إن الآباء الذين يستخدمون الحدود المتسامحة أو المتساهلة مع أبنائهم لا يطيعهم هؤلاء الأبناء... والنتيجة أنهم يصابون بخيبة أمل ويشعرون بالغضب والثورة عليهم... وبالتالي يصبون عليهم سيلا من الكلمات المؤلمة والجارحة لأبنائهم... وهو ما يطلق عليه علماء التربية «الرسائل غير المشجعة لتحسين سلوك الأبناء»... إلا إن هؤلاء الآباء لا يعتقدون أن الحدود المتساهلة هي التي جعلت أبناءهم لا يفكرون في طاعتهم... وإنما هم يظنون أن عدم الطاعة من أنفسهم.
إذن... تسير الحدود المتساهلة مع الرسائل غير المشجعة في إحداث الخلل في علاقة الآباء بأبنائهم لعدم تعاون الطرفين معا ليتم تحسين سلوك الأبناء ونشر روح الصداقة والمودة مع آبائهم فيعم السلام والهدوء والاطمئنان الحياة الأسرية.
وطبعا الرسائل المشجعة تسير معا مع الحدود الحازمة المؤثرة وبالتالي فنتائجها رائعة في تحسين سلوك الأبناء وهو ما سأذكره مع أمثلة توضحه في الحلقات المقبلة.
وسنضرب مثلا بالنسبة إلى استخدام الرسائل غير المشجعة أو السلبية وسنرى أين مواطن الخطأ فيها لنتجنبها في تعاملنا مع أبنائنا في مراحل حياتهم المختلفة.
نبيل طفل في التاسعة من عمره... تعود على أن يتحرش بأخته ويضايقها وهي تلعب معه في غرفة ألعابهما... تضايقت الأم من صراخ ابنتها... فقالت مستخدمة الأسلوب المتساهل في ردعه قائلة:
«نبيل. أتمنى أنك لا تضايق أختك مرة أخرى... أنت تعرف كيف أشعر عندما تفعل ذلك».
هل توقف نبيل عن مضايقة أخته... طبعا لا... فهو لم يجد حدودا تردعه للتوقف. وهو يتمتع بما يفعل.
دخلت والدته الغرفة وهي غاضبة بسبب عدم تعاونه معها وبدأت في إطلاق سيل رسائلها غير المشجعة له لتطوير سلوكه قائلة:
«ألا ترى أنك تضايق أختك كثيرا. هل أطلب الشيء الكثير لو أنك تعاونت معي بين حين وآخر... إنني أتوقع هذا السلوك من طفل في الرابعة من عمره لا منك أنت... هل يمكن أن تكبر وتكف عن إزعاج من حولك؟»
فوجئ نبيل بهذه الرسائل غير المشجعة أي الجمل الجارحة لشخصيته.
فرد عليها مقهورا:
«هل يعجبك أنت أن تصرخي في وجهي هكذا طوال اليوم؟».
ردت الأم غاضبة برسالة أخرى غير مشجعة «كفى ما فعلته حتى الآن... أنا تعبة منك ومن سخافاتك هذه» ثم أعطته ورقة وقلما وقالت له بصرامة:
«اجلس واكتب هذه العبارة مئة مرة» لن أضايق أمي».
أجاب نبيل غاضبا «لن أكتب أنت لا تستطيعين إرغامي إذا كنت لا أريد».
ردت عليه أمه غاضبة «إذن لن أدعك تلعب أو تشاهد التلفزيون بقية الأسبوع».
أجابها ابنها بتحد:
«لا يهمني سأريك أنني لن أهتم».
والآن. دعونا نحلل هذا الموقف الذي جرى بين الأم وابنها نبيل... الا نرى أن جهل الأم باستخدام الأسلوب الحازم مع ابنها ثم توجيهها له بجمل تحمل رسائل غير مشجعة يقللان من ذكائه وشخصيته. وهي بالتالي دفعته إلى تحديها. وبالتالي تحول ذلك الموقف إلى معركة بين الابن والأم... وفي النهاية لن تطور الأم سلوك ابنها بهذه الرسائل غير المشجعة أو السلبية.
بل ستدفعه إلى التمرد والثورة عليها. على رغم أنها مثل معظم الأمهات تنوي الخير لابنها... وتريد ايقافه لكنها أخطأت في استخدام الأساليب لتوقيفه وتطوير سلوكه.
كانت الأم متساهلة مع ابنها في البداية وعندما غضبت بسبب عدم تعاون نبيل معها حاولت أن تخجله وتدفعه لكي يتعاون معها فبدأت في إرسال عدة رسائل غير مشجعة... وكانت هذه الرسائل تشتمل على صفات تقلل بها من شخصية ابنها... أي انها ركزت على شخصيته وقدراته والتقليل من شأنها... لا تصرفاته... وكانت تحتوي على عدم ثقة بمقدرته على أن يتصرف بطريقة مقبولة وكأنها تقول له «أنت غير قادر... وليس لدي ثقة بك ولا أتوقع تعاونك» وكانت النتيجة أنه فعلا فعل ما توقعته منه لأنه لم يتعاون معها.
هل سنتعاون لو عاملنا أحدا هكذا؟... طبعا لا... وهكذا فعل نبيل بمقاومته وتمرده... أليست أمه مثالا له... وبحلها مشكلتها معه بهذا الأسلوب الجارح السلبي تعلمه أن العبارات المؤلمة غير المشجعة مقبولة لكي يجعل الآخرين يتعاونون معه... أي انها من دون أن تشعر كانت تعلمه السلوك نفسه الذي تحاول أن تخلصه منه.
في الحلقة المقبلة سنستعرض بعض الرسائل غير المشجعة أو السلبية بمعنى آخر وكيف يرى أبناؤنا أنفسهم من خلالها...؟ وما الرسائل المشجعة أو الإيجابية وكيف تكون ومدى تأثيرها على تحسين سلوك الأبناء؟
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ