حذر رئيس بعثة الامم المتحدة الى العراق الاخضر الابراهيمي من نشوب حرب اهلية في العراق، ويندرج تحذير الابراهيمي في خط تخوفات عربية ودولية، ترددت في الاشهر القليلة الماضية من احتمال اندلاع حرب اهلية، بل ان بعض تلك التخوفات رسمت ملامح لحرب تشبه الحرب الاهلية في لبنان، او تتماثل مع ما شهده الصومال من حرب اهلية، إذ جرى استخدام تعبيري «اللبننة» و«الصوملة» في مجرى التخوف من احتمالات تطور الاوضاع في العراق.
وعلى رغم ان العراقيين بمختلف تلاوينهم، اظهروا منذ الحرب الاميركية على العراق حرصا شديدا على تأكيد وحدتهم في مواجهة احتمالات حرب اهلية، ورفضهم لفكرتها على نحو ما ذهبت تأكيدات قادة السنة والشيعة العراقيين، فإن التطورات التي يشهدها العراق حاليا، تؤكد تصاعد احتمالات الحرب الاهلية نتيجة تزايد مداخل العراق عليها، وهي مداخل تتعدى العراقيين، لتتصل بالخارج الذي يحيط بهم سواء في مستواه الاقليمي او الدولي، وكله يجعل حربا اهلية محتملة في العراق، تتجاوز تسميتها العراقية بحصر المعنى، لتصير في احد وجوهها حربا خارجية بأدوات عراقية على نحو ما كانت الحرب اللبنانية في إحدى صفاتها.
ان الابرز في مداخل الحرب الاهلية في العراق، يكمن في سياسة المحتلين من قوات التحالف وخصوصا سياسة الولايات المتحدة، التي مازالت غير راغبة في ايضاح سياساتها في العراق، ورسم مستقبل للعراقيين. وكما هو من غير الواضح فيما اذا كانت قوات الاحتلال ستسلم السلطة للعراقيين كما هو معلن في يونيو/ حزيران المقبل، فإنه من غير الواضح أيضا، طبيعة السلطة التي ستقام في العراق، وكذلك فإنه من غير الواضح طبيعة العلاقات التي يمكن ان تنشأ بين السلطة العراقية المرتقبة والولايات المتحدة، وكذلك حال مستقبل الوجود العسكري الاجنبي وخصوصا الاميركي في العراق، وكله يجعل من العراق في مستقبل مجهول، ما يدفع العراقيين بما في ذلك نخبتهم للتخبط السياسي، ويجعلها عرضة للتأثر بكل ما يحيط بها من تطورات سواء كانت داخلية او اقليمية او دولية.
والمدخل الثاني للحرب، يكمن في واقع الانقسامات العراقية، التي تزايدت الى حد لم يعد هناك رابط يحكمها سوى كلمة العراق، التي تأخذ معاني مختلفة ومتباينة عند كل واحدة من الجماعات، ولعل اهم الانقسامات تبدو في انقسام مسلمي العراق، وانقسام العراقيين بين عرب واكراد وتركمان وآشوريين، وانقسام العراقيين في موقفهم من الاحتلال، إذ يتوافق بعضهم مع سياسة الاحتلال ويناهضه آخرون، بل ان انقسامات العراقيين تمتد الى ما هو ابعد، كما في حال انقسام شيعة العراق من سياسة الاحتلال، كما في الموقف سابقا من موضوع الانتخابات، وضرورة إجرائها قبل تسليم السلطة للعراقيين.
وتمثل الخلافات على موضوع طبيعة الدولة العراقية مدخلا ثالثا للحرب الاهلية، إذ هناك من يرى ان الدولة العراقية، ينبغي ان تكون دينية، كما ترى غالبية القيادات الاسلامية، وهو ما يعني استبعاد العلمانيين العراقيين من المعادلة السياسية، أو دولة قومية فيدرالية طرفاها العرب والاكراد في اتحاد كيانين احدهما كردي في الشمال وآخر عربي في بقية العراق، وهذا يعني ابعاد الجماعات القومية الاخرى من التركمان والآشوريين من الدائرة ودفعهم الى دائرة التهميش السياسي.
ان حال العراق في ظل غموض المستقبل، وفي ظل انقسامات العراقيين، وغياب مرجعية تجمعهم وتشد وحدتهم، تجعل من احتمالات حرب اهلية في العراق امرا قائما وممكنا، ولعل ما يغذي ذلك غياب توافق دولي واقليمي على مستقبل العراق. ففي الوقت الذي تستمر الولايات المتحدة وشريكتها بريطانيا في تعويم مستقبل العراق، فإن الدول المجاورة لها مواقف متباينة من مستقبل العراق، فهي وان اتفقت على مبدأ وحدة العراق على نحو ما تظهر مواقفها في الاعلانات السياسية معبرا عنها في مواقف وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق، فإن في مواقفها التفصيلية متناقضات، لا تجد لها حلولا من طراز ميل ايران الى دور أكبر للشيعة في العراق، مقابل ميل معظم الدول العربية الى دور أكبر للسنة، في حين ترى تركيا ضرورة تحجيم الطموحات الكردية في العراق، واعطاء دور أكبر للتركمان هناك، وكله يمكن ان يتجسد في سياسات متناقضة في واقع عراق اليوم وتحديد مستقبله.
ولاشك في ان وقائع العراق الداخلية، وما يحيط بها من تأثيرات خارجية دولية واقليمية، تدفع العراقيين في مستقبل مجهول، قد تكون الحرب الاهلية بين عوامل يمكن ان تعيد رسم معالمه، ما لم تتدخل القوى الفاعلة الداخلية والدولية والاقليمية بقوة من أجل صوغ تفاهمات وتقاربات تجنب العراق والعراقيين دورات من الدم والضحايا نتيجة الحرب الاهلية، وتشكل عمليات العنف الحالي في العراق واحدة من مقدماتها
العدد 535 - الأحد 22 فبراير 2004م الموافق 01 محرم 1425هـ