العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ

السياسة وتسييس العمل النقابي

أنور الحايكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن المأزق الذي وقع فيه الاتحاد العمالي إثر استقالة النقابي إبراهيم القصاب بعد يومين من انضمامه رسميا إلى الأمانة العامة وجاءت بعد استقالة النقابي خالد العرادي للأسباب ذاتها وهي خرق الأمانة العامة للنظام الأساسي للاتحاد باستحداث منصب نائب الأمين العام الذي جاء بإملاء من الجمعيات السياسية لتحقيق توازنات سياسية فضلا عن عدم مشروعية هذا المنصب الذي لا ينص عليه النظام الاساسي للاتحاد يشكل أحد تجليات «تحزيب العمل النقابي» وما يترافق معه عادة من اتفاق على قوائم معينة وآليات لإقصاء الافراد والأفكار والتيارات العمالية المخالفة وتجاوزات للنظام الاساسي والسعي من أجل قسمة «عادلة» للمناصب بين الأطراف المتحالفة لتكريس مركزية مطلقة للأمانة العامة.

الموقف الأول: تحزيب العمل النقابي

ويخطئ من يسطّح مشكلة الاتحاد العمالي معتبرا إياها مجرد تنافس على مقاعد أو مناصب كما يحدث عادة في أية انتخابات أو أحد أوجه (التسييس البسيط للعمل النقابي). فما تواجهه الحركة النقابية في البحرين ربما أكثر تعقيدا من ذلك فعملية الاستحواذ السياسي في الحال البحرينية الشديدة الخصوصية، تعرض العمل النقابي لخطر التقسيم بغض النظر عن الأطراف أو القوى التي تقوم بذلك ومهما كان رصيدها الشعبي. فحين تحاول هذه القوى في البداية السيطرة على الأمانة العامة بتجاوز دستور الاتحاد ومن ثم فرض توجهاتها السياسية وأجندتها المتشددة فإن ديناميكية الفعل ورد الفعل سيدفع النقابات والتيارات العمالية المعارضة لممارسة حقوقها النقابية ومنها الاحتجاج والاستقالة والطعن في شرعية قرارات الأمانة العامة ما سيؤدي بدوره إلى إرباك العمل النقابي وإلى الخلاف والانشقاق وهدر الطاقات والجهود في جدالات ونقاشات نقابية وقانونية وسياسية وما سيترتب على ذلك من إغفال للدور المهم الملقى على عاتق الحركة النقابية وهو الدفاع عن مصالح عمال البحرين.

وما يدعم توقعاتنا لشكل هذا الاتحاد وآلية عمله التي تتسم بالمركزية وتغليب السياسي على النقابي هو إهماله لدوره كأحد مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن مصالح العمال في قضية حيوية مثل قضية التجاوزات الإدارية والمالية في هيئتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية إذ لم نسمع بأي تصريح أو بيان يدعم الجهود التي بذلتها لجنة التحقيق البرلمانية أو على الأقل يثبت موقفه، ما يظهر الاتحاد وكأنه غير مبال بهذه القضية بل ويتهم من يحاولون إبداء تقديرهم لدور هذه اللجنة بأنهم يلعبون (أدورا مشبوهة). وهذا يعكس باعتقادنا مراهقة سياسية وضيق أفق وخضوع لأطراف سياسية تملي على الأمانة العامة توجهاتها بما يتلاءم مع الخطاب السياسي لهذه الأطراف وسيؤدي استمرار هذا الوضع إلى أن يلعب الاتحاد دور الناطق الإعلامي لجمعيات أو أحزاب سياسية وإلى تهميش أي دور للجمعيات العمومية للنقابات وبمرور الوقت ستفقد القواعد العمالية سيطرتها على اتحادها النقابي فضلا عن فتور حماسها للمشاركة.

الموقف الثاني: تسييس العمل النقابي

أن استغلال الحركة النقابية كإحدى أدوات الضغط في الشأن السياسي ليست مسألة جديدة وقد لجأت له مختلف القوى والتيارات بما فيها القوى الانتهازية والحكومات. ومن الإشكاليات والأخطاء الشائعة تجاوز الأهداف الاساسية التي قام من أجلها الاتحاد ونزع صفته المهنية عنه وإسباغ طابع سياسي بحت عليه وبتبسيط أكثر هناك الكثير من المشكلات ذات طابع مهني ولا يجوز طبعها بطابع سياسي بربطها بقضايا وملفات سياسية ذات أبعاد مختلفة وتحتاج للكثير من الوقت لأن ذلك سيؤدي إلى تأخير عملية إيجاد الحلول الناجعة التي كانت في متناول اليد لولا هذا الربط القسري. ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لنستشف من مواقف الأمانة العامة للاتحاد وعدم تفاعلها مع قضايا تهم كل فئات الشعب وفي الدرجة الأولى العمال والمهنيين وتعتبر من صميم أهداف الحركة النقابية. أن هذا الاتحاد بارتهانه للسياسة الحزبية المقاطعة إنما يعزل الحركة النقابية عن الحراك السياسي الإيجابي المرتبط بالادوات والآليات الدستورية ويعوقها عن أداء دورها المفترض ويرميها في أحضان الجمعيات السياسية المقاطعة التي عزلت نفسها عن القوى السياسية الأخرى التي تدعم مطالباتها الدستورية من حيث المضمون ولكنها تختلف معها على الآلية التي تقترحها وتروج لها من خلال تنظيرات وخطاب متشدد في تعامله مع الواقع السياسي الراهن ما ينبئ بتصادم وشيك. وهذا يعني أننا بصدد مهاترات إعلامية وكلامية وربما قانونية تدور رحاها بين الأمانة العامة للاتحاد والنقابات المعارضة وأجهزة السلطة التنفيذية والجمعيات السياسية ومجلس النواب تستنفذ الكثير من الوقت والجهد والطاقات. وليس لدينا من الاسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن الأمانة العامة المرتهنة لهذا الخطاب المتشدد لن تقوم باستغلال أية قضية نقابية أو مهنية بربطها بملفات سياسية تتبناها هذه أو تلك من الجمعيات السياسية المقاطعة لضمان تحشيد وتعبئة الشارع لمساندة مواقفها. فكل المؤشرات والسوابق تشير إلى ذلك.

الموقف الثالث: أسئلة

ألا يحق للرأي العام أن يعرف موقف الأمين العام للاتحاد النقابي من خلال إعلان صحافي واضح وصريح عن موقفه الشخصي وموقف الاتحاد من التعاون مع مجلس النواب أو أي نائب برلماني في أية قضية تمس العمال وحقوقهم. وثانيا: هل الأمانة العامة على استعداد لإلغاء منصب نائب الأمين العام غير المنصوص عليه في النظام الأساسي للاتحاد أو إثبات أن استحداثه تم بشكل قانوني لتجاوز هذه الأزمة؟ ثالثا: ألا تحل الفقرة الرابعة من المادة (16) من النظام الأساسي التي تعطي الحق للأمين العام أن يفوض أحد أعضاء الأمانة العامة للقيام بمهمات معينة بصورة دائمة أو مؤقتة الإشكال القائم؟

أشك في ذلك وأرجو أن أكون مخطئا! أولا: لأن إعلان الأمين العام سيعني اعتراف الأمانة العامة التي ينتمي جميع أعضائها إلى جمعيات مقاطعة بمجلس النواب وهذا سيخلق إزدواجية سياسية بحسب وجهة نظرهم. وثانيا أن إلغاء منصب نائب الأمين العام سيخل بالتوازنات التي من أجلها استحدث هذا المنصب الذي يكشف في أحد جوانبه عن انعدام الثقة بين الجمعيتين المتحالفتين حين تكونان أمام نتائج إنتخابية يفترض أنها تمت بشكل (ديمقراطي) واستحقاقات تتطلب التضحية بالمصالح الحزبية الضيقة والترفع عن اللهث وراء المناصب من أجل الصالح العام. وهذا ما يؤكد بأن العلة ليست في منصب نائب الأمين العام فقط بل في عدد الاصوات لكل جمعية؟

الموقف الرابع: نصائح للرضيع

عادة تُنصح الأم المرضعة بتنويع مصادر غذائها لإكساب الحليب جودة وفائدة أكبر ولكننا في هذه المرة سننصح (الرضيع). فجودة الحليب الذي تحصل عليه الأمانة العامة من جمعيات المقاطعة التي تنام وتصحو على وجبة واحدة هي دستور 1973 وآلية واحدة للمضغ هي آلية المقاطعة لا يمكن أن تدر حليبا صحيا ومفيدا لا للواقع السياسي الراهن ولا للحركة النقابية، ولهذا فإن المهتمين بالشأن النقابي يخشون على هذا الاتحاد إصابته بمرض «هشاشة العظام» ما سيجعله غير قادر على مساعدة العمال. ولهذا فإن الأمانة العامة عليها أن تراجع مواقفها وأن تبعد هذا الكيان العمالي عن المناورات السياسية وأن تضع مصالح العمال وخدمة قضاياهم فوق أي اعتبار. فاستقالة عضوين من الأمانة العامة والبيان الذي أصدرته شخصيات وطنية لا جدال في وطنيتها وتاريخها يحتم على الاتحاد العمالي أن يتخذ موقفا شجاعا بإلغاء المنصب المستحدث وبنبذ المركزية المطلقة وسياسة الإقصاء وببدء الحوار مع جميع النقابات والنقابيين على قاعدة أن العمال هم المصدر الشرعي لسلطات الاتحاد وفي ظل آلية ديمقراطية تكفل مشاركة العمال في صوغ القرار النقابي المعبر عن إرادة القواعد العمالية وليس الجمعيات السياسية

إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"

العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً