في مبادرة ذات هدف اجتماعي مقدّر، اقترح النائب عبدالعزيز الموسى خفض ساعات العمل في القطاع الحكومي بواقع ساعة واحدة، ليدخل على خط الهدف الاجتماعي هدف آخر هو ايجاد فرص عمل جديدة.
لكن بنظرة سريعة للمعطيات التي يتحتم النظر اليها بامعان قبل أخذ هذا الاقتراح في الاعتبار يتضح أن عدد الموظفين في القطاع الحكومي يبلغ نحو 73 ألف موظف (34 الف مدني و39 ألف عسكري بحسب دراسة «مكنزي» الاخيرة) ويمضي هؤلاء مليونين و646,2 ألف ساعة عمل أسبوعيا (36,25 ساعة أسبوعيا للموظف الواحد)، ويخفضها الاقتراح الجديد الى مليونين و281,2 ألف ساعة أسبوعيا (31,25 ساعة للموظف الواحد أي بمقدار16,7 ساعة أسبوعيا أقل من نظرائهم العاملين في القطاع الخاص).
وهذا الخفض سيترك 365 ألف ساعة عمل أسبوعيا بحاجة الى 11 ألفا و680 شخصا لانجاز الأعمال التي كان يجب أن تنجز خلالها، ومن هنا اقترح النائب الموسى أن يتم توظيف موظفين جدد لتلبية هذه الحاجة التي ولدها الاقتراح، وقدر النائب - الذي يبدو أنه كان يتحدث عن القطاع المدني فقط - عدد الفرص المتولدة من خفض ساعات العمل فيه بأكثر من 5000 فرصة عمل.
ومن المعطيات الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار أن قيمة الرواتب (الأجور) تشكل نحو 70 في المئة من اجمالي المصروفات المتكررة في موازنة الدولة وتشكل 50 في المئة من اجمالي مصروفات موازنة الدولة وهذه النسبة مرتفعة الى درجة القلق اذ يجب ألا تزيد هذه النسبة عن 30 في المئة من اجمالي المصروفات.
وفي مقابلة سابقة مع وزير المالية والاقتصاد الوطني عبدالله سيف قال: «ان هذه النسبة مرتفعة وربما يكون اللجوء الى التخصيص حلا لمعالجة الارتفاع الكبير في هذا الباب مثل تخصيص الكهرباء أو بعض الخدمات الأخرى التي ينتقل معها جزء من العمالة من القطاع العام الى القطاع الخاص ولتشجيع هذا الانتقال أقرت الحكومة برامج التقاعد المبكر الالزامي».
أما اذا تحدثنا عن الانتاجية فان هذا الاقتراح يبتعد كثيرا عن الواقعية فخبير الانتاجية أكبر جعفري يؤكد أن معدل الانتاجية في القطاع الحكومي لا تزيد عن 30 في المئة وهذا المعدل ما كان ليبلغ هذا المستوى لولا وجود بعض الوزارات الفنية والهندسية التي يعمل موظفوها بمعدلات انتاجية مرتفعة نسبيا، ولكن وجود ادارات خدمية وادارية اتضح أن معدل الانتاجية لديها بالمعيار الشمولي كان سالبا، سيظل عاملا جاذبا لهذه النسبة - المنخفضة أصلا - الى مزيد من التدني.
هذه المعطيات مجتمعة تدفع بقرار الموسى - وبغض النظر عن آثاره الاجتماعية الرائعة على جميع الأصعدة - الى خارج حدود الواقعية، وتقترح الاتجاه بالأنظار عوضا عنه الى التفتيش عن سبل لتنمية الاستثمارات التي في النهاية هي الوسيلة الأنجع لخلق فرص عمل وتوفر حلا راسخا وبعيد المدى لأزمة البطالة المزمنة
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 535 - الأحد 22 فبراير 2004م الموافق 01 محرم 1425هـ