العنوان الكبير البارز في كربلاء هو عنوان الشهادة، فكربلاء لم تكن تظاهرة عابرة أو عصيانا مدنيا أو صورة من صور الإضراب،... إلخ من سلوكات احتجاجية نعيشها. «كانت حادثة تضج بالدم، بالإرادة الشهيدة، بالروح الشهيدة...». الإمام الحسين استطاع - بالثورة - أن يخلط الأوراق على يزيد، قلب عليه الوضع السياسي فسقطت الطاولة الأموية وبان المخبوء وانكشف ما تحت الستار. الحسين عشق الشهادة لا لأجل الموت وكي تتحول حركته إلى وظيفة بكائية هنا أو هناك، عشق الشهادة من أجل أن يزرع الخبز في يد الفقراء ويمسح الحزن عن أفئدة من كانوا في المدينة يتضورون جوعا، في الوقت الذي كان فيه يزيد منشغلا بتقبيل القرود وإلباسهم الحرير والذهب. يقول الكاتب نبيل فياض في كتابه «يوم انحدر الجمل» عن مصدر تاريخي: «إن يزيد كان مولعا بقردٍ، أصابته الحمّى، مرض القرد فحزن يزيد، وفّر له كل متطلبات الراحة، لباس، ذهب، عناية، خدمات... لكنه مات. حزن يزيد، بكى عليه، أمر المسلمين بتغسيله ومن ثم الصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين رحمه الله». لعل الإمام الذي صلى عليه أطال في دعائه قائلا: «إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا!». هكذا كان وضع القرود، وفي المقابل نجد أحزمة الفقر تحوط بأرجاء المدينة. هذه المعادلة لم تتغير ولم يخرج الناس من غيبوبتهم السياسية إلا عندما سال دم الحسين. كان الوضع اليزيدي بحاجة - كي يتغير - إلى قداسة دمٍ كقداسة دم الحسين، وإلى رجل بحجم ومكانة الإمام الحسين، لذلك خرج الحسين فكان أشوق إلى الموت من اشتياق يعقوب إلى يوسف، نعم الاشتياق الذي يقود الإنسان إلى أن تبيضّ عيناه من الدمع... أليس هو القائل: «وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف؟».
فالحسين في يوم العاشر من المحرم كلما اقترب من لحظة الشهادة أكثر كان يشرق وجهه أكثر، يزداد بشرا وهو يقترب من مذبح الشهادة، يتلألأ وجهه إشراقا. وبقي وجهه مشرقا حتى بعد أن أثخنته الجروح. بعض ممن أرادوا أن يزرعوا الجريمة، ممن اقتحموا الموقع... اقترب أحدهم من الحسين يريد قتله فتراجع... سألوه: لماذا لم تقتله؟ فأجاب: «شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله»، وآخر قال: «نظرت إليه فلما رأيت عينه تذكرت عين رسول الله».
ورحم الله الشاعر إذ يقول:
فما أجلت الحرب عن مثله
صريعا يجبِّن شجعانها
الظلم ليس انتصارا، وليس في قهر الأمم شجاعة أو فخر، وليس من الشجاعة امتلاك الضعيف سوطا يجلد به أمته، فالأقوياء لا يقاسون بقوة السياط، وإنما القوي هو من يمتلك قوة المبدأ، ومن يعشق العدالة، ومن ينشد الكرامة لأجل ترسيخ مبادئ الإنسانية في هذا العالم. الحسين كان يقول لأصحابه: «من لم يلتحق بنا لن يبلغ الفتح». كان الحسين يرى في قتله فتحا ونصرا على رغم أنه بالحسابات المدنية لم يبقَ لديه شيء، ليست هذه أحلاما أو يتوبيا، ولا يعتقد أحد أن الحسين لم يعمل بمنطق الحسابات الواقعية، بل عمل بها والدليل حواره مع أعدائه، طلبه النصرة من عبدالله الجعفي والضحاك المشرقي وغيرهما، وكذلك إرساله الرسائل والكتابات إلى أهل الكوفة، ولكن كل ذلك لا يعني سقوط التكليف أو عدم وضوح الهدف أو عشق المبدأ ولو كان وحيدا.
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبتْ في مرادها الأجسام
وثائق
بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2003 تم نشر تصريح من إدارة الأوقاف الجعفرية عبر صحيفة «الوسط» ترد من خلاله على مستأجر تخلف عن دفع الإيجارات، فقالت: «لعل أحدا يقول، لماذا لا تساعده الأوقاف؟ فنرد ونقول: بحسب توجيه المحاكم الشرعية لا يجوز شرعا لأحد إسقاط حق الوقف». رد الأوقاف فعلا هو الموقف الشرعي الذي لا خلاف عليه، فلا يجوز أبدا إسقاط حق الوقف، وهذا هو رأي ليس فقط المحاكم الشرعية بل كل الفقهاء. ولكن لنا سؤال نوجهه إلى الأوقاف: لماذا قامت الأوقاف بخفض إيجار أحد المستأجرين وهو المدعو عادل فليفل بتاريخ 30/6/1997، الرقم: 39-385/1997م إذ أرسل مدير الأوقاف السابق رسالة إلى المستأجر عادل فليفل هذا نصها: «إشارة إلى رسالتكم المؤرخة في 24/11/96 المتضمنة طلب إلغاء الإيجارات المستحقة عن استئجار أرضي الوقف الكائنتين في المرخ، وكذلك خفض الإيجار السنوي مؤقتا حتى تتحسن الظروف الاستثمارية، نود إفادتكم بأن طلبكم عرض على مجلس الأوقاف... وبعد دراسته قرر خفض الإيجار بنسبة 25 في المئة بصورة مؤقتة لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات من 1/7/1997م حتى 30/6/2000م. وعليه تأمل الإدارة منكم اعتماد ذلك والتفضل بسداد مبلغ قدره 7000 دينار (سبعة آلاف دينار) إيجار عامين من 1/7/95 وحتى 30/6/1997»
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 536 - الإثنين 23 فبراير 2004م الموافق 02 محرم 1425هـ