لم تحظ الشعائر الحسينية بما تستحق من دراسة وتقييم وتوثيق. ولا يوجد تراث على هذا الصعيد، فلا مؤتمرات تناقش دور المأتم والمنبر في الحراك السياسي والاجتماعي، وفي ظل المتغيرات... ولعل غياب هذا التراث يعد أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انحسار تأثير ذكرى عاشوراء.
ومن دون أن ينكر طبيعة المرحلة الأمنية وتأثيراتها السلبية على الحراك المدني، خصوصا المآتم والمساجد، بحكم طابعها الديني الذي استهدف أكثر من غيره من طرف جهاز الأمن السياسي، فإن أسبابا أخرى مجتمعية وثقافية فاقمت من هذا الإشكال.
واحدة منها، انعزال إدارة الأوقاف الجعفرية عن الحدث الحسيني. وعلى مدى السنوات الماضية، لم نسمع أن الأوقاف نظمت ندوة أو مؤتمرا أو حلقة دراسية أو أعدت كتيبات ومنشورات عن المآتم والوقف الحسيني ودوره في تنمية المجتمع، ويفترض أن لدى الأوقاف قسما خاصا بالدراسات والبحوث يعنى بهكذا أمور.
وعلى رغم الفضائح المتتالية، وسوء أدائها الذي لا ينكره إلا من عمي قلبه، فإن لسان القائمين على الأوقاف يقول «يا جبل ما يهزك ريح». فلا حوار مع الناس، والمآتم، والصحافة، ولا أحد يعرف بعد إلى أين يتجه الوقف، وأين مصيره، ويساعد على ذلك بالتأكيد ضعف النشاط المدني، فلا أحد يتحدث بصوت واضح عما يجري داخل هذه القلعة، لا القيادات الدينية ولا غيرهم.
إلى ذلك، فإن الذهنية التي تحصر الحدث الحسيني في الدمع والتاريخ، دونما تبصر بأن «كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء». والضعف العام في الخطباء والرواديد، وتشتت الجهود بسبب كثرة المآتم والمواكب، كل ذلك اسهم في الإضرار بالحدث الحسيني. ومع ذلك فإن نشاط عدد من الشباب هنا وهناك يجعل المرء يتفاءل بأن البلد يسير في الاتجاه الصحيح لتحسين الأداء
العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ