يستعد مجلس وزراء الخارجية العرب إلى مناقشة مبادرات الإصلاح وفق الأسلوب الغربي في اجتماعه في القاهرة في 3 و4 مارس/ آذار المقبل. كذلك سيناقش زعماء الحلف الأطلسي (الناتو) مشروع «الشرق الأوسط الكبير» في قمة اسطنبول في 28 يونيو/ حزيران المقبل.
المناقشات ستدور وفق الصيغ المقترحة في المبادرتين الأوروبية (تقدمت بها المانيا في «قمة ميونخ» الأخيرة) والأميركية (تقدمت بها الولايات المتحدة للدول الصناعية الثماني) لمناقشتها في لقاء سي آيلاند في أميركا.
المبادرتان الألمانية والأميركية تلتقيان على نقاط كثيرة، منها الاتفاق على ضرورة الإصلاح والتحديث ونشر الديمقراطية، وتختلفان على أمور كثيرة منها المراحل والأساليب والوسائل. ففي حين تميل المبادرة الألمانية (الأوروبية) إلى ترتيب المراحل رافضة الحروب وأدوات القوة والعنف، تتجه المبادرة الأميركية إلى تعزيز سياسة القوة من طريق استخدام العنف لتغيير الأنظمة أو تعديل الجغرافيا - السياسية لمنطقة «الشرق الأوسط الكبير».
الدول العربية حتى الآن لم تتفق على رد مشترك، فهي لم تتسلم رسميا تلك المبادرات والمشروعات حتى تعطي رأيها النهائي بها وفق ما أعلنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. وعلى رغم عدم وضوح الرؤية العربية المشتركة فإن هناك ما يشبه الاجماع على رفض الأساليب والوسائل التي اتبعت في أفغانستان والعراق وأعطت نتائج سلبية. فالولايات المتحدة نجحت عسكريا في اسقاط حكومة طالبان ونظام صدام إلا أنها فشلت سياسيا في انتاج بدائل متوازنة (حرة وديمقراطية) تجمع عليها الفئات التي يتكون منها المجتمع الأفغاني (قبلي - جهوي) أو المجتمع العراقي (مذهبي - جهوي).
الفشل في إنتاج دولة بديلة يشكل نقطة ضعف في الاستراتيجية الهجومية الأميركية وربما يكون نقطة انطلاق للدول العربية لإعادة النظر في منهج القوة الذي استخدمته واشنطن وأدى إلى تحطيم دولة من دون أن يقوى على انتاج دولة بديلة.
إلى الفشل هناك الفوضى السياسية - الأمنية التي انتشرت في البلدين وهددت استقرار دول الجوار وأشاعت حالات من الانفلات الأمني الذي يعبر عن نفسه بعمليات عسكرية غير مفهومة أحيانا وتثير أسئلة عن الجهات التي تستفيد منها.
حتى الآن لا يمكن للولايات المتحدة أن تفاخر بنجاحها العسكري. فالعبرة في النهاية في النتائج السياسية. والنتائج تشير إلى أن العنف لم يتراجع، وما يسمى بالارهاب لم يتوقف، والفوضى العامة تضغط باتجاه المزيد من التدهور السياسي الذي قد يؤدي إلى انقسامات أهلية ترسم خرائط جديدة لدويلات صغيرة سواء في أفغانستان أو العراق.
الدول العربية مطالبة في دورة مجلس وزراء الخارجية بأن تعطي رأيها في مشروعات سياسية وأمامها سلسلة نماذج غير مريحة على الصعيدين: الأمني والاقتصادي.
أمنيا الوضع الآن أسوأ من العام 2000، واقتصاديا تبدو الفوضى العامة هي العقبة التي تمنع الاستثمار والتنمية. فكيف يمكن تحقيق النمو في ظل دويلات الطوائف والقبائل في وقت تتجه الأسواق القومية في أوروبا مثلا إلى نوع من الصيغ الاتحادية - القارية. وكيف يمكن تحقيق التقدم الاقتصادي والتطور الديمقراطي في ظل تهديدات أمنية تشكل خطرا على مصادر الرزق والثروة.
الدول العربية مطالبة بالرد على أسئلة المبادرات الأوروبية - الأميركية. وحتى لا يقتصر دورها على أجوبة هي أقرب إلى الامتحان منها إلى كونها مسألة جديّة تريد فعلا انقاذ الوضع العربي وتطويره ونقله من حال التخلف إلى مرتبة متقدمة من التحديث لا بد أن تطرح تصورها المستقل خارج أسئلة الامتحان. فالدول العربية حتى تخرج من عزلتها الدولية مطالبة بالعمل على وضع تصورها الخاص لآليات التقدم والنمو والتحديث... والديمقراطية. وعدم الاكتفاء بالرفض أو نقد تصورات الجهات الدولية.
وضع التصور المستقل (الخاص) هو بداية الخروج من السلبية (ردود الفعل) إلى الايجابية (الفعل). فالرد المقترح لابد أن يبدأ من الخروج من تحت مظلة المبادرات الدولية (الأوروبية - الأميركية) وتأسيس مشروع مبادرة عربية تجدد الخطوات المطلوبة لتحقيق ما تسميه الدول العربية الحق في الاختيار، وحرية التفكير في انتاج وسائل مستقلة للتقدم والنمو من دون الإطاحة بهوية المنطقة وثقافتها وبالتالي التخلي عن نقاط قوتها: الدين، الموقع والثروة.
الدول العربية ستناقش المبادرات المعروضة عليها... إلا أن الأهم هو تحويل الدفاع إلى هجوم انطلاقا من الرد على سؤال: هذا هو المشروع العربي، وهذه هي خصوصيته وأدواته وهويته؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 536 - الإثنين 23 فبراير 2004م الموافق 02 محرم 1425هـ