباتت الدول العربية مطالبة بالإصلاح إما عن رغبة منها وحاجة إليه وإما عن طريق القوة و«البلطجة» الأميركية. والعاقل في هذه الظروف يميل عادة إلى التكيف الإرادي مع حاجات التطور. فالتقدم عادة لا يفرض وإنما هو نتاج تطور الحاجة إلى النمو في عالم تسيطر عليه نزعة القوة وتتنافس دوله على ابتلاع البلدان التي فقدت رغبتها في الحياة وعجزت عن تعديل أوضاعها لتنسجم مع فضاءات دولية جديدة.
الدول العربية الآن لا خيار أمامها سوى قبول التحدي والتقدم الذاتي (الإرادي) نحو طرح مشروع بديل يحدد خطوات الإصلاح بعيدا عن محاولات «الاستذة» والإملاءات التي تطرحها واشنطن أو مجموعة الاتحاد الأوروربي. فالإصلاح لا يأتي بالقوة وإنما بالفعل وعلى الدول العربية أن تبادر إلى طرح تصورها للوسائل التي تراها مناسبة للتطور والتحديث.
لاشك في أن هناك الكثير من النقاط الغامضة في المشروع الأميركي فهو أولا مجرد أفكار هشة اعتمدت مجموعة أرقام قديمة وخاطئة. وهو ثانيا يتضمن سلسلة اقتراحات فوقية خلطت الدول ببعضها من دون تمييز في نسب تفاوت النمو بين دولة وأخرى.
إلى ذلك هناك اختلافات بين التصور الأوروبي والمشروع الأميركي. فالأول أوضح في خطواته التدريجية ولا يغيّب قضية فلسطين عن مسألة التنمية كذلك لا يرى أن أفكاره نهائية بل هي مجرد اقتراحات لمناقشتها مع الأطراف المعنية بها.
المشروع الأميركي يميل إلى الدكتاتورية في فرض تصوراته وهو أقرب إلى الانقلاب منه إلى التطوير المتدرج. كذلك لا يأخذ المشروع في الاعتبار وجود مصيبة في المنطقة العربية يطلق عليها «دولة إسرائيل» ولا يراعي عشرات الحساسيات التي يجب أن تؤخذ في سياق محاولات فرض الإصلاح بالقوة على منطقة ترى في واشنطن عاصمة منحازة من دون منطق لسياسات تل أبيب العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والمصالح العربية.
إلى اختلاف المنهجية بين المشروع الأميركي والمبادرة الأوروبية هناك غموض هوية الدائرة التي يتحدث عنها المشروع لإصلاحها. فالكلمات الثلاث (الشرق الأوسط الكبير) مبهمة وهي غير واضحة في دلالاتها الجغرافية والسياسية.
والسؤال ما حدود ما يسمى «الشرق الأوسط الكبير»، وما المقصود بـ «الكبير» وماذا يضم ومن؟ مسألة الهوية مهمة كذلك الحدود الجغرافية - السياسية لهذا المشروع. وأهمية المسألة تكمن في صلة الأرقام التي يتحدث عنها المشروع بواقع الدول وظروفها وعددها.
المشروع الأميركي غامض في الكثير من الجوانب السياسية والثقافية وحتى تلك الأرقام الاقتصادية التي يطرحها. وأساس غموضه أنه لا يحدد هوية المنطقة التي يتحدث عنها ولا حدود الدائرة السياسية - الجغرافية لفكرة «الشرق الأوسط الكبير».
الدول العربية الآن في صدد تنظيم لقاءات في القاهرة وتونس لبحث صيغ بديلة عن تلك المشروعات والمبادرات، ولاشك في أنها مطالبة بتوضيح مواقفها وتحديد معالم طريقها في المستقبل وهذا الأمر لا يتم إلا بوضع النقاط على الحروف بدءا من رسم حدود لجغرافيا الهوية السياسية وانتهاء بتصحيح الكثير من الأرقام التي خلطت بين الدول من دون انتباه للتفاوت القائم في النمو ومداخيل الأفراد بين منطقة وأخرى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 540 - الجمعة 27 فبراير 2004م الموافق 06 محرم 1425هـ