إذا كان المسئولون يعتقدون أن «المؤتمر الدستوري» يدخل ضمن شئون الدولة الداخلية، فإن عليهم أن يوضحوا ذلك بصورة محددة وصارمة للقائمين على تنظيم المؤتمر بأن الدولة ستعيد أي شخص من خارج البحرين إلى دولته إذا قاموا بدعوته، لأن ذلك يعتبر تحديا للمسئولين في الدولة.
لكن المسئولين لم يوضحوا ذلك من البداية وأرسلت الدعوات، وجاء المشاركون إلى البحرين، فبأي حق يعادون إلى دولهم؟ فأنا لم أجد من الأسماء من هو من المغضوب عليهم في دولهم أو في البحرين اليوم. فلماذا يمنعون من دخول مطار البحرين الدولي بهذا الأسلوب الذي أساء إلى البحرين؟ أين هي الحرية والديمقراطية إذن، وكيف لا نحترم شعور قادة الفكر السياسي في دولهم؟ وما هو الضرر في وجود هؤلاء السياسيين ماداموا جاءوا، لنستفيد من خبراتهم مع الحياة الدستورية؟ وخصوصا أن هؤلاء لديهم خبرة في هذا المجال أكثر من البحرينيين الذين تعطلت الحياة الدستورية لديهم منذ السبعينات، والآراء المتنوعة تثري المناخ الديمقراطي، ولا تعد تدخلا في شئون الدولة، لأن قرارات «المؤتمر الدستوري» غير ملزمة. بل إن إعادتهم إلى دولهم ستؤثر على العلاقات بيننا وبين دولهم. ولا ندري ما قصة قائمة الأسماء التي تدعي وزارة الداخلية في الكويت أنها تسلمتها من جهة في البحرين طالبة عدم إدخالهم. فهل يمكن أن يفسر لنا المسئولون في الدولة هذا الإجراء ولماذا حدث؟ وما حقيقة هذا الموضوع بالضبط، لأنه قد يكون رد فعل من وزارة الداخلية في الكويت على منع المواطنين الكويتيين من المشاركة في «المؤتمر الدستوري» الذي أقيم أخيرا.
إننا لم نصل إلى الكمال بعد في تطبيقنا للديمقراطية التي لم يتحقق منها إلا المزيد من حرية الرأي، وبعض الإصلاحات في بعض الوزارات. لكن الوزارات المهمة مازال يحتل وزراء يتم انتقادهم في مجلس النواب والصحافة مناصبهم الوزارية نفسها، بل إن هناك وزراء جددا توقعنا أن يتفاعلوا مع هذه المرحلة الديمقراطية، لكننا وجدنا أنهم في واد تحكمه مصالحهم الشخصية، ووظائفهم الرسمية وواجباتهم في دولة دستورية ديمقراطية في واد آخر. فهم يستغلون مناصبهم لتطوير أعمالهم الخاصة وتفضيل أقربائهم في المكافآت الشهرية في وزارتهم. ويعلم المسئولون أنهم يعملون في أعمالهم الخاصة وهم يعارضون بذلك المادة (28) فقرة (ب) التي تقول: «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى أية وظيفة عامة أخرى أو أن يزاول ولو بطريق غير مباشرة، مهنة حرة أو عملا صناعيا أو تجاريا أو ماليا».
وعلى رغم ذلك فإن هناك بعض وزراء ما بعد (الميثاق والدستور) مازالوا يزاولون أعمالهم الخاصة علنا وباسمه في أوراق رسمية ومن دون مبالاة برأي شركائهم فيما يطلبه من قرارات فردية لا تراعي مصلحة المؤسسة ككل. وعلى رغم أن أحدهم يستخدم وزارته لمصالحه الخاصة، مستخدما أسلوب التسلط والإقالة لمن يعارضه من موظفيه في حال معارضته في المؤسسة التي يملك معهم أسهما بها في الجمعية العمومية فإنه مازال في منصبه، على رغم علم المسئولين بنشاطه الخاص، وهو وزير، ويعلمون أنه يوقع بيع أسهم هؤلاء الموظفين الضعفاء ماديا له بأسعار متدنية لتتم له السيطرة الكاملة على المؤسسة وهم مضطرون إلى ذلك بسبب حاجتهم المادية وإصراره على عدم بيع أرض من أراضي المؤسسة ليتمكنوا من الاحتفاظ بأسهمهم، ولم يتحرك المسئولون بعد لردعه باعتباره وزيرا يمارس نشاطا خاصا وهو في عمله الرسمي، ما دفع بعض هؤلاء الشركاء إلى الدخول في قضايا في المحاكم المدنية، لعدم وقوعهم تحت سيطرته، لوقف ذلك التجاوز الظالم وإعادة العمل بدستور الشركة الخاصة، الذي لم يلتزم به هذا الوزير سواء قبل توليه وزارته أو بعدها. وهو مازال في وزارته ولم يُقال رسميا من منصبه بعد.
ألا يشعر أي إنسان مثقف وواع بالإحباط أمام كل مظاهر الفساد التي لم تتوقف حتى بعد الميثاق والدستور. وتأتي قضية صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعي والتجاوزات التي حدثت لتقض مضاجع واطمئنان الموظفين على مستقبلهم. تلك الطبقة الكادحة التي تأمل في رواتب جيدة بعد تقاعدهم، ليكتشفوا أن أموالهم تم تسليفها لجهات رسمية وخاصة في مشروعات غير مضمونة من دون العودة إلى مجلس الإدارة والجمعية العمومية. هؤلاء دفعوا طوال هذه السنوات من رواتبهم وأموالهم الخاصة لتوفير مستقبل مطمئن لهم ولأبنائهم.
إن ما قام به المسئولون الكبار من منح المواطنين الاطمئنان بأن أموالهم ستعود إلى الهيئتين من مال الدولة لا يكفي، مادام المسئول عن الإفلاس الاكتواري لهاتين الهيئتين لم يُحاسب على ما فعل من تجاوزات قانونية.
فهل بعد كل ما حدث نعتقد أننا لسنا في حاجة إلى أن نتعلم من تجارب الدول الأخرى المتقدمة ديمقراطيا، ونعيد ضيوفنا إلى دولهم؟ هل تمرّ هذه التجاوزات الدستورية في فرنسا وبريطانيا وأميركا وحتى الكويت من دون حساب؟ طبعا لا. فلماذا إذن المكابرة في أننا نعلم ما فيه صالحنا ولا نريد أن نتعلم من الآخرين؟ لنتعلم من غيرنا أساليب الديمقراطية والشفافية والنزاهة والاستقامة التي يدعو إليها ديننا العظيم، وتقوم بتطبيقها الدول الغربية وغيرها من الدول المتقدمة وكانت أساس نهضتهم الحضارية، حتى نستعيد مكانتنا التي خسرناها بسبب الفساد والرشا التي انتفخت بها جيوب بعض المسئولين الرسميين في الدول العربية.
حان الوقت لوقفها وتفعيل دور مجلس النواب الذي يقف على محك التجربة الديمقراطية، إذا استطاع استجواب الوزراء في الجلسات المقبلة عن «من أين لك هذا؟» ولم تُضعِّف الحكومة أداءه بإبراز مادة قانونية تلوح بها الدولة أمام كل محاسبة لمجلس النواب لأية شخصية رسمية أساءت استخدام سلطتها وأثرت ماديا على حساب المواطنين ومصالح الدولة قبل مرحلة الدستور والميثاق.
إننا إذا استطعنا تجاوز هذا الموضوع المهم بعدل وحزم فإن التجربة الديمقراطية ستسير من نجاح إلى نجاح أكبر، وسنكون في طريقنا لأن نكون في مصاف الدول الحضارية، بدل أن نكون كما نحن الآن ضعفاء ومتخلفين في جميع المجالات، ما جعلنا باعتبارنا أمة عربية، بسبب كل ذلك ألعوبة في يد الدول الكبرى المتقدمة، يتحكمون في ثرواتنا ومصائرنا مثلما يشاءون
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 536 - الإثنين 23 فبراير 2004م الموافق 02 محرم 1425هـ