في الأعوام الماضية، كان المنحرفون يشغلون حيزا من الشوارع، ويجلسون على عتبات البرادات، ويشربون ما يشربون، على مرأى من المارة، لا يخافون الله ولا الناس...
وعلى رغم بشاعة الصورة بكل ما تحويه من تفصيلات، وعلى رغم وحشية منحرفي تلك الفترة الغابرة مع بعضهم بعضا، إذ كثرت حوادث قتل مدمني المخدرات. و«اللوفر» هي الكلمة التي عرفناهم بها، وكانوا يجوبون في القرى، يتبادلون الممنوعات، ويمارسون ما يمارسونه ولكن مع بعضهم بعضا في غالبية الأحيان.
ويقول البعض إن زمن «اللوفرية» ولى. زمن ذهب وذهب برواده، ولكن ما يحدث اليوم يمنينا لو أن ذلك الزمان يعود بمساوئه، يعود بكل ما يحويه، لأن منحرفي ذلك الزمن كانوا يؤذون أنفسهم في الأعم الغالب، وكانوا واضحين للعيان، ويقولونها بكل صراحة، «نحن منحرفون» يا ناس، والجميع يعرف أنهم كذلك، ولكن لم يكونوا ليؤذوا أبناء قريتهم مع أن لكل قاعدة شواذ - ولكن ما نراه هذه الأيام يختلف عما شاهدناه بكثير.
منحرفون يرتدون لباس العفة، يرتدون قناع المكر والخداع، يوهمون الناس ويخدعون أنفسهم. لقد كثرت حوادث الاعتداء على الأطفال في الآونة الأخيرة، معتدون لم تعرف هويتهم، معتدون يختارون ضحاياهم بكل خبث ودناءة نفس، ولم يستثنوا المجانين والمختلين عقليا من قوائمهم... والأدهى والأمر والأكثر إيلاما للنفس، أن الكثير الكثير من الفتيات صغارا وكبارا، ثيبات وأبكارا تعرضوا لحوادث حكمت على حياة الكثير منهم بالهلاك، وبقيت بعضهن عوانس طيلة أعمارهن.
والقائمة تطول والحوادث تشجي القلوب، كم من صبي ذهب ضحية نفس خبيثة، وكل ذلك لأن «من أمن العقوبة أساء الأدب». وكلما تساهلت السلطات مع أمثال هؤلاء كلما ازدادوا عتوا وأصروا على أعمالهم. لماذا يغيب تشريع الدين الحنيف؟ لماذا لا تطبق الشريعة؟ ولماذا ولماذا ولماذا...
وهل يظن أصحاب الكراسي الكبيرة أنهم غير محاسبين، وهل أمنوا ألا يسلط الله شيطانا على أحد أبنائهم ويفجع قلوبهم... ألا يخافون من العقوبة. ولكن الخلل لا يكمن في أصحاب الكراسي فقط، فالمجتمع بكل ما فيه يتحمل جزءا من المسئولية، وحين يقول كل فرد إن ما يحدث لا يهمني مادام لم يصل بابي، فإن القادم أكثر وأكثر بشاعة. ونتساءل: هل عاد قوم لوط؟
وكما جاء في الحديث القدسي «لولا بهائم رتع، وأطفال رضع، وشيوخ ركع لخسف الله الأرض بمن فيها» بسبب الجرائم التي يرتكبها بنو آدم في كل يوم
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 535 - الأحد 22 فبراير 2004م الموافق 01 محرم 1425هـ