في نكسة العام 1967 هُزِمَ العرب في بحر أيام ستة. كانت «إسرائيل» قبل الخامس من يونيو/ حزيران لا تملك سيناء ولا الجولان والضفة الغربية ولا غزّة. وبعده كان كلّ ذلك لها. إنه يكفي وأزيد لإعلان انتصار. أرض وعُمق جديدين لكيان لا يُعرَفُ له حدود.
في حرب يوليو/ تمّوز في لبنان صيف 2006 هِزَمت تل أبيب. لأنها دخلت من أجل جُنديين لها وخرجت من دونهما. ودخلت لتفكيك حزب الله وخرجت وهو يزداد حجمه انتفاخا وقوة. ودخلت لكسب إطار الرّدع وخرجت بمزيد من التراجع فيه.
في العدوان على غزّة تقلّص الجموح الصهيوني شبرا بعد آخر أمام ظروف المعركة. فأصبح الإجهاز على حماس بعد القتال أقلّ رغبة نحو القضاء على منصّات الصواريخ. ثم التقليل منها. ثم تدمير الأنفاق. ثم (...) لا شيء من كل ذلك.
بل الأكثر أنهم أرادوها إحياء لتعاطف عالمي معهم ضد صواريخ غراد، لكنها أرتدّت عليهم بفورة عالمية حتى في معاقل اللوبيات الصهيونية المُشرّدة في العالم. وأصبحت الرغبة في اغتيال خمسمئة قيادي حمساوي تتمايل بين واحد واثنين فقط.
وفي كلا المعركتين (في لبنان وغزّة) كان غلواء القوة الصهيونية يهرس الأبنية والبساتين والأندية الرياضية، والأطفال والنساء كما فعل الأميركيون بالضبط في مذبحة ماي لاي بفيتنام. إنه جيل جديد من معارك لم يعرفها رومل ولا مونتغمري ولا ماك آرثر. إنه تنفيس ذِئبيٌ في الدم.
محور الاعتدال العربي اليوم بات مُتفنّنا في تفسير الأمور بغير ما يجب أن تكون عليه. لم يعد قادرا على التمييز بين الأعداء ومراتبهم ومداهم. وفي أحيان كثيرة وغالبة بات يُساوي في عدائه لأولمرت مع إسماعيل هنيّة. ولباراك مع حسن نصر الله!.
بل وفي أحيان غير قليلة أصبح المحور المعتلّ أكثر عداوة لهنيّة ونصر الله من شارون وألمرت وليفني. وباتت طهران ودمشق (والدوحة اليوم) أكثر مقتا من تل أبيب. عاطفة ذلك على تحميلهم مسئولية العدوان الصهيوني على كل من لبنان وغزّة بإعطاء حماس وحزب الله تل أبيب ذرائع العدوان!
وهنا ألا يحقّ لنا أن نتساءل هل كانت الطوربيدات الفيتنامية الشمالية مسئولة عن حرب فيتنام عندما هاجمت السفن الحربية الأميركية في خليج تونكين؟! وهل كان الكمين الذي نصبته المقاومة الهولندية لاغتيال العميد هانس روتر، سببا في قيام النازيين بإعدام 263 هولنديا انتقاما لما حدث.
حينها كان حريّا بهؤلاء أن يُصدّقوا ما قالته حكومة ديم العميلة في الجنوب ضد عمليات تونكين واعتبارها سببا في تدمير فيتنام! أو تصديق إعلام الرايخ الثالث بأن المقاومة الهولندية جلبت الشّقاء والدمار للهولنديين!
هذا المنطق من قِبَل محور الاعتدال ما هو إلاّ مُلاءة لسياسات أوسع وأكبر بدأت تتمازج مع التنافر في الاتجاه والمصالح وحتى المذاهب. وهم في ذلك يفصلون بمزيد من التجاهل ما بين التكتيك والاستراتيجيا.
في التهكّم من خيارات المقاومة، يتندرون بقبول عبدالناصر لمبادرة روجرز من دون أن يذكروا أن عبدالناصر قَبِلَ المبادرة كسبا لوقت يُتيح له تنفيذ حائط الصواريخ ومعارك أكثر تعويضا. وما يزيد حُبُورهم الناقص هو الخلط بين مشروع ومبادرة روجرز. وهو دالّةٌ على صنوف جديدة من الضياع التاريخي الفاضح.
لكن هل يُمكن لأحد أن يسألهم: هل قام عبدالناصر بُعيد قبوله مبادرة روجرز، بمحاربة منظمة التحرير التي عادته جهارا من خلال إذاعة فلسطين في (القاهرة) واتهامه بالتخلي عن حرب الاستنزاف، كما يفعل هؤلاء اليوم مع حركة حماس؟! أم أنه ساعد عرفات للخروج من جبل عمّان لحضور مؤتمر القمّة بالقاهرة؟!
الأمر حريٌ أن يُقرأ.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ