العدد 538 - الأربعاء 25 فبراير 2004م الموافق 04 محرم 1425هـ

المآتم مؤسسة أهلية حيوية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما كتب الباحث اللبناني فؤاد الخوري كتابه «القبيلة والدولة في البحرين» فيالنصف الثاني من سبعينات القرن الماضي خصص فصلا عن المنظمات شبه السياسية، واختار مؤسسة «المأتم» في هذا التصنيف. وتعبير «شبه السياسية» المقصود منه المؤسسة الأهلية التي تلعب دورا سياسيا على رغم أنها ليست سياسية. وكذلك الحال مع باحثة إيطالية كتبت عن المنامة ولجأت إلى دراسة المآتم للتعرف على كيفية تشكل المنامة كمدينة رئيسية ثم باعتبارها عاصمة.

غير أن الخوري عندما ترجم معنى «المأتم»، استخدم تعبيرا في اللغة الإنجليزية يخصص في الغرب لوصف المؤسسات المعنية بتسلم جثث الأموات ووضعها في أكفان قبل دفنها، والوصف هو: (FUNERAL HOUSES). قرأت كتاب الخوري باللغة الإنجليزية أكثر من مرة (قبل ترجمته إلى اللغة العربية) ومررت على هذا التعبير مرات عدة، وفي كل مرة أقرأ التعبير الوصفي يقشعر جسدي لذلك.

فالمأتم في البحرين ليس مكانا لإعداد جثث الموتى، وإنما هو مؤسسة أهلية حيوية تعبر عن حركة في المجتمع، ويضطر كل باحث اجتماعي أو تاريخي أو سياسي إلى أن يدرس حال المأتم في هذه المنطقة أو تلك ليفهم معها أمورا كثيرة عن البحرين، وهو فعلا ما لجأ إليه الخوري قبل أن يكتب كتابه. وتستمد المؤسسة الأهلية شرعية وجودها ونشاطها من الناس مباشرة. ولذلك، وفي أوقات الشدة، كانت أيضا ملجأ للتحرك السياسي عندما تغلق المنافذ السياسية الطبيعية. «المأتم» يطلق عليه أيضا مصطلح «الحسينية» وهو تعبير أدّق، لأن هذه المؤسسة الأهلية تعنى أساسا بإحياء ذكر الإمام الحسين (ع) والمناسبات الدينية المشابهة، وهي أيضا مؤسسة تستخدم في دعم ومساندة الأنشطة الاجتماعية مثل الزواج والتدريس الديني. ولذلك عندما يستخدم مصطلح «المأتم» في البحرين لا يتبادر إلى الذهن ما يمكن أن يتبادر إلى ذهن من يقرأ المصطلح الذي استخدمه الخوري في كتابه القيِّم عن البحرين.

«المأتم» يحتضن «الموكب الحسيني» الذي يخرج في مسيرات عامة تخليدا لذكرى الحسين والذكريات المشابهة، وهذا الموكب الحسيني دخل إلى الساحة السياسية في الظروف الحالكة. ففي مطلع ثمانينات القرن الماضي كان هناك «موكب عزاء الشهيد» الذي خرج سنويافي المنامة لتحدي قوات الأمن ولإحياء اسم الشهيد جميل العلي الذي استشهد في السجن في العام 1980. ولكن الموكب انتهى دوره مع قيام المواكب الأخرى باستيعاب الشباب الذين كانوا يحيونه. وهذا ما يقودنا إلى التعرف على جذور تشكل الموكب الحسيني كتعبير عن حركة اجتماعية مواكبة للاحداث السياسية.

ما يميّز المواكب الحسينية بعد الانفتاح السياسي في العام 2001 هو أن هذه المواكب رجعت إلى لعب دورها الديني والاجتماعي، وقلّلت من دورها المباشر في السياسة. والسبب في ذلك هو أن العمل السياسي أصبحت له قنوات أخرى مسموح بها. ولذلك، لا يشعر المواطن بالحاجة إلى تجيير النشاطات الحسينية للعمل السياسي. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على حكمة جميع الأطراف التي تستوعب متطلبات كل مرحلة وتتحرك من أجل إرضاء ضمائرها وخدمة مجتمعها

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 538 - الأربعاء 25 فبراير 2004م الموافق 04 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً