قبل يومين فقط... بدأت المؤشرات تلوح في الأفق بخصوص تدشين مرحلةٍ إعلاميةٍ جديدةٍ من الطائفية السياسية... بانتقال بعض المسعورين إلى مرحلة «العنصرية الفاشستية».
كنا ومانزال نصرّ على أن كلّ الجدال والخلاف بيننا كبحرينيين إنما يدور حول قضايا سياسية واقتصادية بحتة، ضمن ما يُعرف علميا بـ «الاقتصاد السياسي»، بينما يصرّ من يحرّفون الكلم عن مواضعه على إلباسه الطابع الديني والمذهبي. وهكذا يتم تحريف أي نقاش حول المال العام والمشاركة في القرار والأراضي والسياسة الإسكانية... إلى «مساجدنا ومساجدكم»، و«مناطقنا ومناطقكم» و«نحن وأنتم»، في أكبر عملية تشطيرٍ لبلدٍ متسامح وشعبٍ كريم.
في فرنسا عندما حدثت أعمال عنف واحتجاجات قبل عام، أخذوا يدرسون أسبابها الاجتماعية والاقتصادية ليعالجوها من الجذور. وفي اليونان، عندما حدثت احتجاجات عنيفة قبل شهرين على حكومة كوستاس كرامنليس المحافظة، لم يشهّروا بمواطنيهم، أو تؤلب بعض صحفهم على أبناء الوطن أو يتهّموهم بالعمالة لتركيا، أو تطالبهم بتأكيد ولائهم للوطن بشكلٍ يومي. مثل هذه البضاعة الفاسدة لا تجد من يشتريها هناك.
الدول الأخرى تناقش وتبحث عن جذور مشكلاتها، ويُسهم مثقفوها وكتّابها في إنارة زوايا العتمة وأسباب الاحتقانات في تلافيف «الاقتصاد السياسي»، ولا يخرجون بنظرياتٍ تفوح منها رائحة العنصرية والرغبة الجامحة في الثأر والشهوة لسفك الدماء.
الدول الأخرى لا تسمح صحافتها النزيهة بترويج ثقافة الكراهية والإقصاء والعنصرية، أو تنشر مقالاتٍ تتستّر بأسماءٍ مجهولة، وشخصياتٍ غير حقيقية، مرة باسم بيضة، ومرة باسم زهرة، ويتلقى المكافآت النقدية على تسميم أجواء البلد وبثّ الكراهية بين المواطنين وأتباع الطوائف والأديان.
آخر تجليات هذا التيار العنصري، إنه أخذ يروّج لدعواتٍ سبق أن قرأناها في تاريخ النازية في ألمانيا، من تصنيف البشر إلى أجناس، على قمة الهرم الجنس الآري «السوبر»، وفي القاعدة الآسيويون والأفارقة واللاتين والغجر واليهود والعرب والبربر. والآن تعود هذه الدعوة الفاشية لترويجها في البحرين على أيدي بعض العنصريين الذين لم يتربّوا على قيم الإسلام وأخلاقه وسماحته.
إيطاليا أيضا ابتليت بالفاشستيين العنصريين، الذين كانوا يصنّفون الناس حسب أعراقهم، فيأتي الطليان على رأس الهرم مع حلفائهم الألمان، وبقية الشعوب في القاع. وهي أفكارٌ لا تختلف عن فكرة شعب الله المختار، التي حامت ثم حامت حتى استقرت في منطقتنا لتخلق لنا نكبة فلسطين.
اليوم... هذه الأفكار العنصرية تطلّ برأسها في البلد، على يد أفراد معدودين ومكشوفين، من أصحاب المصالح والمستكتَبين، الذين يبيعون المقالات المسمّمة لمن يشتريها بالكيلوغرام، كما يُباع السمك والروبيان. والبحرين غنيةٌ بأبنائها ورجالاتها وعقلائها الكثر، سواء في دوائر الحكم أو جمعيات المعارضة، الذين يغلّبون لغة الحوار على لغة الصدام والإقصاء، والعنف والعنف المضاد... من أجل فتح المجال ليأخذ العقل والحكمة دورهما في حلحلة الأمور، ومناقشة القضايا التي تعيد إنتاج المشكلات والاحتقانات.
الحوار يعني الانتباه إلى الاقتصاد السياسي، والحد من المقالات العنصرية المدفوعة الأجر، خصوصا إن الأزمة المالية العالمية بدأت تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مع أخبار تسريح العمال والموظفين، وضغط الموازنة العامة. وفي مثل هذا الوضع، فإن آخر آخر ما تحتاج إليه البحرين، هذا النوع من الكتّاب العنصريين الفاشست... الذين هم بأمسّ الحاجة لإعادة التأهيل الأخلاقي للشفاء من العنصرية وثقافة الابارتهايد!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ