يختلف المحللون والمخططون عن علاقة الأمن بالتنمية، منهم من يقول إن الأمن هو مدخل إلى أيّة تنمية. ويقول البعض الآخر، إن التنمية هي التي تفرض الأمن. لكن الأكيد ان هناك دولا عربية كثيرة يعتبر الأمن فيها مستتبا إلى درجة قصوى، لكن التنمية فيها تبدو معدومة. وظهر عجز تلك الدول بشكل فاضح فيما خص التنمية، في فترة ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول وبعد الهجمة الأميركية على المنطقة. وبعد ان تحولت منطقة الشرق الأوسط كمسرح أساسي للحرب الأميركية على الإرهاب. فبدأ الأمر كالآتي:
1- أميركا موجودة على أبواب الدول العربية مع ترسانتها تهدد الكل وتتوعدهم.
2- المجتمعات العربية غير جاهزة ومهيّأة لهذا الوضع الجديد.
3- حكومات غير قادرة على السير بالركب الأميركي بعكس طموحات شعوبها، وخصوصا أن شرعيّتها ليست عميقة كفاية. ومن جهة ثانية هي غير قادرة على الصمود في وجه الهجمة الأميركية الكبيرة. كذلك الأمر، لم تعد الخطابات والشعارات السابقة تفي او تقنع الشعوب العربية.
4- باختصار، كشفت ضربة 11 سبتمبر، والحرب الأميركية على الإرهاب عجز الأنظمة العربية بشكل فاضح جدا جدا.
ماذا عن الحال القطريّة؟
إذا أردت ان تعرف ماذا يجري في قطر، فما عليك إلا ان تراقب وترصد القوانين التي تصدر، والندوات الدولية التي تعقد في الدوحة، والتي تصب كلّها في خانة التنمية، والمقصود بالتنمية هنا طبعا هو التنمية البشرية. ويمكننا الجزم هنا ان هناك قرارا سياسيا فعلا اتخذ في قطر. وأصبحت الخطة في مرحلة التطبيق والإعداد حتى المستوى الأدنى، أي مستوى الميكرو. وإذا أردت ان تعرف مستوى الندوات التي تعقد في قطر، فما عليك إلا مراجعة اسماء المحاضرين الذين شاركوا في منتدى الدوحة للتنمية والذي عقد بين 16و18 فبراير/ شباط 2004، فنقرأ مثلا: نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور، الوزير السابق غسان سلامة، الكاتب والمفكر فريد هاليداي، الرئيس السابق لجنوبي إفريقيا دو كليرك وغيرهم من المفكرين المعروفين في العالم.
ما الهدف من هذه الندوة؟
تعتبر قطر غنية بالنفط كما بالغاز الطبيعي، وهي ليست بحاجة إلى تنمية بشرية سريعة لزيادة معدّل نموها الاقتصادي. وأن هذه الثروات لن تنضب حتما خلال عقود من الزمن، لكن القرار السياسي اتخذ فعلا كما قلنا. فقطر تعرف موقعها وتعي دورها في التحولات الكبرى التي جرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، خصوصا بعد 11 سبتمبر وشروع أميركا بحربها على الإرهاب. وهي تعرف ان الكثير من العرب ينتقدونها لانها اتخذت الخيار الاستراتيجي تجاه موقفها من الولايات المتحدة. لكنها تعرف ايضا ان العرب كانوا فشلوا في الحفاظ على أمن الأعضاء في جامعة الدول العربية. وانهم مشتتين، لا كلمة واحدة تجمعهم. وهي ترى ان مثال الكويت هو خير دليل على صواب خيارها الاستراتيجي. وهي وعلى رغم الثروات الكثيرة، وعلى رغم انها مستقرّة أمنيّا، خصوصا بعد ان أصبحت مركز الثقل الأميركي في المنطقة، قد قررت البدء بمشروع تنمية شامل وكامل يتناول كل القطاعات التي تقوم عليها الدولة. وهنا سأتناول ملخص ما جاء في كلمات المحاضرين.
نائب الرئيس الاميركي آل غور
لم يأت نائب الرئيس بشيء جديد، فهو تحدّث عن ضرورة تطوير أداء الدولة تجاه المستهلك الذي تخدمه، ألا وهو المواطن. ركّز على الشفافية وعلى محاربة الفساد. كذلك الأمر شجّع على ضرورة فتح باب الأفكار لمن أراد.
فرد هاليداي: اعتبر هاليداي ان العولمة هي كالطقس بالنسبة إلى الإنسان، أي انه لابد منها ولا يمكن تجنبها. لذلك علينا الاستفادة منها كما نستفيد من الطقس للتنمية. ركّز هاليداي على ضرورة تطوير وحماية التنوع في منطقة الشرق الأوسط. وتحدث عن الزلازل التي مرت على العرب وعلى منطقة الخليج تحديدا. فهناك الزلزال الإيراني الذي لم ينته بعد. أيضا، هناك الزلزال العراقي، وأيضا لم ينته بعد. وأخيرا وليس آخرا هناك الزلزال الأصولي، هذا مع عدم نسيان الزلزال الفلسطيني والذي خمدت حممه تقريبا بعد 11 سبتمبر. وأخيرا وليس آخرا، طلب هاليداي من السلطات القطريّة ان ترفع حظر استقدام وبيع بعض الكتب الممنوعة، وخصوصا ان قطر تبيع حاليا بضاعة نادرة في العالم العربي إلا وهي الحريّة الإعلامية.
الوزير غسان سلامة:
إذا أردنا ان ننصف الوزير غسان سلامة، فإنه يمكننا القول عاليا وبصراحة ان هذه الندوة، هي ندوة غسان سلامة. فهو تمتع بشخصية كاريزميّة وعقل تحليلي افتقده الباقون من المحاضرين، حتى ولو تحدّث باللغة الانجليزية. ماذا قال غسان سلامة؟
- قال غسان سلامة: إن العالم تبدّل جذريا، وأصبح عالما آحاديّا، أميركا فيه المهيمنة.
- وهو ركّز ان العرب، أو بعض العرب لم يعوا حتى الآن هذا التحوّل الكبير والتاريخي.
- وهو يقول إن أميركا أتت إلى المنطقة ليس كقوّة ستاتيكو كما قبل، هي الآن تقود استراتيجيّة تقوم على التغيير الجذري.
- لكن المعضلة حاليا بالنسبة إلى أميركا هي في عدم قدرتها على تحديد العدو الايديولوجي كما كان الاتحاد السوفياتي. فالإرهاب لا يشكّل عدوا ايديولوجيا، لا بل هو وسيلة لهدف سياسي، على رغم انه يستند في خطابه على تفسير خاص للدين.
- هل أسلحة الدمار الشامل او من يملكها هي العدو الجديد؟ طبعا كلا وإلا لكانت «إسرائيل» على لائحة الأعداء، او حتى باكستان أيضا.
- هل الدكتاتوريات هي العدو؟ طبعا كلا، وإلا فلماذا تهادن أميركا بعض الطغاة وتضرب البعض الآخر وتقضي عليهم؟
- هل الإسلام هوالعدو كما قال هانتنغتون؟، طبعا كلا، لأنه رسالة حضارية وليس هناك إجماعا على انه العدو.
إذا؛ العدو الجديد هو عدو مبهم لا صورة له، ولا توافق عليه حتى بين الغربيين انفسهم. ويتابع الوزير سلامة كلامه ليلخّص الوضع الاميركي المأزوم، كما الوضع العربي على الشكل الآتي:
- بعد سقوط الدب الروسي ووقوع ضربة 11 سبتمبر، أصبح الغرب عدّة أقسام، ولم يعد هناك غرب واحد ملتف على بعضه بعضا لقتال الشيوعية. هناك أوروبا، كندا والولايات المتحدة. حتى انه ضمن أوروبا هناك عدة «غرب».
- في هذا الوضع تميّزت الدول العربية الصغيرة في انها كانت الأسرع إلى التأقلم مع المتغيرات. أما الدول الكبرى العربية فقد كانت ولاتزال تعاني من مشكلات جمة في التأقلم.
- إذا أرادت أميركا نشر الديمقراطيّة في العالم العربي فهناك ضرورة ان يكون هناك ديمقراطيين لممارسة هذه الديمقراطية.
- يعتبر سلامة ان الحريات أتت إلى العالم العربي من خلال العولمة، وليس عبر سياسات الدول العربية.
- يعتبر الوزير سلامة ان الثروة المقبلة هي ليست في المواد الأولية، لا بل في القوى الطريّة ُنُّ ذٌُّمْ. لذلك من الضروري ان يستثمر العرب في الإنسان العربي. خصوصا بعد ان تراجع دور العرب، كما تراجعت حصتهم من الاقتصاد العالمي.
في الختام، اقترح الوزير سلامة على أميركا ان تراجع الأفكار الآتية والمتعلقة بالمنطقة في حال أرادت النجاح بمشروعها:
- بالنسبة إلى العراق، اعتبر الوزير سلامة ان الحرب على العراق لم تكن تتمتع بالشرعية الدولية. وهو من خلال معايشته الوضع العراقي عبر الأمم المتحدة، يعتقد انه أصبح من الضروري ان تتضافر الجهود الدولية لوقف النزف العراقي. إذا؛ إن أكبر عقبة أمام أميركا في العراق تقوم على فقدانها شرعية حربها هناك.
- يجب على الولايات المتحدة ألا تغفل القضية الفلسطينية لأنها قلب وضمير العرب والمسلمين. ويجب عليها ان تفرض تطبيق القوانين الدولية على «إسرائيل».
- وأخيرا وليس آخرا، يشدّد الوزير سلامة على سخافة الخطاب الأميركي والمتعلق بالمنطقة فيقول: إذا كان المشروع الأميركي يقوم على إعادة رسم صورة المنطقة ونشر الديمقراطية. وإذا أرادت أميركا من الدول المحيطة بالعراق ان تساعدها في مشروعها. فكيف يمكن لأميركا ان تقول لتلك الدول المحيطة بالعراق أنه وبعد الانتهاء من العراق، إنك (أي الدول المحيطة) على جدول الأهداف المقبلة؟ إذا من الطبيعي ألا تتعاون هذه الدول.
استاذ مساعد في جامعة سيدة اللويزة، وعميد ركن متقاعد
العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ