احتضنت البحرين، يومي 10/11 فبراير/ شباط 2009، معرض ومؤتمر مفتك (MEFTIC)، الذي يعنى بحلول وبرمجيات تلبي احتياجات صناعة الخدمات المالية بمختلف قطاعاتها، بما يغطي ذلك من خدمات مصرفية، بما فيها الإسلامية، والاستثمارية. تعتبر هذه الفعالية فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، فهي، بخلاف معرض جايتكس الذي يقام سنويا في دبي، والذي يغطي منصة أفقية عريضة ذات علاقة بتقنية المعلومات والاتصالات، تركز عموديا على تقنية المعلومات والاتصالات في علاقتها بصناعة الخدمات المالية. هذا يجعل البحرين مهيأة لأن تحتل خانة مميزة في قطاعين أساسيين من قطاع صناعة الخدمات، وهما المعارض، والخدمات المالية.
من تتاح له فرصة زيارة المعرض، أو المشاركة في جلسات المؤتمر المقامة على هامشه، بوسعه الخروج بملاحظات إيجابية سريعة من بين أهمها:
- سعة قاعدة المشاركة، فقد توزعت أجنحة العارضين بين منتجي التكنولوجيا من أمثال مايكروسوفت وأوراكل، وخاصة الأولى التي خصصت لنفسها جناحا كبيرا نسبيا، ومقدمي الحلول من أمثال شركات مينا إي سليوشن (Mena e Solution )، وآي تي إس (ITS)، أو شركات الاتصال من أمثال ميناتلكوم (MenaTelcom) و2 كونكت (2Connect)، كي نصل إلى مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي من أمثال غارتنر (Gartner).
هذا يعني أن هذه الشركات، ولأسباب مختلفة، وجدت في «مفتك»، وبالتالي البحرين، فرصة تجارية لاينبغي تفويتها بأي شكل من الأشكال.
- غنى المحاضرات والعروض، حيث قدم المتحدثون والعارضون، على حد سواء، موادا غنية، عززوها بتجاربهم الذاتية، كمؤسسات أو كأفراد، الأمر الذي أتاح للزائر فرصة كبيرة للتعرف على احتياجات السوق الحالية وتوجهاتها المستقبلية. ولابد من الإشارة هنا إلى رقي الحوارات التي دارت داخل قاعات المحاضرات أو حتى في أجنحة العارضين، ما يدل بشكل قاطع على تطور ذهنية رجال الأعمال، والمهنيين البحرينيين، في قطاع العلاقة بين التكنولوجيا والصناعة المالية.
- مشاركة شركات محلية، وخصوصا تلك التي لها علاقة بصناعة الخدمات المالية، فقد شاهد الزائر، بالإضافة إلى شركات الاتصالات المحلية، شركات ضالعة في صناعة المعلومات من أمثال شرة «كانو لتقنية المعلومات»، و»كمبيوتر المؤيد»، وأخريات، شكلت في مجموعها حضورا محليا مميزا، يضفي على القطاع المالي في البحرين بعدا محليا مميزا.
هذه العلامات الإيجابية الفارقة، تقلل من أهميتها بعض الملاحظات السلبية التي من بين أهمها:
- ضآلة عدد الزوار، على رغم أن هذا المعرض في غاية التخصص، لكن ذلك لا يبرر، بل لا يستطيع أن يفسر، سبب العدد اليسير من الزوار الذين يصادفهم الزائر يتجولون بين مختلف الأجنحة، التي كان بعضها يكاد أن يكون خاليا، ولفترة طويلة. من الطبيعي أن تخاطب هذه الفعالية النخبة في تلك الصناعة، الأمر الذي يقلص عدد المهتمين بها، ومن ثم الذاهبين لحضورها. لكن حتى لو روعيت هذه المسألة، يبقى عدد الحضور ضئيلا مقارنة بمن يفترض بهم الحضور، ليس من البحرين فحسب، ولكن من دول الخليج المجاورة.
- غياب المؤسسات المالية المحلية، إذ تصيب الدهشة الزائر، عندما يكتشف، بعد تجوله مرات عديدة بين أجنحة العارضين، غياب أي جناح لمؤسسة محلية تقدم خدمات مالية للسوق المحلية أو الإقليمية. تتحول الدهشة إلى مسحة من الإحباط، عندما يصدم بأحد أجنحة مؤسسات غير محلية تعرض خدماتها في «مفتك». مصدر هذا الإحباط هو أننا نعلم علم اليقين، أن هناك مؤسسات بحرينية، ومن بينها مؤسسات مصرفية، تقدم خدماتها المالية، مستخدمة أنظمة متطورة. لا ندعي أن تلك الأنظمة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، أو ربما حتى الأسواق الإقليمية، لكن تبقى، في نهاية المطاف، خدمات متقدمة، قابلة للارتقاء والتطور.
محصلة تلك الملاحظات الإيجابية منها والسلبية على حد سواء، أن «مفتك» في حد ذاته، فكرة رائدة تحمل في أحشائها كل مقومات التطور والاتساع، لكنها كي تحقق ذلك، بحاجة إلى «استراتيجية تنفيذية» جريئة وذات نظرة مستقبلية رائدة، تنتشل «مفتك» من دائرته الضيقة، وتحوله إلى ركيزة أساسية في تطويرالخدمات التي توفرها السوق البحرينية سواء لقطاع المعارض والمؤتمرات أولقطاع صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات.
وعند الحديث عن هذا «التحويل»، فليس المقصود منه إضافة هذه القطعة التجميلية أو نزع تلك، ولا نرمي إلى إضافة بعد كمي يشمل زيادة مساحات العرض أو عدد المشاركين، بل ولا حتى إضافة صفرعلى اليمين لعدد الزوار. المقصود هنا، رغم أهمية تحقيق كل ما أشير له، هو الانتقال بفعالية «مفتك» من كونها نقطة في بحر تقويم الفعاليات التي تحتضنها السوق البحرينية إلى فعالية استراتيجية تضيف بعدا تنمويا استراتيجيا لمثل هذه الصناعة.
الأمر هنا لا يتعلق بقرار وزاري هنا، أو مرسوم هناك. المسألة تتطلب خطة استرتيجية تجيب على مجموعة من الأسئلة الاستراتيجية أيضا مثل:
- ما هي الدائرة التي تطمح البحرين إلى تشبيعها خلال السنوات الخمس المقبلة على مستوى القطاعات الصناعية والتجارية المختلفة؟
- كيف يمكن للبحرين أن تحتل الخانة المتفردة التي تميزها عن خدمات مماثلة تقدمها أسواق منافسة إقليمية أخرى، بل ولربما نذهب أبعد من ذلك كي يكون ما تختاره البحرين مكملا لما هو متوافر اليوم، عوضا عن أن يكون منافسا له؟
- ما هي السبل للنهوض بأداء المؤسسسات المحلية، بما فيها المصرفية، كي تكون مقتنعة بالمشاركة في مثل هذه الفعاليات وأخرى غيرها؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ