العدد 537 - الثلثاء 24 فبراير 2004م الموافق 03 محرم 1425هـ

حيوية البحرين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أظهرت البحرين في الشهور الأخيرة، وتحديدا منذ الانتخابات النيابية، حيوية ثقافية - سياسية قل ما نجد شبيها لها في الدول المجاورة أو في الكثير من الدول العربية. هذه الحيوية ثروة وطنية ينبغي المحافظة عليها وتطويرها حتى تتحول البحرين إلى نموذج يحتذى في المنطقة و«مضرب مثل» للمجتمعات الناشطة والجادة في البحث عن موقع ودور في المستقبل. فالنقاش (الجدل) أصل من أصول الحوار وهو يعطي فكرة عن مدى حيوية المجتمع واستعداده لتقبل الجديد ودفاعه عن القديم. فكل المجتمعات التي تتمتع بالنشاط والحيوية تشهد دائما حالات جدل وانقسامات فكرية على طبيعة الجديد المقبل. وكل المجتمعات تتقبل الجديد بعد مرور فترة عليه. فالجديد اليوم هو قديم غدا. وهكذا دواليك.

من طريق الجدل يحدث التطور ومن دونه يدخل المجتمع في «استقرار» يدفع رويدا نحو الكسل الفكري وبالتالي الاستقالة عن الفعل والانفعال. فالجدل هو خاصية الشعوب الحيوية التي تنفعل بالحوادث وتبحث عن موقع لها للفعل فيها.

ظاهرة البحرين فريدة من نوعها حتى ولو اساء البعض فهمها او حاولت فئات معينة استغلالها لغايات لا صلة لها بالموضوع الأصل. فالأصل هو تعزيز الحيوية لضمان التطور وكسب معركة المستقبل. فمن لا يجادل هو من مضى عليه الزمن وتجاوزته الحوادث وأصبح من الماضي. ومن يجادل يعني انه حاضر الذهن وروحه متحركة ولم تقبل الاستكانة والقعود في زوايا النسيان والتفرج على المباراة من مقاعد المشاهدين.

ما يحصل في البحرين من الأمور المفرحة حتى لو خرجت بعض المظاهر عن حدها المعقول وغلّب الانفعال على الفعل والعواطف على العقل. فالنقاش الذي شهدته البلاد على الكثير من القضايا المتنوعة وشملت زوايا مختلفة بدءا من قانون الانتخابات وقانون الصحافة وصندوق التقاعد وصولا إلى حقول لها صلة بالثقافة والأدب والفن والسياحة والرياضة يؤكد نقطة تعتبر ايجابية ولمصلحة أهل البحرين. فأقل ما يقال عن هذه السجالات، وبغض النظر عن قيمتها النظرية، انها تؤكد ان المجتمع لم يفقد حيويته أو قرر القعود وينتظر الفرج.

القعود سمة من سمات المجتمعات التي غابت عن ذاكرتها قوة الملاحظة وحس المراقبة. فالبلدان التي تراقب هي تلك التي تملك مجتمعات اهلية تفتخر بتاريخها ونفسها وتريد ان تتقدم الى الامام بثقة بالذات ومن ضمن الشروط الموضوعية التي يتطلبها التقدم ويفترضها التحديث.

ما حصل ويحصل في البحرين حصل ويحصل في البلدان التي تتميز بالحيوية وبوجود مجتمع مدني - اهلي يتمتع بالحد المعقول والمطلوب للاحتفاظ بهويته من دون التخلي عن الرغبة في التقدم ودخول عصر الحداثة والعولمة.

حتى الآن لايزال النقاش (الجدل) في المجتمعات الاوروبية والاميركية يدور ويواصل دورته بين الآراء المختلفة على قضايا كثيرة. فكل شيء في الغرب (الحديث والمعاصر) عرضة للنقاش والسجال. وهذا من الامور الطبيعية التي تعكس حيوية المجتمع وتعدد وجهات نظره في المسألة الواحدة.

مثلا يشهد الغرب اليوم نقاشا حادا على فيلم ميل غيبسون عن «آلام السيد المسيح». فهناك من معه وهناك من ضده. وحتى الآن لاتزال المسارح تشهد سجالات على منع هذا المشهد او الغاء ذاك. ففي اوروبا اليوم هناك تيارات مع المسرح وضد السينما، وهناك من يعارض الفنون الحديثة (بيكاسو ولوحاته مثلا) أو يعارض الموسيقى الحديثة.

موسيقى الجاز والبلوز وثم الروك اندرول والتويست وغيرها (البيتلز، والرولنغ ستونز مثلا) شهدت منذ مطلع القرن الماضي حتى نهايته سجالات ونقاشات بين رافض لها وقابل بها. وحتى الآن لم ينته الجدل على رغم ان موسيقى الجاز وأغاني الفس برسلي وجون لينون تعتبر كلاسيكية الآن قياسا بما صدر من مدارس جديدة واكثر حداثة من تلك. فالمجتمعات الحيوية هي تلك التي تجادل من دون ان تقصي وجهات النظر لمصلحة رأي واحد.

الاختلاف هو الاصل وإلا كان كل البشر متساوين في اللون والطول والعرض، ولكان العالم ينتمي الى دين واحد وطائفة واحدة ولغة واحدة وجنس واحد. من دون اختلاف (تدافع) ومن دون جدل (سجال) لا وجود للتطور ولكانت الحضارات دخلت منذ زمن بعيد قبور «الموميات» ولتحول الانسان الى مجرد لوحة او مرآة يعكس ما يدور حوله ولا ارادة له في تقرير مصيره.

حيوية البحرين مصدر قوة للدولة وهي ثروة وطنية واعدة وتشير الى علامات ايجابية أقلها ان المستقبل لهذه الجزيرة، حتى لو ظهرت أحيانا في الأفق بعض الالتباسات التي تدل على قلة فهم لتعقيدات الامور او ضعف في التمييز بين الواقع والمرتجى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 537 - الثلثاء 24 فبراير 2004م الموافق 03 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً