العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ

المؤتمر بين الربح والخسارة والحكمة واللاحكمة في المعالجة

على خلفية «المؤتمر الدستوري»

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

شهدت البحرين فترة قلق شعبي ورسمي على خلفية الخلاف الذي حدث بين الحكومة والجمعيات الأربع التي اتفقت على إقامة المؤتمر الدستوري بمناسبة مرور ثلاث سنوات على الموافقة على ميثاق العمل الوطني وعامين على صدور دستور 2002.

هذا الشد والجذب بين الطرفين وما جرى على أثر ذلك من منع عدد من النواب الكويتيين البارزين أمثال أحمد السعدون وعبدالله النيباري وغيرهما من دخول البحرين ثم ما تبع ذلك من منع حكومة الكويت 16 من مختلف أعضاء الجمعيات الأربع ومن بينهم عبدالرحمن النعيمي وعلي سلمان وإبراهيم شريف وعبدالرسول الجشي ما أثار جدلا واسعا وإحساسا بالاستياء لدى الرأي العام الخليجي إذ فرض عدة أسئلة منها:

ما مدى الربح والخسارة في إقامة هذا المؤتمر؟

ما مدى خطورة المؤتمر على الحكومة البحرينية؟

هل كانت معالجة القضية حكيمة من قبل المسئولين؟

وأسئلة غيرها ما يفرضها تلك المبالغة في تضخيم المسألة، في اعتقادي أن معظم المواطنين والمثقفين بما فيهم الجمعيتان اللتان انسحبتا من المشاركة في المؤتمر وهما جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي متفقون على أن الجمعيات الأربع كسبت الرهان على رغم اختلافهم على ضرورة أو أهمية إقامة المؤتمر لعدة أسباب أهمها:

- إن المؤتمر سيكون حجمه أكثر من عطائه إذ لا يزيد عن كونه سينتهي ببعض التوصيات غير الملزمة.

- تزداد الهوة بين الجمعيات السياسية والحكومة في الوقت الذي يرى كثير من السياسيين أن جلالة الملك لديه استعداد للحوار وأن آليات التفاهم لم تنفد بعد.

- يراهن الكثيرون أن لعبة الشد الحكومي تأتي من جهات لم تطور نفسها ولم تتمكن من استيعاب التعامل بمرونة مع هذه القضايا عكس ما أثبت جلالته مرارا أن معالجته تأخذ منحى آخر ويكشف إدراكه العميق بأن مثل هذه المؤتمرات والندوات جزء من آليات الديمقراطية والانفتاح وأكد عدم ممانعته للمؤتمر من خلال رده خلال خطابه بأنه إن لم يقبل برعاية المؤتمر لمشاغله الكثيرة إلا أن جلالته يعتبره كأي ندوة أو فعالية ثقافية أخرى على رغم أنه من خلال الرد كان فيه شيء من عدم الرضا التام، مع أن عدم الرضا ذلك لم يبلغ درجة الترجيح على الموافقة حتى يحسم ذلك بالأمر بمنع إقامته، وفي ظني ليس كل ما يأتي من قبل الأجهزة الرسمية الأخرى محل موافقته فهؤلاء يتصرفون أحيانا من خلال إيحاءات جهاز الأمن لهم وجهاز الأمن عندنا لم يتطور ولم يتمكن بعد من استيعاب ما في مرونة الملك وعملية الانفتاح وما ورد في ميثاق العمل الوطني وحتى دستور 2002 من حقوق للمواطن فهم يرجحون كفة أسلوبهم السابق ماداموا لا يجدون أمامهم نصا واضحا فيها يرفض ممارستهم فهم لا يقومون على دراسة مجمل ما جاء في الميثاق والدستور وقراءة ما بين سطورهما ومن ثم لا يبالون بحساب الربح والخسارة بالرغم من أننا كنا نأمل أن يستوعب هذا الجهاز أهمية حسابات الربح والخسارة والتعامل مع المستجدات بعقلية المجتمع المدني خصوصا بعد أن قام جلالة الملك بتجديد واجهة الجهاز وأعاد تنظيمه وإسناده إلى عنصر يكاد يتفق عليه أنه يختلف مع من أدار هذا الجهاز خلال المرحلة الرديئة الماضية في العقود الثلاثة، بل إن الطرفين كانا على النقيض مع بعضهما ما دعا الجهة الأقوى على استبعاده من موقعه لمحاولة تهميشه بل وتهميش من كان أكبر منه في القيادة.

- إن منع عناصر من مجلس الأمة الكويتي المعروفة بحبها العميق للبحرين والتي تقف أكثر من غيرها مع أي مشروع لصالح هذا البلد كان فيه الكثير من الاستنكار لدى كل فئات المجتمع البحريني وخصوصا أنهم عناصر معتدلة نصحوا الجمعيات السياسية المتشددة في عقر دارهم بضرورة الاستفادة من هامش الحرية والانفتاح إذ أكدوا قناعتهم خلال أكثر من ندوة ولقاء مع الجماعات السياسية أنهم استشفوا كل الصدق وكل الحماس وكل الرغبة من جلالة الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في مسيرته نحو الانفتاح وتوسيع قاعدة الديمقراطية مثلما فعل الناشط السياسي اللبناني هاني فحص خلال محاضرته بمقر جمعية العمل الوطني الديمقراطية فهل يستحق هؤلاء الأشقاء الذين هم محل اعتزاز كل الشعب البحريني أن يتم منعهم من دخول بلدهم الثاني؟ وكان من الذكاء في اعتقادي لو بعثت الجهات الرسمية بمندوب يستقبلهم ويحييهم ويرحب بمقدمهم واعتبروهم ضيوفا على الحكومة قبل أن يكونوا ضيوفا على الشعب البحريني.

وباعتراف خيرة المثقفين والسياسيين أن منتهى النجاح أن يتمخض عن هذا المؤتمر مجموعة توصيات لا تلزم الحكومة بقدر ما تعطيها سمعة أفضل أمام دول العالم بحيث يضيف إلى رصيدها مزيدا من الاعتراف بديمقراطيتها وفرض احترامها على الخارج والداخل، وكل ما يجري في مثل هذا المؤتمر هو الحديث عن آمال المجتمعين في مزيد من الديمقراطية والانفتاح وانتقاد جوانب يتم الحديث خارج المؤتمر وفي المجالس والمقاهي والندوات والمحاضرات عنها ولو أن الحكومة رحبت بالمؤتمر واستضافتهم على غداء أو عشاء ما وتمنت لهم التوفيق في اجتماعاتهم لكان ذلك يقلل من هيبة المؤتمر ويمر بسلام كأن لم يكن شيئا مذكورا، أما وقد افتعلت تلك القضية عندما طالبت وزارة العمل ظهرية الأربعاء بضرورة أخذ ترخيص رسمي منها، بينما المؤتمر يقام يوم السبت أي أن الخميس والجمعة الوزارة مغلقة فيهما مع العلم أن الاجتماع الأول مع وكيل الوزارة الشيخ عبدالرحمن آل خليفة تم في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي ولم يأت الطلب أو الإنذار إلا يوم الأربعاء عندما لم يبق على إقامته إلا ساعات فهذا الأمر صار محل استنكار كل المثقفين حتى ممن كانوا يعارضون إقامته إذ يشم فيه رائحة أوامر صادرة من جهات من مصلحتها التشويش على المسار الديمقراطي وإصلاحات جلالة الملك وعودة البلاد إلى عصر قانون أمن الدولة.

أذكر مرة وأنا جالس عند مسئول كبير بوزارة العمل وكان رئيسا لأحد الأقسام في الوزارة رفض قبول الموافقة على إحدى الهيئات التي تتعهد بإقامة المؤتمرات مع أنه أمر مشروع وقبل إقامة مؤتمر حساس بأيام فقلت له هل هذه الأمور المهمة تأتي من خلال رئيس هذا القسم فأجاب باقتضاب وفي جملة قصيرة للغاية (يا عبدالله أنت تعمل في السياسة من زمان هل من المعقول أن يتخذ فلان أو فلان هذا القرار إلا إذا كان الأمر أتى من جهة عليا تعرفها أنت) فعلمت قصده وسكت، ويبدو أن مطالبة وزارة العمل بتقديم الطلب يأتي في نفس السياق.

إن معالجة القضية بأسلوب التصعيد الرسمي أعطى المؤتمر زخما أكبر وأهمية أكثر مما لم يكن يحلم به القائمون عليه، بل إن أحد أعضاء اللجنة التحضيرية وهو جالس ضمن مجموعة كانوا التفوا بضيف مركز البحرين للدراسات قال عندما سمع عن منع دخول النواب الكويتيين هذا الخبر يسعدني، بمعني أن الجهات المسئولة أعطت المؤتمر المذكور أهمية فوق طاقته وتعاطفت الجماهير معهم خصوصا بعد منع أشقائنا النواب من دولة الكويت، وبذلك يتضح من مجمل الحوادث أن الحكومة فشلت في علاجها للقضية وأظهرت للناس أنه تم التعامل معها بخبث واضح وخلقوا توترا في علاقة الشعبين البحريني والكويتي مع أنني على ثقة من أن العلاقات بين الشعبين أعمق جذورا من أن يتسبب موضوع كهذا في الإساءة للعلاقة بينهما، لكن الإحراج جاء للحكومتين فاتضح من خلال تصريح النائب الكويتي أحمد السعدون للقبس أن الأوامر جاءت من البحرين ومن ناحية أخرى فإن المؤتمر بكل ضجيجه ومتاعبه وخلافاته تمخض عن عدد من الرؤى أكدوا فيه الالتزام بالحوار كأداة لكل توافق سياسي وتمسكوا بأن يأتي أي تعديل للدستور النافذ منذ ديسمبر/ كانون الأول 1973 هو ذلك الذي يعزز المشاركة الشعبية في الحكم ويطورها وفق ميثاق العمل الوطني الصادر في 14 فبراير/ شباط 2001 بما يتمشى مع الملكيات الدستورية وأوصى بتشكيل لجنة متابعة للملف الدستوري ثم قرر بتبني عريضة تؤكد وتطالب بما تعاقد عليه من دستور 1973 أيام المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة والالتزام بما نص عليه ميثاق الوطني المقر من قبل الشعب البحريني في فبراير 2001 متشبثا بضرورة التزام الرموز السياسية قبيل التصويت وما أعلنوا عنه على لسان جلالة الملك، وفي اعتقادي أن كل هذه التوصيات والرؤى يتفق عليها الجميع حتى الجمعيات التي لم تشارك بل كل مواطن غيور على مصلحة وطنه وكل مثقف يدرك أنه لا تنازل عن تلك الرؤى على الإطلاق وأن المؤتمر لم يضف شيئا يخيف الحكومة وأن الملك يكرر دائما (هدفنا هو توسيع الديمقراطية) ومعنى ذلك أن هناك ضغوطا إما داخلية أو خارجية أو الإثنتين معا ولهذا فهو يكرر ذلك في كل المناسبات وفي اعتقادي كذلك إن بيان الجمعيتين المنسحبتين الوسط العربي الإسلامي والمنبر الديمقراطي التقدمي الذي صدر في 14 فبراير الحالي كان يضم كل هذه الرؤى وأكثر ومن غير ضجة، ولمجرد التذكير بأجزاء مما ورد فيه لتتضح الصورة أمام المواطنين إن ورقتي البيان أكثر تأثيرا وواقعية وطموحا من تعهدات المؤتمرين من قبل الجمعيات الأربع، يقول البيان في جانب منه «وكانت الأنظار متجهة للحفاظ على حالة الوفاق الوطني الشامل الذي عاشته البحرين بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني إذ كان المؤمل أن تعمل لجنة تعديل الدستور على إدخال التعديلات المحددة التي نص عليها ميثاق العمل الوطني وجرى بشأنها التوافق بين الحكم والمجتمع، بتعديل النظام السياسي في البلاد ليصبح ملكية دستورية، وإقامة غرفتين للمجلس الوطني تكون إحداهما منتخبة بالكامل انتخابا حرا مباشرا من الشعب وذات صلاحيات تشريعية ورقابية كاملة، فيما تنحصر مهمة الغرفة الثانية المشكلة من الكفاءات في إبداء المشورة فقط. ومع أن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية الوسط العربي الإسلامي ومعهما جمعيات وشخصيات وطنية أخرى وقفت إلى جانب خيار المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت بعد صدور دستور 2002، لكنهما شددتا على تحفظهما على طبيعة هذه التعديلات، وجعلتا أحد أبرز أهداف الحملة الانتخابية لمرشحيهما رفض هذه التعديلات، والعمل على تصحيح الوضع الناشئ عنها، بتكريس مبدأ الفصل التام بين السلطات الثلاث، وحصر مهمة التشريع في مجلس النواب المنتخب وإعادة النظر في كل المراسيم والتدابير والإجراءات التي تعيق هذا التوجه. ونظرا لأن المشاركة في الانتخابات النيابية لم تشمل جميع فئات الشعب فقد نشأ في البلاد وضع مربك انعكس على العلاقة مع مجلس النواب وعلى مجمل العملية السياسية في البلد التي اتسمت بنوع من الشد والتوتر الكامن. وفي هذا السياق فإن جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وضعتا المسألة الدستورية في صلب مهماتهما سواء في إطار النشاط المستقل لكل منهما أو في إطار تعاونهما الثنائي أو الإطار الأشمل ممثلا خصوصا في ميثاق التنسيق بين الجمعيات الست».

وكم كان رائعا ومشرفا ذلك التصريح المشترك لنفس الجمعيتين اللتين انسحبتا لأسباب أبدتها إعلاميا ما يؤكد إيمانهما بالديمقراطية إذ نذكر جانبا من التصريح والذي تقولان فيه: «وانطلاقا من قناعة الجمعيتين بضرورة توسيع نطاق الحريات العامة، وخصوصا الحق في التعبير والتنظيم، وتمكين قوى المجتمع المدني من طرح مواقفها وتصوراتها عن حاضر ومستقبل مملكة البحرين السياسي، فإنهما تودان تسجيل موقفهما الداعم لحق الجمعيات الأربع الداعية للمؤتمر الدستوري في عقد هذا المؤتمر وحقها في التعبير عن مواقفها ووجهات نظرها بشأن القضايا الوطنية انطلاقا من الدستور ومن روح ميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه شعب البحرين، وتريان أنه لم يكن من الصواب وضع العقبات أمام عقد هذا المؤتمر أو حمل منظميه على تغيير مكان انعقاده، كما تأسفان أشد الأسف لمنع بعض ضيوف البحرين من الدخول إلى أرض المملكة لحضور المؤتمر، وبالأخص أعضاء مجلس الأمة الكويتي وعلى رأسهم الأستاذ أحمد السعدون الرئيس السابق للمجلس والعضو فيه حاليا».

ومهما يمكن من أمر فإنه لا بد من الاعتراف أن الأوراق المقدمة في المؤتمر كانت مهمة وحساسة وتكشف عن وعي مثقفينا وكان من أهم هذه الأوراق ذلك العرض الموجز الذي قدم لرأي المستشار عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية سابقا نستشهد بهذا الجزء الصغير منه إذ يقول: «وإذ صدر دستور 2002 - وعلى ما جاء بديباجة إصداره - وفق مبادئ ميثاق العمل الوطني، وكان إبدال دستور 1973 بالدستور الجديد لا يجوز دستوريا إلا إذا تدخلت الجماهير مباشرة في إقرار الدستور الجديد، وكان المواطنون لم يقروا في الاستفتاء غير مبادئ الميثاق الوطني، عبر عن اتجاههم إلى تحقيق تقدم أفضل في نظام الحكم يتوخى تحديثه وفق القيم الديمقراطية المعاصرة، وليس في هذا الخروج غير مجاوزة مباشرة للتفويض الصادر من الجماهير لإعادة النظر في دستور 1973. ذلك أن السيادة الشعبية حق لها، وهي لا تفوض في مباشرتها إلا في الحدود التي تقبلها. ومجاوزة حدود التفويض، جزاؤها بطلان العمل المفوض فيه. ولا يقتصر هذا الجزاء على بطلان التشكيل الجديد للسلطة التشريعية، وإنما يتعداه إلى كل نص آخر تضمنه الدستور الجديد بالمخالفة لميثاق العمل الوطني كتخويل الملك اختصاص مباشرة سلطاته بأوامر ملكية، وكتخويل رئيس مجلس الشورى صوتا مرجحا عند تساوي الأصوات في المجلس الوطني وكاشتراط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشورى المعين على أي تعديل لأحكام دستور 2002 وكحظر تعديل نظام المجلسين».

سؤالي هذه المرة للقرار من الرابح ومن الخاسر في المؤتمر الدستوري؟ وهل كانت معالجة الجهات الرسمية للقضية حكيمة؟

العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً