العدد 536 - الإثنين 23 فبراير 2004م الموافق 02 محرم 1425هـ

تعليق على إطلاق محطة «الحرة» الأميركية ما ينقص «الحرة»؟

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

أطلقت الولايات المتحدة محطتها التلفزيونية الجديدة باتجاه العرب في محاولة لاستقطاب عقولهم وقلوبهم خصوصا أولئك الذين يجدون في شتم الولايات المتحدة خبز يومهم، وبدأت الأقلام تنتقد «الحرة» قبل أن يمضي أسبوع على إطلاقها، ومهما كان النقد قاسيا إلا أن «الحرة» تحتاج إلى بعض النقد الموضوعي.

هذه المحطة ينقصها حتى الآن لاستقطاب عدد وافر من المشاهدين مجموعة من البرامج أرى أن تفكر فيها مثل:

أولا: ينقصها برنامج تقدمه فتاة حلوة مسدلة الشعر، على أن يكون موعد بث البرنامج ليس في الصباح الباكر، قبل أن يصحوا هؤلاء الذين يكرهون الولايات المتحدة من العرب، لأنهم لا يصحون مبكرين، ولا يبث البرنامج متأخرا إذ يكونون شكلوا رؤيتهم لذلك اليوم من الصحف الكثيرة التي يقرأونها، أنما يكون توقيته بين بين، في وقت تناول القهوة الصباحية (الأوروبية طبعا لان القهوة الأميركية مقاطعة) أما محتوى البرنامج، فهو قراءة الطالع واستحضار النجوم. مثل هذا البرنامج بالتأكيد سيشد الكثيرين من المشاهدين لأنهم يريدون أن يعرفوا ما يخبئ لهم يومهم من أخبار، وليس أفضل من مطالعة النجوم وقراءة الفنجان، إذ إن مثل هذا البرنامج يمكن أن يعرف المشاهدين العرب على أحوال منطقتهم، وان كان ثمة عواصف سياسية أو انقلابات أو حتى توافق عربي - عربي. لان ذلك لا يمكن التكهن به بمجرد معرفة بعض المعلومات السياسية الأولية، فمعرفة ما يجري على الساحة العربية يحتاج إلى تنجيم من النوع الثقيل، هذا البرنامج سيستقطب أيضا ربة البيت العربية إذ تستهويها قراءة النجوم ويكون بذلك برنامجا جيدا للأسرة.

ثانيا: ينقص «الحرة» برنامج حواري ساخن عن الحوادث العامة العربية، ولكن بشرط ألا يفهم المشاهد المسكين على أي شيء يتحاور المتحاورون، ولا ما هي القضية التي يتحاورون فيها، شرط أن يكون مذيع الحوار رجل يتطاير البصاق من فمه في كل مرة يفتحه بالزعيق، ويكون مقدم البرنامج فظا غليظا ذا صوت مبحوح أجش، يحمل المتحاورون ويشجعهم على هذيان اكبر كمية من شتم كل منهم للآخر، مع بعض التلويح بأوراق بيضاء تدَّعى أنها وثائق من هذا النظام العربي أو ذاك، ويستحسن أن يصاحب البرنامج استطلاع رأى مسبق إلكتروني ومعد (لزوم إبهار الجمهور بالتقنية الحديثة) على ألا ينتظر الجمهور بدء الحوار كي يدلي برأيه، فقط يكفي أن تعلن النتائج، ويقوم المذيع برفع يد المنتصر في الحوار، ولا بأس من أجل التشويق أن تنظم مظاهرة صغيرة خارج الاستوديو ( تقوم محطة الـ «سي بي اس» في برامج الطقس بمثل ذلك) من اجل أن تحمل الجماهير المنتصر في المناظرة على أكتافها، وتهتف بالروح بالدم.

لعل ما ينقص المحطة ثالثا برنامج جاد في «تفسير الأحلام» يكون على شاكلة حوار بين مقدم البرنامج، ومتخصصين في تفسير الأحلام العصية ويستحسن أن يكون المقدم نصف متعلم، يتحدث غالبية الوقت ولا يترك فرصة للحضور، ولكن له نظرات حادة ينظر فيها باتجاه الكاميرا. ثم يقوم هذا المقدم بتفسير أحلام الجمهور العربي وان كان بعض الساسة منهم يمكن إقناعهم بالحديث عن (أحلامهم) في هذا البرنامج، فسيكون ذلك زيادة في الشعبية. تفسير الأحلام لها من المشاهدين العرب ما لا يعد ولا يوصف، وهي أحلام، تتراوح بين الثروة الشخصية، وتحرير فلسطين و الإصلاح السياسي، أما أهم موضوع في مثل هذا البرنامج والذي يتوقع أن يستقطب الكثيرين من المشاهدين، فهو كيف تصبح مليونيرا في الأحلام أو كيف تجد وظيفة تكفيك حاجة إراقة ماء الوجه.

وما ينقص «الحرة» رابعا هو برنامج غنائي خفيف مليء بالفيديو كليب ومغنيات ليس بالضرورة صوتهم جميل أو شجي ولكن أهم ما يجب أن يتوافر فيهن هو الدلال والغنج، موضوعا في بنطال ضيق من الجينز وبلوزة تكشف أكثر مما تخفي على طريقة اقصر ثم اقصر، مثل هذه البرامج يمكن أن تستقطب أولئك المتشددين الذين يستنكرون ليل نهار مثل هذه البرامج في محطاتهم التلفزيونية المحلية، ولان هذا البرنامج مرسل من «الحرة»، أي من الولايات المتحدة ( العدوة) فان مشاهدته ومتابعته تعتبر من الضرورات لا من المحرمات، لان اكتشاف ومتابعة ما يضمره العدو من أهم الاحتياطات الواجب اتخاذها لمنعه من تدمير أخلاق الشباب العربي، ومواجهته بالمثل بعد معرفة تكتيكاته.

أما ما ينقص «الحرة» خامسا فهو برنامج حقيقي وفعال للطبخ، وخصوصا ان قام به رجال بكل قيافتهم الكاملة مختلطين بالنساء، فمثل هذه البرامج أثبتت جماهيريتها لدى المشاهد العربي، فالأكل والطبخ وأنواع اللحوم والمعجنات والبقول، هو أهم ما ينقص المواطن العربي، إذ يتمتع بحريات عالية، وبدخل مناسب، وبقدرة كبيرة في الحكم الصحيح على الحوادث والأشياء، إلا أن تفشي سوء التغذية هو المشكلة التي يواجهها المواطن العربي، والحق يقال إن المحطات التلفزيونية العربية لا تألوا جهدا في سد النقص ذاك، إلا أن التغذية على طريقة الولايات المتحدة، والمشاهد العربي يرى كما من الشحوم يتمتع بها المواطن الأميركي، يمكن أن تقدم بعض الفائدة، لتقويم بعض أمراض سوء التغذية. على أن يحذر برنامج مثل هذا حذرا شديدا ألا يذكر، أن اللحوم والطيور المستخدمة في البرنامج مذبوحة على الطريقة الصحيحة الحلال، وأن ليس بها لحوم بقرية لها علاقة بجنون البقر.

أما النقص السادس الذي لا تستطيع «الحرة» أن تقوم به، فهو بث المباريات الرياضية بين الفرق العربية، فهذه المباريات تستقطب عددا كبيرا من العرب، بل إنها الثقافة الشعبية، خصوصا إن كانت بين فريقين لدولتين عربيتين متجاورتين، هنا يمكن أن تمتحن «الحرة» قوة الرابطة العربية من ضعفها، فتجد الحماس منقطع النظير للفريق الوطني، واللعن والشجب للفريق الآخر. ولقد فاجأتنا «الحرة» أنها تعرف كم من الحب يكنه العربي لمشاهدة صراعات كرة القدم فنقلت لنا في أول يوم بث (حرب داحس والغبراء) العربية بين المغرب وتونس في نهائيات كأس أفريقيا، وطافت معنا في شوارع تونس بعد انتهاء المباراة تلك ونقلت الانفعالات التي يكنها العرب لبعضهم!ان قامت «الحرة» بكل ذلك ستستطيع أن تنافس المحطات الفضائية العربية، خصوصا ان استخدمت محللين عسكريين في وقت الشدائد، من شروط مؤهلاتهم الأساسية أنهم خسروا كل الحروب التي خاضوها. فالى «الحرة» يا شباب

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 536 - الإثنين 23 فبراير 2004م الموافق 02 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً