العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ

إرهاصات أزمة الإهلية والانتخابات النيابية في إيران

هذه هي البداية وهكذا كانت النهاية (1)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عاشت الساحة الإيرانية وطيلة شهرين خَلَيَا سجالا حادا بين الطيف السياسي الفاعل ومراكز في الحكم على خلفية قيام مجلس صيانة الدستور (سلطة رقابية) برفض اهلية أكثر من ألفي شخص من المترشحين للانتخابات التشريعية السابعة التي جرت في 20 من الشهر الجاري غالبيتهم من المحسوبين على متطرفي الجناحين.

واتسم ذلك السجال بدراماتيكية مُفرطة جعلت من المراقب للشأن الإيراني أن يعيش هو الآخر حالا من السباق الماراثوني المُرهق مع الحدث اليومي للمعركة المحتدمة، فكان عليه أن يتابع التطورات والتبدلات في المواقف بصورة شبه لحظية لكي يلحق (بالكاد) باستحقاقات ونتائج الحدث الساخن، لذا فقد آثرت أن أقوم بعملية سرد مشهدية لما حدث قد تُساعد القارئ الكريم على ترتيب أفكاره بأرخنة متسلسة وعلى ربط وفهم الأمور بموضوعية .

الإصلاحيون واعتراضاتهم

الإصلاحيون يُطالبون المسئولين التنفيذيين والمشرفين على إقامة انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الامتناع عن التعامل الانتقائي مع المُرشحين وضرورة اتحاد جميع المسئولين لتمهيد الأجواء للمشاركة الواسعة للشعب في الانتخابات التشريعية السابعة باعتبارها الأهم، كما دعوا جميع التنظيمات والأحزاب والتكتلات السياسية إلى توفير أجواء من التنافس السليم والنقد البنّاء والمشاركة الواسعة في الانتخابات.

رد المتحدث الحكومي

المتحدث باسم الحكومة الإيرانية رمضان عبد الله زادة يقول إن الحكومة لا تعتبر نفسها مُلزَمَة بتطبيق القرارات غير القانونية لأية مؤسسة، ويجب على جميع التيارات السياسية التي تُؤمن بالدستور أن تُشارك في الانتخابات بحريّة وأن حكومة الرئيس خاتمي متى ما رأت مُخالفة حدثت فإنها ستتصدى لها إذ لا يجوز لأي أحد أن يضع عقبات أمام مشاركة الشعب في الانتخابات، وإن الرفض المتمثل في الأهلية والمبني على الذوق والانتماء الحزبي يُشكّل عقبة أمام مشاركة الشعب في الانتخابات ولذلك سيتم التصدي له، وأن رئيس الجمهورية يُتابع بدقة وبشكل عام جميع القضايا المتعلقة بالانتخابات وسيوجه عند اللزوم التنبيه أو يتخذ الإجراء اللازم لردع أية مخالفة .

مجلس صيانة الدستور ومواقفه

مجلس صيانة الدستور يرفض أهلية 3600 شخص من أصل 8160 أي بنسبة 44,1 بالمئة ممن تقدموا بطلبات ترشيح للانتخابات النيابية السابعة بينهم 82 نائبا حاليا ومثقفون ورجال دين ورؤساء تحرير صحف، كما أن من بين المطعون في أهليتهم أكثر من 618 مرشحا كان مجلس صيانة الدستور قد أكّد أهليتهم في دورات نيابية سابقة و 411 امرأة من أصل 827 وكان المجلس قد استند في إجرائه آنف الذكر إلى البند الأول والثالث من المادة 28 من قانون الانتخابات والمتعلقة بالالتزام بالإسلام والوفاء للدستور الإيراني، كما أن الأنباء تفيد أن بعض من رُفِضُوا هم متورطون قانونيا في دعاوى الانفصال ومن المتعاطفين مع منظمات معادية في الخارج بعد الاضطلاع على حيثيات سِيَرهم الذاتية في كشوفات السلطة القضائية ووزارة الأمن.

اللقاء السري

رئيس مجلس الشورى الإسلامي الشيخ مهدي كروبي ووزير الداخلية السيد عبد الواحد موسوي لاري وأحد مساعدي رئيس الجمهورية يلتقون سرا مرشد الجمهورية الإسلامية قبل ظهر يوم السابع من يناير الماضي لمناقشة الرفض الواسع للمرشحين من قِبَل مجلس صيانة الدستور، وعدد من نواب مجلس الشورى الإسلامي غالبيتهم من حزب جبهة المشاركة المتطرف يبدأون اعتصاما في مبنى البرلمان احتجاجا على قرار رفض الاهلية، ورئيس السلطة القضائية آية الله محمود الشاهرودي يُصرّح بأن القضاء ليس له علاقة برفض أو تأييد صلاحيات المرشحين، كما نفى رئيس عدلية طهران عباس علي زادة إطلاعه على وجود لجنة معادية للإصلاحات في البلاد، مؤكدا أن النظام القضائي في الجمهورية الإسلامية سيلاحق منتهكي القانون والمتصدين للإصلاحات القانونية.

موقف الرئيس خاتمي

الرئيس خاتمي يُشيد بالمجلس النيابي السادس ويصفه بمجلس الإصلاحات، ويقول في كلمة ألقاها في مبنى البرلمان إن إصدار أي حكم يتعلق بحقوق واختيارات الشعب يجب أن يكون على أساس الدستور، ورئيس البرلمان الشيخ مهدي كروبي يقول إننا سنراجع القائد إذا لم يتمكن مجلس صيانة الدستور من تسوية قضية رفض الأهليات، مُضيفا أن نحو 8000 شخص سجلوا أسمائهم للترشيح للانتخابات لكن لجان الإشراف التابعة لمجلس صيانة الدستور رفضت أهلية 3600 شخصا منهم ولم تُعلَن أسباب رفض أهلية 1558 شخصا حتى الآن، فيما أُعلِنَ أن 1224 من هؤلاء لم يكن لديهم التزام عملي بالإسلام والدستور، واصفا التحدث عن النخبة بهذه الصورة بأنه نوع من الاستخفاف بالآخرين، ويدعو إلى إعادة النظر في هذه القضية بأسرع وقت ممكن .

اللقاء مع المرشد

بعد اشتداد أزمة رفض الأهليات الإمام الخامنئي يجتمع بأعضاء مجلس صيانة الدستور ويقول : إن عليكم أن تنظروا إلى عملية التشخيص على أنها حتمية، ولكن لا تُضيقوا دائرة التشخيص كثيرا ولننظر بشكل واقعي إلى ما هو مدى الالتزام بالدستور وبالدين الإسلامي وسائر الشروط مما هو محدد بالنسبة إلى مجلس الشورى، صحيح أننا نعتبر عملية الإحراز حتمية ولكن عادة ما يكون الإحراز اليقيني والعلمي في مثل هذه الظروف ليس ممكنا وكذلك الحال تقريبا بالنسبة إلى الإحراز بما يعنيه من قيام البيّنة، وعليه فإن التشخيص الذي نقصده ليس التشخيص العلمي أو الشرعي بقيام البيّنة بل المراد به هو التشخيص العرفي الناشئ عن القرائن والشواهد لأن القانون مطّاط وذو مدى منطقي، إن أمام مجلس صيانة الدستور فرصة لإعادة النظر فيما حصل فانظروا ملفات الأشخاص واحدة واحدة واحملوا على الصحة حيثما شككتم بعمل من كان منكم أو عمل غيركم فالذين تقدموا مُحرَزِين ما لم يثبت عكس ذلك، فإذا ما ثبت خلافه فلا تسمعوا لقول أي أحد واعملوا بما يثبت، بطبيعة الحال إن الذي ثبت عدم إحراز أهليته بعد أن كانت محرزة شأنا آخر فهو ليس موضع كلامنا ولكن ما لم يثبت عدم إحراز الأهلية فإن الموضع موضع استصحاب الأهلية، فمن كان صالحا في السابق استصحبوا أهليته الآن واستصحبوا الأهلية الآن أيضا إذ هنالك موضع للشك، وهذا ما يخص النواب الذين أحرزت أهليتهم في الدورة السابقة، أما الذين كانوا في الدورات السابقة فلن يكون ثمة موضع للإستصحاب إذا ما كانت أهليتهم قد رُفضت في الدورة السابقة، والذين كانوا في الدورات السابقة ولم يرشحوا بعدها فإن هذا الكلام يجري بحقهم أيضا

إعادة التقييم

أمين عام مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي يقول إن توجيهات قائد الثورة الإسلامية لأعضاء المجلس واجبة الإجراء وليست توصيات، والمجلس يُشكل عشر لجان لإعادة تقييم عمليات التأهيل تُسفر عن تأييد أهلية أكثر من 1002 لغاية الثلاثين من شهر يناير الفائت من أصل 3600 شخص .

رسالة وزير الداخلية

وزير الداخلية يبعث برسالة إلى أمين مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي يدعوه فيها للتقيد بتوجيهات قائد الثورة الإسلامية وإلى تأييد ما لا يقل عن 570 مُرشحا كانت أهليتهم قد أُكّدَت في أوقات سابقة، ولا يُوجد حاليا ضدهم أية وثائق تثبت عكس ذلك، كما أكد وزير الداخلية في رسالته أن المشاورات التي أجرتها الحكومة مع مجلس صيانة الدستور بشأن رفض طلبات الترشيح لم تتمخض عنها أية نتيجة، خصوصا وأن عدد النواب الحاليين الذين رُفضت طلبات ترشيحهم قد ارتفع من 83 إلى 87 نائبا بعد إعادة الفرز، داعيا المجلس إلى تأجيل موعد إجراء الانتخابات ومجلس صيانة الدستور يرفض التأجيل لعدم وجود أي دليل قانوني أو سياسي أو أمني يدعو إلى ذلك .

موقف جبهة المشاركة

مجلس التنسيق لجبهة الثاني من خرداد يقول في بيان أصدره:

إن جبهة المشاركة لن تشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة ويطلب من مجلس الشورى الإسلامي والحكومة بذل جميع مساعيها لإجراء الانتخابات النيابية بشروط قانونية وحرة وتنافسية ويدعو النواب في مجلس الشورى الإسلامي والمعتصمين منهم خصوصا إلى إنهاء اعتصامهم نظرا للدور التاريخي الذي لعبته صرخة احتجاجهم وتظلمهم».

أهلية بعض المترشحين

أمين مجلس صيانة الدستور يُعلن بأن قائد الثورة الإسلامية أيّد أهلية بعض المرشحين الذين رُفِضَت طلباتهم سابقا لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، ويقول : إننا نفّذنا أوامره وقمنا بإضافة أسمائهم إلى قائمة الأشخاص الذين تمّت الموافقة وأبلغنا وزارة الداخلية بذلك، مشيرا إلى أن المجلس سعى إلى عدم إهدار حق أي فرد أو تأييد أو رفض الأهلية من دون مبرر، وكان المجلس قد أيّد أهلية 200 شخص من أصل 380 كانت وزارة الأمن قد أيدت أهليتهم بعد إيكال المُهمّة لها من قِبَل المرشد الأعلى بعد تدخله للمرة الثالثة، ليصل مجموع من اُيَّدت أهليتهم بعد إسقاطها إلى 1206 وعليه فإن عدد المطعون في أهليتهم انخفض إلى 2394 شخصا.

النواب المعتصمون

المتحدث باسم النواب المعتصمين محمد رضا خاتمي يقول إن 70 نائبا التقوا الرئيس خاتمي ورئيس مجلس الشورى الإسلامي مهدي كروبي إذ قدموا إليهما مطلبين رئيسيين وهما الموافقة على ترشيح جميع من رُفِضَت أهليتهم بصورة غير قانونية وتأجيل موعد الانتخابات، وأن أي حل لهذه المسألة يجب أن يعتمد على هذين الشرطين، وعضو المجلس المركزي لمجمّع علماء الدين المناضلين يقول إن مجلس صيانة الدستور لم يُنفذ التوجيهات التي أدلى بها قائد الثورة الإسلامية بشأن إعادة النظر في المرشحين .

رسالة إلى المرشد

الرئيس خاتمي ورئيس مجلس الشورى مهدي كروبي يبعثان برسالة إلى المرشد يقولان فيها إن مجلس صيانة الدستور لم يلحظ توجيهات قائد الثورة الإسلامية بشأن إعادة دراسة أهلية طلبات الترشيح، وإن القائمة التي بعث بها المجلس لوزارة الداخلية تُبيّن أن المذكور لم يلحظ حتى الدراسة التي قامت بها وزارة الأمن على مستوى الخبراء، إلاّ انهما يُؤكدان في الوقت نفسه أن الانتخابات ستجري في موعدها المقرر، والإمام الخامنئي يرد على الرسالة بشكرهما على جهودهما لإقامة الانتخابات في موعدها المحدد

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 539 - الخميس 26 فبراير 2004م الموافق 05 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً