سأعتبر نفسي هنا معنيا بالحوار مع الأخ النقابي إبراهيم القصاب عما أصبح يعرف بموضوع (نائب الأمين العام) في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، لا مع خالد العرادي. فالأخير دخل على الخط في مسألة لم تكن أصلا مكان خلاف إطلاقا بينه وبين الزملاء في الأمانة العامة وحديثه عن المسألة هذه الآن مستغرب، بل لا مبرر له.
فكل ما كان هذا الأخير معنيا به هو حقه في الحصول على منصب أمين العلاقات الخارجية وهو منصب لا أشك في قدرته على تسنمه، ولكن أشير فقط من باب أمانة الضمير التي سيحاسبني عليها الله قبل الناس إلى أن خالد العرادي لم يثر إطلاقا ولا حتى بالتلميح إلى مسألة نائب الأمين العام بل كان ممن وافقوا على المنصب وعلى صاحبه من دون أدنى معارضة وبكل قبول وارتياح. وبالتالي فأنا هنا لا أعتبره أصلا معنيا بالحوار عن الموضوع، ولو اشترك مع القصاب في بيانهما عن المسألة المذكورة.
أما إبراهيم القصاب فأعرب دائما أنه كان في كل مداخلاته حتى السابقة على تشكيل الاتحاد العام التي كنت أقرأها غالبا، يبدي حرصا واضحا على التدقيق في النصوص وعلى تطبيقها من وجهة نظره، وإن اختلفنا معه في بعض الرؤى اختلافا حادا، وسواء أصاب أم أخطأ، فلا يمكن إنكار هذه الميزة في أطروحاته فليس فيها طغيان للجانب الشخصي، أو مزاجية فاحشة جدا كالثاني، ويمكن القول إن وجه التباين الرئيسي بين القصاب والعرادي هو أن الأول يعنى بالنصوص أما الثاني فيعنى بالشخوص.
وبالتالي فإن حوارنا مع الأول ممكن طالما كنا نبحث عن اختلاف القراءة والتفسير وغير ممكن مع الثاني.
يبقى إذن أن أعود إلى الموضوع الأصلي وهو الحوار مع الأخ إبراهيم القصاب عن هذا الإشكال الذي اعتبره الأخ إبراهي دستوريا وأنا هنا أعتبره إجرائيا فقط، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية معه.
على رغم ما يشاع من أن المنصب المذكور اتفق مسبقا عليه حتى انه مرّ مرور الكرام من دون أدنى مناقشة واختلاف كما قال، فإنني أؤكد أن هذا المنصب بالذات حظي بالقسط الأكبر من المناقشة عند التوزيع، للتأكد من وروده ضمن تعديلات المؤتمر التأسيسي على مشروع دستور الاتحاد، ومع ذلك كان لكل مبرراته في وضع المنصب، فبالنسبة إلى القائلين بوروده مستقلا كاقتراح في المؤتمر محال إلى الأمانة العامة كان الأمر واضحا، وبالنسبة إلى القائلين بغير ذلك، لم يكن هذا المنصب يحتاج أصلا إلى مثل هذا التعديل في المادة (14). في الحقيقة - وهذا رأي شخصي فقط - أن حجة اعتماده في مقترحات المؤتمر وهو احتمال مختلف عليه، هناك ما هو أقوى منها بكثير من الناحية الدستورية من جهة، ومن ناحية قرارات المؤتمر من جهة أخرى.
فمنصب نائب الأمين العام (أو القائم بمهماته) هو أصلا جزء من الدستور ومن المادة (16) تحديدا، فهو جزء من بند الأمين العام إذ نص الدستور على أن من حقه تفويض من يقوم بصفة دائمة أم مؤقتة ببعض مهماته، وإذا كانت صفة (مؤقتة) معنية فقط بغيابه كما هو واضح فإن صفة (دائمة) تعني إيكال خلق هذا المنصب إلى الأمين العام ليكون نائبه معروفا تلقائيا عند غيابه. ومع ذلك فإن الأمانة العامة وسعت دائرة القرار في هذا المنصب الخطير بجعله محل موافقة جميع أعضاء الأمانة العامة وليس بتفويض من الأمين العام وحده، وهو ما يؤكد اختلافنا مع أخينا إبراهيم القصاب في اعتبار هذه التوزيعة وخصوصا في هذا المنصب مركزية مرتبة ضد أحد.
فالخلاف إذن معه ليس في الحقيقة على وجود هذا المنصب دستوريا بل فقط عن ديمومته من جهة وشموليته لكل المهمات من جهة أخرى، وهو ما أوضحناه أعلاه.
نأتي إلى النقطة الأهم وهي أن المادة (16) الآنف ذكرها أحالها المؤتمر بأكملها لتقدمها الأمانة العامة بما تراه مناسبا كمقترح إلى المجلس المركزي للمناقشة والتصديق، وهذا هو فعلا ما اتخذته الأمانة العامة في ختام اجتماع للتوزيع، فتكون المهمات الحالية مهمات تسيير يحتاج إليها الاتحاد ريثما ينعقد أول اجتماع للمجلس المركزي في الفترة المقبلة.
آمل أن أكون وفقت في توضيح الإشكال المذكور، منوها أخيرا بأن المؤتمر التأسيسي أقر ضمن مواد دستور الاتحاد أن النقابيين يحتكمون إلى هياكلهم في حال وجود أي نزاع، وأن الأخ إبراهيم القصاب وبعض الإخوة كانوا من الذين أكدوا صلاحيات هذه الهياكل وخصوصا هيكل المجلس المركزي، وبالتالي فينتظر منهم التريث ريثما يحال هذا الموضوع المتنازع عليه، لهذا الهيكل ليحكم فيه بما يراه مناسبا في أول اجتماع له. فحتى مع ضرورة عقد مؤتمر استثنائي كما تبرع أحد الصحافيين بالتنويه، لن يكون ثمة مقر من العودة إلى المجلس المركزي الذي هو من يقرر ذلك، بغالبية ثلثيه. وأعتقد أن هذا الاختلاف وليس الخلاف مناسبة مهمة ليقدم الاتحاد العام نموذجا إلى مؤسسات المجتمع المدني في كيفية إدارة خلافاته من داخل هياكله ووفقا لصلاحياتها المعتمدة. وإلى أن تقوم هذه الهياكل وخصوصا المجلس المركزي بمهماتها في الفترة القريبة المقبلة، لا مناص من الالتفاف حول قيادة الأمانة العامة ودعمها للتعاطي مع ملفات العمل النقابي.
ومرة أخرى أعوّل على فهمي المتواضع لتوجهات الأخ إبراهيم القصاب التي هي نابعة في نظري من قراءة مختلفة للدستور والمؤتمر، لا من اختلاق أوراق ضغط كالأخ خالد العرادي، فهي إذن قراءة لا أصادرها بل أحترمها كل الاحترام ولو اختلفت معها بالتأكيد
العدد 535 - الأحد 22 فبراير 2004م الموافق 01 محرم 1425هـ